أعلنت ثلاث منظمات غير حكومية، الإثنين 15 مارس/آذار 2021، أنها قدمت شكوى في روسيا ضد مرتزقة فاغنر الروسية للأمن الخاص، في قضية قتل سوري في عام 2017 بوحشية كبيرة، آملةً في تسليط الانتباه على هذه المجموعة التي تقيم علاقات مشبوهة مع الكرملين.
هذه الشكوى ضد "جريمة حرب محتملة"، التي لديها فرص قليلة كي تؤدي إلى محاكمة في روسيا، تأتي في الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة في سوريا، والتي تحولت لحرب تدخّلت روسيا فيها عام 2015 دعماً لرئيس النظام بشار الأسد.
كما تأتي أيضاً في وقت رُفعت شكاوى عدة أمام القضاء في أوروبا ضد مسؤولين سوريين كبار متهمين بممارسة التعذيب.
المنظمات الثلاث، وهي المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومركز ميموريال الروسي لحقوق الإنسان، قالت في بيان إنها قدّمت "أدلة تثبت بوضوح هوية أحد المتهمين وتورطه مع مرتزقة فاغنر"، في تعذيب منشق عن جيش الأسد وقطع رأسه في عام 2017.
هذه المنظمات التي تريد لفت الانتباه على التجاوزات التي ترتكبها مرتزقة فاغنر، أوضحت أن هذه الدعوى تُعتبر "المحاولة الأولى من نوعها من قبل عائلة ضحية سورية لمحاسبة المشتبه بهم الروس على الجرائم الجسيمة المرتكبة في سوريا".
من جانبه، أكد رئيس مركز ميموريال لحقوق الإنسان، ألكسندر تشيركاسوف، في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية، أن "هذه الدعوى مهمة؛ لأننا لا نتعامل مع جريمة واحدة إنما مع سلسلة كاملة من الإفلات من العقاب".
وأُرسلت الشكوى إلى لجنة التحقيق، وهي هيئة روسية مكلفة بالتحقيقات الجنائية الرئيسية، التي ينبغي أن تدرسها وتتخذ قراراً بشأن إطلاق دعوى جنائية من عدمه.
قتل مروع
كانت صحيفة "نوفايا غازيتا" المستقلة، قد كشفت في عام 2018 عن مقطع الفيديو الذي يُظهر القتل، ويظهر في الشريط المصوّر رجال يتحدثون اللغة الروسية ويضربون ضحيّتهم بمطرقة، ثم يقطعون أوصاله لينتهي المشهد برشه بالوقود، قبل إضرام النار في جسده فيما كان رأسه معلّقاً على عمود، وقُدّمت الشكوى باسم عائلة هذا الرجل محمد أ.
كذلك فإن المعارضة السورية تحدثت مراراً عن انتهاكات وعمليات قتل بشعة قالت إن مرتزقة فاغنر نفذوها خلال دعمهم لنظام الأسد، وسبق أن تم نشر العديد من مقاطع الفيديو لعناصر من هذه القوات.
كانت مجموعة فاغنر قد ظهرت للمرة الأولى في أوكرانيا، وليس لديها وجود قانوني في روسيا، حيث تُحظّر الشركات العسكرية الخاصة، إلا أنه تمّ توثيق وجود عناصر هذه المجموعة في سوريا وليبيا إلى جانب قوات المشير خليفة حفتر وحتى كـ"مدرّبين" في جمهورية إفريقيا الوسطى وأماكن أخرى.
آمال ضعيفة بالمحاسبة
لا يملك ملف الشكوى الذي استغرق تحضيره ستة أشهر، فرصاً كبيرة ليصل إلى المحاكمة، نظراً إلى تحفّظ القضاء الروسي عن التحقيق في جرائم العسكريين الروس.
في هذا السياق، قال تشيركاسوف: "للأسف، لدينا تجربة سلبية كبيرة في ما يخصّ هذا النوع من القضايا في روسيا"، وندّدت منظمة ميموريال التي يرأسها تشيركاسوف وتستهدفها السلطات الروسية، خصوصاً بجرائم ارتكبتها القوات الروسية في الشيشان.
كذلك نقل بيان المنظمات الثلاث عن إيليا نوفيكوف، أحد محامي الدفاع عن المدعي، قوله إن "القانون الروسي ينصّ على التزام الدولة التحقيق في الجرائم التي يرتكبها مواطنون روس في الخارج"، مشيراً إلى أن "حتى الآن لم تشرع لجنة التحقيق في أي تحقيق في الجريمة المعنية"، على الرغم من أنه كان يقدّم معلومات بهذا الشأن منذ أكثر من عام".
وقدّمت صحيفة "نوفايا غازيتا" عام 2020 شكوى بعدما تعرّفت على هوية أحد الرجال الذين يظهرون في الفيديو وأفادت عن تجاوزت أخرى. إلا أنها بقيت حبراً على ورق.
من جهته، قال مدير عام ومؤسس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، مازن درويش، إنه "يجب أن تتحمل الحكومة الروسية مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه الانتهاكات التي يرتكبها جيشها بما في ذلك الكيانات الخاصة المشاركة في العمليات العسكرية الخارجية تحت إشراف قيادتها".
يُشار إلى أن عناصر مجموعة فاغنر أفلتوا حتى الآن من الملاحقات، لكن العراب المفترض للمجموعة إيفغيني بريغوجين مستهدف من جانب السلطات الأميركية والأوروبية التي فرضت عليه عقوبات. وهو مطلوب من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "اف بي آي".
لطالما نفى بريغوجين المقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دوره في مجموعة فاغنر، لكن بالنسبة للمنظمات غير الحكومية الثلاث، ليس هناك شكّ في ذلك، إذ إن مجموعة فاغنر مؤلفة من "مقاتلين روس يتحركون تحت القيادة الفعلية لروسيا"، وهم ضالعون في "انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان ضد مدنيين" في سوريا ودول أخرى.