بمجرّد أن وقّع رئيس الجمهورية الجزائري، عبدالمجيد تبون، مرسوماً تنفيذياً أصدر من خلاله القانون العضوي للانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 12 يونيو/حزيران القادم، حتى ضجّت الساحتان السياسية والإعلامية بالنقاش حوله، لاسيما المادة 200 منه.
وتنصّ المادة 200 من القانون العضوي للانتخابات، الخاصة بشروط الترشح، على ألا يكون المترشِّح قد مارس عهدتين برلمانيتَين متتاليتين أو منفصلتين.
عزل سياسي
نادى الحراك الشعبي الجزائري وكثير من أحزاب المعارضة، طيلة سنتين، بسنّ قانون العزل السياسي، الذي يمكن بموجبه إقصاء الأحزاب الموالية لبوتفليقة من المشاركة في أي انتخابات لمدة لا تقل عن 10 سنوات قادمة.
هذه المطالب لم تجد آذاناً صاغية لدى صناع القرار وقتها، لاسيما أن تلك الأحزاب تعدّ الأكثر هيكلة وتنظيماً بالبلاد، وقد تحتاجها السلطة في أي لحظة لإنقاذها من أي مأزق سياسي محتمل، وفعلاً احتاجتها لتمرير الرئاسيات والدستور بعد مقاطعة الأغلبية الشعبية.
لكن المادة 200 في قانون الانتخاب أعادت بعض الأمل لفكرة العزل السياسي، بحيث أُقصيَ عشرات النواب المعمَّرين في البرلمان من الترشّح مجدداً لهذه الهيئة التشريعية.
وقال النائب البرلماني لخضر بن خلاف، وهو أحد ضحايا المادة 200، رغم أنه أعلن عدم ترشُّحه لعهدة نيابية أخرى قبل صدور القانون، إن "هذه المادة تمثل عزلاً سياسياً مع سبق الإصرار والترصد".
وأضاف "بن خلاف، في تصريح لـ"عربي بوست"، أنه كان ينتظر أن تعزل السلطة الأحزاب السياسية التي تسبّبت في دمار الجزائر وخرابها.
ويرى رئيس مجلس شورى حزب العدالة والتنمية (حزب إسلامي)، أن "المادة 200 غير دستورية، باعتبار أن القاعدة الدستورية العامة تنصّ على أن القوانين تطبَّق بالأثر الفوري وليس الرجعي، كما تجبّ ما قبلها" .
في الجانب المقابل، ثمّن عضو مجلس الأمة عبدالوهاب بن زعيم، إدراج المادة 200 في القانون العضوي الجديد للانتخابات.
وأكّد "بن زعيم" لـ"عربي بوست"، أن "المادة 200 ستسمح بتجديد الطبقة السياسية على المستوى التشريعي، كما ستضخّ طاقات شابة جديدة في البرلمان".
ودعا المتحدث النواب المخضرمين الرافضين للمادة إلى تقبُّلها بروح رياضية وترك مكانهم للطاقات الشابة.
من جهته نفى القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني (حزب بوتفليقة) أن تكون المادة بمثابة عزل سياسي، مؤكداً أنها من أهم المواد في القانون وأكثرها عدلاً.
مآرب تبون الأخرى
قد يكون الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، ضرب عصفورين بحجر واحد، من خلال سنّ قانون الانتخابات الذي يتضمّن المادة 200 المثيرة للجدل.
العصفور الأول يتمثّل في تحقيق أحد مطالب المعارضة المتعلّق بالعزل السياسي، أما الثاني وربما هو الأهم، فيرتبط بإفراغ المجلس الشعبي الوطني من النواب ذوي الخبرة الطويلة في مجال مناقشة القوانين والتشريعات وأكثرهم دراية بألاعيب السلطة وفِخاخها، وتعويضهم بشباب يفتقرون إلى المُمارسة السياسية وأدوات التشريع، وهو ما قد يريح حكومة تبون من صداع المساءلة، لخمس سنوات قادمة.
وعلّق النائب السابق لخضر بن خلاف، على هذا التصور، بالقول إن "السلطة استهدفت بالمادة شخصيات فرضت نفسها في البرلمان طيلة سنوات، بحيث عمدت إلى إقصائهم دون وجه حق، من الترشح للعهدة النيابية القادمة؛ لضمان تمرير قوانينها بكل أريحية ودون إزعاج".
وأضاف المتحدث ذاته، أن "المشرِّع كان عليه ترك الحكم للشعب وهو الذي يقرر من يُبقي أو يُخرِج من البرلمان، وعدم اللجوء إلى مثل هذه الحيل القانونية".
من جهته رفض عبدالوهاب بن زعيم، التقليل من شأن الشباب وكفاءتهم، مؤكداً أن "جُلّ المشرعين الجدد الذين سيَصلون إلى قبة البرلمان بعد 12 يونيو/حزيران، سيكونون من الشباب الجامعي المثقف، وهو ما سيصعّب الأمور على الحكومة وليس العكس كما يعتقد البعض"، على حد تعبيره.
دستورية المادة
أثارت المادة 200 من القانون العضوي للانتخابات جدلاً واسعاً من حيث دستوريتها وتطبيقها بأثر رجعي.
ويقول الفقيه الدستوري عبدالسلام بوجملين، إن "المادة قانونية ودستورية ولا غبار عليها، لاسيما أن دستور 2020 ينص على أن نواب البرلمان لا يمكنهم أن يقضوا أكثر من ولايتين تشريعيتين في البرلمان".
ويضيف بوجملين في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "الإشكال الذي يطرحه النواب اليوم هو مسألة تطبيق القانون بأثر رجعي، وهنا نقول إن المشرّع من حقه فعل ذلك ما دامت هناك مادة صريحة كالمادة 200 من القانون العضوي للانتخابات".
وأكد المتحدث ذاته، أن "القانون قبل صدوره عُرض على المجلس الدستوري وتمت إجازته، وهو ما يثبت دستوريته، بحيث لا يمكن أن يدفع أحد بعدم دستوريته".