قالت صحيفة The Times البريطانية، الإثنين 15 مارس/آذار 2021، إن محاولة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الترويج للنماذج التي يمكن الاحتذاء بها من جاليات المهاجرين، تعرضت لانتقادات؛ نظراً إلى أنها ضمَّت شخصيات من ذوي البشرة البيضاء، لتشير إلى فصل جديد من "العنصرية"، رغم أن هدفها هو مكافحة ذلك.
كانت نادية حي، وزيرة سياسة المدن، قد نشرت قائمة رسمية مكونة من 318 شخصاً صُممت لتمثل "تنوع فرنسا" في أسماء الشوارع، بعد أن قال ماكرون إن أسماء الشوارع الحالية والمباني تميز ضد الأقليات العرقية.
حيث سيتم تكريم الـ318 شخصية فرنسية من أصول أجنبية، من خلال إطلاق أسمائها على بعض الشوارع والمباني والميادين والفضاءات العامة الفرنسية.
تأتي تلك الخطوة في خضم المظاهرات الدولية والاحتجاجات المناهضة للعنصرية التي تضامنت مع قضية الشاب الأمريكي الأسود جورج فلويد، وفي ظل الاتهامات الكثيرة التي لاحقت ماكرون وبلاده بالعنصرية.
المنتمون للمؤسسة الباريسية التقليدية
من جهته، قال لويس جورج تن، رئيس المجلس التمثيلي لجمعيات السود في فرنسا، إن "الفكرة كانت جيدة من حيث المبدأ. ولكن من الناحية الفعلية، تبدو القائمة أقرب إلى نداء أسماء المنتمين إلى المؤسسة الباريسية التقليدية. عديد من الأسماء كانت لشخصيات البيض، و79% من الأسماء كانت من الرجال. وجميع هذه الأسماء ظهرت في القائمة، لأنها هاجرت إلى فرنسا من دول أوروبية أخرى".
فيما أقرّ "تن" بأنه "لا يوجد فعلياً كثير من العرب وأصحاب البشرة السمراء في هذه القائمة. من الواضح أنهم حتى حين يحاولون الترويج للتعددية، فإنهم يمارسون التمييز"، لافتاً إلى أن "الأقليات استُبعدت من عملية الاختيار. وإذا كان المفترض للرسالة أن تقول إنهم يحاولون الترويج للتعددية، فلن يستوعبها أي شخص".
شخصيات بيضاء
إذ إن القائمة ضمت الكاتب الأيرلندي صامويل بيكيت، ومصمم الأزياء الإيطالي بيير كاردان، والفنان الإسباني بيكاسو، والمغني صاحب الأصول الأرمينية شارل أزنافور، والفنانة البلجيكية الشهيرة آني كوردي، إضافة إلى أن بعض مصممي الأزياء، بينهم كاردان ونينا ريتش، وُلدوا في إيطاليا، وكريستوبال بالانسياغا، الذي وصل إليها قادماً من إسبانيا، وأوجين يونسكو، الكاتب المسرحي القادم من رومانيا.
كما احتوت القائمة على بعض الأقليات، مثل الراقصة الأمريكية السمراء جوزفين بيكر، والجزائري أحمد بوغيرا العوافي، الذي انضم إلى الجيش الفرنسي ليقاتل في الحرب العالمية الأولى وحصل على ميدالية ذهبية لفرنسا في ماراثون الألعاب الأولمبية لعام 1928.
إلا أن من بين الشخصيات المُكرمة أيضاً، شخصيات إفريقية ونحو 40 شخصية جزائرية، من بينهم فنانون وكُتاب ومفكرون وأيضاً سياسيون مقاومون للاستعمار الفرنسي.
إثراء التاريخ الفرنسي
كان ماكرون قد وعد مؤخراً بتقدم قائمة من نحو 500 شخصية فرنسية من أصول أجنبية، وأجنبية، ساهمت في إثراء التاريخ الفرنسي، في مجالات الفكر والأدب والفن والموسيقى والسياسة، حتى يتم تقديمها لرؤساء البلديات والمنتَخبين الفرنسيين؛ لمساعدتهم في تجديد تسمية بعض الشوارع والمباني العمومية أو بناء تماثيل تخلد ذكرى تلك الشخصيات.
وبالفعل كلّف ماكرون قبل أسابيع، لجنة علمية، مكونة من مؤرخين وكُتاب وعلماء اجتماع ورؤساء جمعيات، لتقترح عليه لائحة شخصيات راحلة أو مازالت على قيد الحياة، تنحدر من أصول أجنبية ومتنوعة.
أحد مستشاري الرئيس الفرنسي رأى أن هذا العمل يدخل في إطار مصالحة الفرنسيين مع تاريخهم، ودليل على أن الدولة الفرنسية لديها نظرة متنوعة ولا تقصي أي شخص، على حد قوله.
يشار إلى أنه في عام 2019، جمّد عمدة مدينة بوردو، ألان جوبيه، قراراً يقضي بتسمية أحد الشوارع باسم المناضل ضد العنصرية والعبودية فرانز فانون، بعد احتجاجات وتهديدات من اليمين المتطرف.
في سياق آخر، كانت المفوضة الأممية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، قد أعربت عن قلقها من أثر مشروع قانون "الأمن الشامل" السلبي على المسلمين، والمنحدرين من أصول إفريقية والأقليات الأخرى، لافتة إلى أنهم يلاحظون منذ فترة طويلة، نوعاً من العنصرية لدى قوات الأمن الفرنسية، مطالبةً المسؤولين بالتدخل للحد من هذه الظاهرة.