شهد موقف مصر والإمارات في ليبيا تحولاً عكسياً تجاه القضية، فبعد دعمهما المباشر وغير المحدود للجنرال الانقلابي خليفة حفتر طيلة السنوات الماضية، جاء اليوم الذي اكتشفت فيه أبوظبي والقاهرة وقوفهما في الجانب الخاسر.
وكشف مصدر دبلوماسي رفيع المستوى -فضّل عدم ذكر اسمه- لـ"عربي بوست" أن "جلسات سرية جرت بين الخارجية الليبية والمصرية في القاهرة خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، صرحت خلالها الخارجية المصرية بأنها مستعدة للتخلي عن دعم حفتر، مقابل ضمان استمرار مشاريعها الاستثمارية في ليبيا".
وحسب المصدر ذاته فإن "مشاريع مصر في ليبيا تُقدر بـ10 مليارات دولار. وقد وافق المجلس الرئاسي الليبي بقيادة السراج على المقترح، ليعلن السفير المصري الجديد محمد ثروت فتح السفارة المصرية في طرابلس منذ فبراير/شباط 2021.
أطماع مصر في ليبيا
يقول العقيد طيار سعيد الفارسي لـ"عربي بوست"، إن "خطوات التحول في الموقف المصري تجاه القضية الليبية بدأت منذ انسحاب ميليشيات حفتر من جنوب طرابلس، في يونيو/حزيران 2020، وإعلان السيسي منطقة سرت خطاً أحمر للأمن القومي المصري".
وأضاف المتحدث أن "هذه الخطوة المصرية جاءت لإضعاف تحالف الوفاق مع تركيا، للقضاء على التمرد في شرق ليبيا، وأيضاً لإنهاء حالة الانقسام التي تمر بها البلاد، ولتبقى منطقة سرت ورقة تفاوض بين القاهرة وأنقرة، والتي كانت قد بدأت في الجزائر وروما".
واعتبر المتحدث أن "المبادرة السياسية للسيسي، التي تدعو جميع الأطراف لوقف إطلاق النار والجلوس على طاولة الحوار كانت بمثابة إشارة سياسية لحكومة الوفاق، مفادها التخلي عن الحل العسكري والمضي في العمل السياسي ظاهرياً، واستمرار الدعم الاستخباراتي خفيةً".
وتابع الفارسي أن "احتضان مصر للعديد من المؤتمرات والمشاورات السياسية والعسكرية بين الأطراف الليبية المتنازعة برعاية الأمم المتحدة حقق خلالها تشكيل لجنة عسكرية مكونة من 5 ضباط تابعين لحفتر و5 ضباط تابعين للجيش الليبي بحكومة الوفاق غرب ليبيا، مهمتهم الإشراف على وقف إطلاق النار، وإخراج المرتزقة، وفتح الطريق الساحلي بين شرق ليبيا وغربها، وتأمين مدينة سرت لعقد جلسات البرلمان الليبي".
واعتبر المتحدث أن "هذه الخطوات جاءت نتيجة الضغوط التي تمارسها أمريكا على النظام المصري فيما يخص ملف حقوق الإنسان، كما أن ملف دعم الاستقرار في ليبيا أصبح من أولويات الإدارة الأمريكية بعد تسلّم بايدن الحكم".
وحول التوتر الذي تشهده مدينة بنغازي، أكد العقيد طيار سعيد الفارسي في حديثه مع "عربي بوست" أن "مدينة بنغازي محاصرة بأكثر من 10 نقاط عسكرية، تتمركز في مناطق الطوق، بجنود أغلبهم يتحدثون اللهجة المصرية، ويُرجح أن يكونوا من أبناء قبائل الحدود الليبية المصرية، تابعين للواء 106 التابع لنجل خليفة حفتر صدام".
تراجع إماراتي
كشف مصدر عسكري تابع لخليفة حفتر لـ"عربي بوست"، أن "البعثة العسكرية الإماراتية الموجودة بقاعدة الخادم شرق مدينة بنغازي قد تراجعت قرابة 50% بعد انتخاب المجلس الرئاسي الجديد والحكومة المنبثقة عنه، دون معرفة الأسباب".
