نجح علماء في أوروبا في الوصول إلى الآلية التي يُشكِّل بها لقاح أسترازينيكا البريطاني المضاد لفيروس كورونا المستجد تجلطات دموية مميتة في حالات نادرة من متلقيه، وكذلك علاج محتمل لها، داعين الناس إلى عدم الخوف من تلقي اللقاح، وذلك طبقاً لما أوردته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، يوم الجمعة 19 مارس/آذار 2021.
حيث وجد فريقان من الباحثين الطبيين في النرويج وألمانيا، يعمل كل منهما باستقلالية، أن اللقاح يمكن أن يحفز رد فعل مناعياً ذاتياً يُسبب تجلط الدم في الدماغ، وهو ما قد يقدم تفسيراً لحالات تجلط متفرقة ظهرت في جميع أنحاء أوروبا في الأسابيع الأخيرة.
يشار إلى أن شركة أسترازينيكا قالت، يوم الأحد 14 مارس/آذار الجاري، إنها أجرت مراجعة على مَن تلقوا لقاحها لفيروس كورونا أسفرت عن عدم ظهور دلائل على زيادة خطر حدوث تجلط في الدم.
زيادة خطر الانسداد الرئوي
الشركة أضافت، في بيان، أنه بـ"مراجعة دقيقة لجميع بيانات السلامة المحتملة لأكثر من 17 مليوناً حصلوا على التطعيم من كوفيد 19 بلقاح أسترازينيكا في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لم تُظهر دلائل على زيادة خطر الانسداد الرئوي أو تجلط الأوردة العميقة أو قلة الصفائح في أي فئة عمرية محددة أو جنس معين أو في أي بلد بعينه".
لكن عدة دول أوروبية أوقفت لفترة وجيزة طرح اللقاح هذا الأسبوع بعد تشخيص أكثر من 30 متلقياً بحالة تُعرَف باسم خثار في الجيوب الوريدية الدماغية. وكان معظم المصابين بها من النساء دون سن 55.
الدول الأوروبية تلك لجأت إلى اتخاذ هذا الإجراء بعدما تحدثت عن احتمال أن يكون للقاح آثار جانبية "خطيرة"؛ ما دفع بحملة التطعيم المتعثرة بالفعل في أوروبا إلى الفوضى.
الفوائد تفوق المخاطر المحتملة
كانت المشكلة قد ظهرت على جزء صغير من أولئك الذين تلقوا اللقاح، ومع ذلك، وبعد تحري الأمر، قضت هيئة تنظيم الأدوية في الاتحاد الأوروبي بأن الفوائد تفوق المخاطر المحتملة للقاح، وأوصت باستئناف التطعيم بأسترازينيكا.
من جانبه، قال بول أندريه هولم، أستاذ أمراض الدم وكبير الأطباء في مستشفى جامعة أوسلو الذي ترأس تحقيقاً في الحالات النرويجية، إن فريقه حدد الجسم المضاد الذي تكوُّن بمساعدة اللقاح، والذي تسبب في رد الفعل العكسي، مضيفاً: "لا شيء سوى اللقاح يُفسر سبب ظهور هذه الاستجابة المناعية على هؤلاء الأشخاص".
بدوره، أكد أنردياس غرينشر، أستاذ طب نقل الدم بعيادة جامعة غريفسفالت الألمانية، أنه وفريقه من الباحثين توصلوا لنفس استنتاج بروفيسور هولم. وقال: "قلة قليلة من الناس ستُصاب بهذه المضاعفات. لكن إذا حدث ذلك، فنحن الآن نعرف كيف نعالج المرضى".
جدير بالذكر أنه رُصِدَت في ألمانيا 13 إصابة بخثار في الجيوب الوريدية الدماغية من نحو 1.6 مليون شخص تلقوا لقاح أسترازينيكا. ومن بين هذه الإصابات، كان 12 من النساء، وتوفي 3 أشخاص.
الناس يجب ألا يخافوا من اللقاح
فيما أشار باحثون ألمان، نسقوا مع زملائهم في النمسا وأيرلندا وبريطانيا، في بيان، إلى أن المرضى الذين تظهر عليهم الأعراض بعد 4 أيام من التطعيم، مثل الصداع أو الدوخة أو ضعف البصر، يمكن تشخيصهم بسرعة بإجراء فحص دم. ولفت البروفيسور غرينشر إلى أن هذه الأنباء تعني أن الناس يجب ألا يخافوا من اللقاح.
تجدر الإشارة إلى أن الجهات الرقابية في ألمانيا والنمسا وهولندا لم تُعلِّق على الفور، حيث استُئنِفت التطعيمات باستخدام لقاح أسترازينيكا أو لم تُعلَّق هذا الأسبوع. فيما قالت وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية البريطانية إنها على دراية بالنتائج في ألمانيا والنرويج وتتعاون مع خبراء بريطانيين لتحديد ما إذا كان يمكن التوصل إلى نتائج مماثلة في المملكة المتحدة.
من جهتها، لفتت متحدثة باسم وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية البريطانية، إلى أنه نظراً لما وصفته بالمعدل النادر للغاية لحدوث خثار في الجيوب الوريدية الدماغية بين 11 مليون شخص تلقوا التطعيم، ومع عدم إثبات حلقة الوصل بين ذلك واللقاح، فإن "فوائد اللقاح في الوقاية من كوفيد 19، وما يرتبط به من مخاطر دخول المستشفى والوفاة، تتفوق حتى الآن على مخاطر الآثار الجانبية المحتملة".
فيما ناشدت منظمة الصحة العالمية الدول عدم وقف حملات التطعيم من المرض الذي أودى بحياة نحو مليونين و700 ألف في أنحاء العالم حتى الآن، لافتة إلى أن لجنتها الاستشارية تراجع التقارير المتعلقة بأثر اللقاح، وستنشر ما تخلص إليه، في أسرع وقت ممكن.
كما أن مسؤولاً أمريكياً كبيراً قال مؤخراً إن النتائج التي طال انتظارها لتجربة لقاح أسترازينيكا على 30 ألف فرد في الولايات المتحدة تخضع الآن لمراجعة مراقبين مستقلين؛ لتحديد مدى سلامة اللقاح وفاعليته.
يُعدّ لقاح أسترازينيكا بين الأقل ثمناً ويمثّل الجزء الأكبر من اللقاحات التي تم إيصالها لأفقر دول العالم بموجب مبادرة كوفاكس المدعومة من منظمة الصحة العالمية، والتي تهدف إلى ضمان التوزيع المتساوي للقاحات على مستوى العالم.