أعلنت 3 مساجد كبرى في فرنسا، الجمعة 19 مارس/آذار 2021، رفضها حظر "الذبح الحلال" للدواجن وفق الأصول الشرعية الإسلامية، ووصفوها بأنها رسالة سيئة للمجتمع المسلم، خاصة مع اقتراب شهر رمضان.
قرار السلطات الفرنسية حظر "الذبح الحلال" يأتي في ظل تنامي الإحساس بين المسلمين في فرنسا باستهدافهم من قبل السلطات، خاصة بعد تبني الحكومة لمجموعة من القوانين وإصدار قرارات ترى فيها الجالية المسلمة في فرنسا "استهدافاً للإسلام".
حظر الذبح الحلال يقلق مسلمي فرنسا
ذكر بيان صادر عن مساجد باريس، وليون، وإيفري، أن إدارييها اجتمعوا لمناقشة تعميم وزارة الزراعة والأغذية الفرنسية، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حول حظر الذبح الحلال للدواجن.
أضاف البيان أن التعميم الوزاري يتعلق بالضوابط الرسمية "لحماية الحيوانات أثناء ذبحها في المسالخ"، مؤكداً أن ذلك لا يهيئ الظروف الملائمة للذبح وفق الأصول الإسلامية.
كما تابع: "إنها رسالة سيئة للمجتمع المسلم قبل رمضان، حيث إنه سيتم حظر الذبح الحلال للدواجن اعتباراً من يوليو/تموز 2021".
فيما أكد أن القائمين على إدارة المساجد الكبرى نقلوا مخاوفهم بشأن هذه القضية إلى وزارتي الداخلية، والزراعة والأغذية، دون التوصل إلى نتيجة إيجابية.
شدد البيان أيضاً على أن هذه الإجراءات تشكل عقبة خطيرة أمام الممارسة الحرة للشعائر الدينية، وأن القائمين على إدارة المساجد يؤكدون أنهم سيلجأون إلى كافة الإجراءات القانونية لاستعادة هذا الحق الأساسي.
كما أكد البيان مناقشة القائمين على إدارة المساجد لحظر الذبح الحلال مع المجتمع اليهودي في فرنسا.
فيما ذكر أن هذه الممارسة لا تضمن للمسلمين أكل اللحوم وفقاً لمبادئهم الدينية، داعياً وزير الزراعة والأغذية الفرنسي إلى قبول لقاء مع المعنيين باسم المساجد بشكل عاجل.
الإسلاموفوبيا تتمدد في فرنسا
قرار حظر الذبح الحلال يأتي في إطار "حملة" من السلطات الفرنسية تستهدف المسلمين في البلاد، إذ يُعد الإسلام هو ثاني دين بعد المسيحية انتشاراً في فرنسا، حسب الأرقام التي قدمها المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية، كما أن 82% من مسلمي فرنسا هم من الجالية المغاربية.
فيما يعيش أغلبهم حالياً في حالة من الخوف، بسبب نظرة المجتمع الفرنسي للإسلام، وأيضاً بعد تقديم الرئيس ماكرون مشروعَ قانونٍ يقول إنه يتضمن خمسة محاور لمكافحة "الانفصالية الإسلامية"، قبل قرار حظر الذبح الحلال للدواجن.
نورهان أُم فرنسية من أصول مغربية، اختارت الحديث لـ"عربي بوست" باسم مستعار، خوفاً على سلامتها، فهي امرأة قدمت إلى فرنسا قبل 15 سنة، بعد حصولها على الإجازة في الأدب الفرنسي، واعتبرت أن الأوضاع في البلد الذي تعيش فيه تغيرت كثيراً "فعند وصولها لفرنسا كانت الحياة جميلة ومختلفة كثيراً عما هي عليه اليوم"، على حد تعبيرها.
نورهان تزوجت وأنجبت 4 أبناء، وقرَّرت ارتداء الحجاب، فتعقدت أمامها الحياة، وأصبحت تعيش في خوف دائم، خصوصاً بعد تحجب واحدة من بناتها أيضاً، وتعرّضها المستمر للمضايقات في الخارج، بعد هذه الموجة التي تقودها فرنسا ضد المسلمين.
فبحسب نورهان، فإن المجتمع الفرنسي تغيّر نحو الأسوأ منذ أحداث 11 سبتمبر، وليس فقط بعد التصريحات الأخيرة للرئيس ماكرون، فـ"نظرة المجتمع الفرنسي للمسلمين تغيّرت، وسادت نظرة الاستصغار تجاهنا، لنعيش اليوم في ظل دولة تحمل شعار حرية وعلمانية لا تشملنا كجزء من المجتمع الفرنسي".
أضافت المتحدثة أن "إعلان دينك كمسلمة عبر الحجاب يعرِّضكِ للعديد من المشاكل في حياتك اليومية، من بينها صعوبة ولوج سوق العمل، وهو أمر عانيت منه شخصياً بعد ارتداء الحجاب، كما أنَّ تصريحات ماكرون وموقفه من الإسلام، إضافة إلى تطرُّف بعض الأشخاص ذوي الفكر الإرهابي الذي لا يمتُّ للإسلام بصلة، يؤدي إلى تجذُّر فكر الإسلاموفوبيا في هذا البلد، ونحن مَن ندفع ثمن هذا".
عنصرية وتمييز واضحان
يوضِّح أوليفير لوكور غرانميزو، عالم الاجتماع المتخصِّص في التراث الاستعماري لفرنسا وما يُطلق عليه "عنصرية الدولة"، قائلاً: "إحصائياً، إذا كانت لديك ملامح شمال إفريقية أو تعود إلى منطقة الصحراء الكبرى، فهناك احتماليةٌ لاعتقالك على يد الشرطة أكبر بثماني مرات من احتمالية القبض على شخصٍ قوقازي".
أضاف غرانميزو، مؤلِّف كتاب "Racisms of France"، أن "هذه الممارسات ندَّدَت بها جماعات حقوق الإنسان، لكنها متواصلة ومدعومة من جانب الدولة".
لأكثر من عقد، كان المجتمع المسلم بفرنسا في القلب من جدالاتٍ سياسية لا حصر لها، حول ما إذا كانت التعبيرات الواضحة عن التديُّن، مثل الحجاب، متماشيةً مع التفسيرات الأجدد للمفهوم الفرنسي عن العلمانية. وقد حذَّرَ المنتقدون والمدافعون من أن التشريع والخطاب العام يؤدِّيان إلى وصم المسلمين في البلاد، مع تحريف التعريف القانوني للعلمانية.
دعا وزير الداخلية الفرنسي، غيرالد دارمانين، إلى حلِّ كثير من منظمات المسلمين، وضمنها مؤسَّسة بركة سيتي الخيرية، والتجمُّع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا، في أعقاب مقتل المُعلِّم باتي، متهماً هذه المنظمات بتحمُّلِ بعض المسؤولية عن "الانفصالية"، وأنها أيضاً راضيةٌ أو داعمة لأفعال العنف في فرنسا، وهي ادِّعاءاتٌ أنكرتها هذه المنظمات.
حُظِرَت مؤسَّسة بركة سيتي، وقد يلقى التجمُّع ضد الإسلاموفوبيا المصير نفسه. ويرى المدافعون عن التجمُّع أنه رابطةٌ مفيدة توثِّق الأفعال المناهضة للمسلمين، في حين تفشل الدولة في ذلك.