ويعتقد رئيس مركز أسطرلاب للدراسات، عبدالسلام الراجحي، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "تقدّم الدور المصري على الدور الإماراتي بالمنطقة الشرقية هو نتيجة تبايُن في وجهات النظر بين الطرفين"، موضحاً أن "هناك تأخراً في الدور الإماراتي أمام الدور المصري في ليبيا، يدل على وجود خلافات، لكنها ليست بالعميقة".
وتابع الراجحي أن "التقارير المصورة والوثائق التي نشرتها قناة الجزيرة أكدت أن الإمارات مازالت تُرسل المعدات العسكرية والأسلحة لليبيا، مستخدمةً الأراضي المصرية كمحطة لتخزين هذه المعدات في قاعدة عسكرية، تبعد عن الحدود الليبية قرابة الـ50كم".
وأشار المتحدث إلى أن "التفاهمات التركية المصرية الأخيرة هي في إطار حفظ المصالح المشتركة بين الدولتين، وذلك بعد خذلان النظام المصري من قبل حلفائه في شرق المتوسط، كاليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل، بعد استبعادها من الشراكة في خط أنبوب الغاز الجديد الذي سيصل إلى أوروبا".
وأكد الراجحي أن "الطرفين المصري والإماراتي لم يتخليا عن الحل العسكري، بل قاما بتأخير خليفة حفتر خطوة إلى الوراء، كاستراتيجية تكتيكية بعد الضغط الذي تعرّضت له هاتان الدولتان من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي، خصوصاً بعد تورط مصر والإمارات والسعودية في المساهمة في تغلغل التواجد الروسي بالأراضي الليبية، ما تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية أمراً خطيراً ومرفوضأً".
وأشار الراجحي إلى أن "العلاقات بين النظامين الإماراتي والمصري علاقة متينة تخدم بعضهما البعض، ولن يكون بينهما خلاف حاد وكبير، بل هناك مساحة من الخلاف لا ترتقي لأن تكون صراعاً".
حراك مدني في بنغازي
وأمام هذا التحول في ليبيا كشف مصدر عسكري تابع للقيادة العامة في بنغازي لـ"عربي بوست" عن "اتفاق بين المخابرات الحربية المصرية وخليفة حفتر، بعد الانفلات الأمني الذي تشهده مدينة بنغازي في الآونة الأخيرة، يتجلى في فرض الأمن بالقوة داخل المدينة، والتخلص من المسلحين الخارجين عن السيطرة، والمطلوبين للجنايات الدولية، على رأسهم محمود الورفلي".
وأضاف المصدر ذاته أن "مصر تضمن بقاء حفتر في المشهد العسكري شرق ليبيا حتى انتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، لتضمن عدم انتشار الفوضى في المنطقة الشرقية، والتي بدورها ستؤثر على أمنها القومي".
ويرى المحلل السياسي عمر التهامي في حديثه مع "عربي بوست" أن "مصر تقود المشهد السياسي والاجتماعي والعسكري شرق ليبيا بقوة في الفترة الأخيرة، وذلك لضمان وجودها في المنطقة، وعدم السماح بانتشار الفوضى، خصوصاً بعد تقلص دور حفتر وخروج بعض الكتائب عن سيطرته".
وقال المتحدث: "شاهدنا في 2020 أعيان قبائل المنطقة الشرقية وهم يطلبون التدخل العسكري المصري في ليبيا، بعد أن قامت قوات الوفاق بطرد مرتزقة حفتر وميليشياته من طرابلس، لكن الإدارة المصرية لم تسمح بذلك، لأنها لم تكن راضيةً عن الهجوم على طرابلس، بعكس الرؤية الإماراتية التي دعمت دخول طرابلس بقوة".
وأضاف التهامي أن "الإدارة المصرية لديها دراية كاملة بالتركيبة الاجتماعية الليبية، خصوصا في الشرق، ومن هذا المنطلق فإنها تقود اليوم حراكاً مدنياً من قبائل المغاربة والعواقير والعبيدات، والذي يُمكن أن يتطور إلى حراك عسكري لتطهير بنغازي للمرة الثانية من البؤرة الإجرامية والإرهابية التي تكونت في المدينة، والمتمثلة في بعض المجرمين المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية، مثل محمود الورفلي وآل الكاني".
قال موقع "أفريكا أنتليجينس" الاستخباراتي إن "هجوم المطلوب دولياً محمود الورفلي على مقر وكالة "تويوتا" في بنغازي مؤخراً أثار الرعب بين وجهاء وعائلات بنغازي، كما أن عدم رد حفتر على هذا الاستفزاز يقلق كثيراً الأسر الكبيرة التي كانت تعتبر نفسها محمية من قبل حفتر، وقد تعهدت بنقل ممتلكاتها وعائلاتها إلى طرابلس أو خارج ليبيا".
وأكد الموقع الاستخباراتي أن "حفتر أصبح أقل انخراطاً في قيادة ميليشياته التي أوكلها إلى ابنيه صدام وخالد، في حين أن جزءاً من الملفات السياسية تُرك في يد ابنه بلقاسم".
"التحالف العربي" والقضية الليبية
قال "ديفيد هيرست"، الكاتب بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إنّ "زعماء دول التحالف العربي (الإمارات ومصر والسعودية والبحرين) لم يعد بإمكانها الاجتماع مُجدداً في يخت، وذلك في إشارة منه إلى الصورة التي التقطها هؤلاء الزعماء في نزهة عام 2017".
ومن العوامل التي قال الكاتب إنّها حالت دون ذلك "وصول جو بايدن إلى الرئاسة الأمريكية، وكراهيته الواضحة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رغم أنه يرفض معاقبته"، على حد قوله.
أمّا العامل الثاني فذكر الكاتب أنّه "يعود إلى الهزيمة العسكرية لحفتر، عندما صُدَّت قواته من طرابلس وتقهقرت إلى سرت"، بالإضافة إلى أن "التّدخل التركي وفاعليّة حملة الطائرات المسيّرة كانت بمثابة صدمة لمصر، التي كانت أجندتها في ليبيا مدفوعة من الإمارات، ومع ذلك استثمرت مصر في تدريب ميليشيات حفتر وتسليحها وتزويدها بالموارد".
وأضاف المتحدث أن "الإمارات ومصر اكتشفتا أنّهما في الجانب الخاسر، كما أن العلاقة بين القاهرة وأبوظبي غير متقاربة، وبدأ التحفظ في العلاقات بسبب مشكلة مالية، لكن سرعان ما استفحل بسبب اعتراف أبوظبي بإسرائيل"، وفق ما نشرته صحيفة "ميدل إيست آي".
المطالبة بتحقيق
طالبت مكونات برقة الاجتماعية والسياسية والحقوقية بفتح تحقيق في كل الأعمال الإرهابية التي هزت الشارع في بنغازي بصفة خاصة وبرقة عامة.
ودعت في بيان لها الإثنين 15 مارس/آذار 2021، إلى الكشف عن مصير النائبة سهام سرقيوة، والناشط الحقوقي أحمد الكوافي، وجريمة تفجير أبريك اللواطي، ومحمود موسى العبروقي، واغتيال الناشطة حنان البرعصي.
ودعا البيان إلى الكشف عن جميع السجون السرية في برقة بصفة عامة، ومعرفة مصير كل المختطفين ومعاقبة من قاموا بالخطف أو أمروا به.
وطالبت مكونات برقة بإخراج الكتائب والتشكيلات العسكرية من بنغازي، وتسلّم وزارة الداخلية تأمين المدينة، ودعت إلى المصالحة الوطنية بكل قوة، وعودة المهجرين في الداخل والخارج، وإطلاق سراح المعتقلين الذين لم تثبت عليهم أي إدانة.
وكانت منظمة رصد الجرائم الليبية قد أعلنت، يوم الجمعة الماضي، عن عثورها على جثتين مجهولتي الهوية مقيدتي الأيدي للخلف، وعليهما آثار رصاص في الرأس، على شاطئ البحر غرب مدينة بنغازي.