قالت شبكة سي إن إن الأمريكية، في تقرير، السبت 13 مارس/آذار 2021، إن قوات الأمن في ميانمار اقتحمت إحدى المقابر التي دُفنت فيها فتاة قُتلت في الاحتجاجات التي خرجت ضد الانقلاب العسكري، وقامت بتدمير محيط المقبرة وإلقاء الزهور والأكاليل الموضوعة.
في صباح اليوم التالي، في اللقطات التي تمت مشاركتها مع CNN ومن روايات الشهود، من بين المخلفات المتناثرة حول قبر الفتاة "أنجيل" المدنَّس من جانب قوات الأمن، كانت هناك شفرات حلاقة وأحذية مطاطية وأردية جراحية ومجارف وقفازات بلاستيكية ملطخة بالدماء.
ثم قامت السلطات بتحطيم كل الزهور الموضوعة أمام المقبرة وبعدها ردموا القبر بالأسمنت بشكل كامل.
احتجاجات ضد الانقلاب في ميانمار
قُتلت أنجيل (19 عاماً)، واسمها الحقيقي كيال سين، في 3 مارس/آذار، خلال مشاركتها في الاحتجاجات المطالبة بعودة الديمقراطية للبلاد في ماندالاي بميانمار، وبعد ساعات من دفنها دخلت قوات الأمن إلى المقبرة واستخرجت جثتها في جنح الظلام، بدعوى إجراء تشريح طبي رغم عدم الحصول على موافقة العائلة كما ينص على ذلك القانون.
وقد كانت وهي ترتدي قميصاً يحمل شعار "كل شيء سيكون على ما يرام"، رمزاً لكفاح البلاد المميت من أجل الديمقراطية، فيما حُملت صورتها عالياً على اللافتات في الاحتجاجات وفي الأعمال الفنية التي تمت مشاركتها عبر الإنترنت.
كان نضالها رمزاً لجيل يناضل من أجل الحرية والديمقراطية ضد المجلس العسكري الوحشي الذي لا يلين والذي شن هجوماً منهجياً على المتظاهرين السلميين. وقتل ما لا يقل عن 80 شخصاً وجرح المئات منذ الانقلاب، بحسب الأمم المتحدة. وتم اعتقال أكثر من 2000 شخص بسبب مزاعم التعذيب والاختفاء القسري. لم يُسمع الكثير منذ ذلك الحين.
الأكثر دموية في البلاد
كان يوم مقتل أنجيل، 3 مارس/آذار، من أكثر الأيام دموية منذ اندلاع الاحتجاجات ضد الانقلاب العسكري، حيث فتحت قوات الأمن النار على حشود من الناس في جميع أنحاء البلاد، مما أسفر عن مقتل 38 شخصاً على الأقل. وأظهر الصحفيون والصحفيون المواطنون جثثاً ملقاة في الشوارع محاطة ببرك من الدماء فيما كان المتظاهرون يفرون للاختباء.
كانت أنجيل قد انضمت إلى الاحتجاجات في ماندالاي وكانت جزءاً من مجموعة أساسية من النشطاء على الخطوط الأمامية الذين قاموا بحماية المتظاهرين الآخرين من تقدم الشرطة، أو إخماد عبوات الغاز المسيل للدموع بملابس مبللة أو قادت الحشود إلى الهتاف، وفقاً لما ذكرته صديقتها مين هتيت أو.
قالت: "كان الأمر خطيراً للغاية، لأننا في خط المواجهة وكانت أنجيل معنا، وكانت الفتاةَ الوحيدة في المجموعة. كانت الأشجع، وكانت الأكثر نشاطاً وقادت الجميع في الخط الأمامي".
نحو الظهر، واجه المتظاهرون قوات الأمن بشارع 84 في ماندالاي. وتُظهر اللقطات أنجيل وهي تصرخ: "أنا خائفة، لكننا سنقاتل من أجل حريتنا" و"لن نجري".
طلقات الرصاص
بعد نحو نصف ساعة، تُظهر مقاطع فيديو للناشطين أنجيل والمتظاهرين الآخرين يتراجعون وهم جالسون، فيما دوَّى صوت طلقات الرصاص. وفي أحد مقاطع الفيديو قبل وفاتها، يمكن سماعها وهي تصرخ: "أيها الناس في المقدمة، أرجوكم اجلسوا. لا يمكن أن يُسمح لكم بالموت".
في اللحظات التي سبقت مقتلها، أظهرت الصور أن رأسها من الخلف يتجه نحو خط قوات الأمن. وفي مقطع فيديو قصير، قال نشطاء إن ذراع أنجيل كانت مرئية قبل أن تسقط على الأرض.
فيما يمكن رؤية المتظاهرين الزملاء وهم يحملونها إلى دراجة نارية، والتي تندفع إلى عيادة مؤقتة. إذ أعلن طبيبٌ وفاتها لدى وصولها. وقال الطبيب الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن السبب الرئيسي للوفاة هو إصابة في الدماغ ناجمة عن طلق ناري.
التبرع بالأعضاء
قبل أيام قليلة من وفاتها، نشرت أنجيل رسالة على فيسبوك تعرض فيها التبرع بدمها وأعضائها لأي شخص قد يحتاجها.
حضر الآلاف من الناس جنازة أنجيل أو تبعوا موكب الجنازة إلى المقبرة على دراجاتهم النارية. ورفع كثيرون التحية بثلاث أصابع من أفلام "Hunger Games" التي أصبحت رمزاً للمقاومة بين المحتجين.
لكن بعد ساعات فقط من دفنها، قامت شرطة ميانمار بحفر قبر أنجيل؛ لإجراء ما زعمت أنه تشريح للجثة مطلوب للتحقيق في سبب وفاتها. وقال شاهد عيان، لم تحدد CNN هويته من أجل سلامته،انه فيما بين الساعة الـ4 مساءً. وفي السابعة مساءً، وصل نحو 20 شخصاً إلى بوابة المقبرة.
قال الشاهد: "وصلوا إلى هنا بسيارة ودراجة نارية ووجهوا البنادق وطلبوا فتح البوابة. كانت هناك سيارة أخرى من الجيش في الخلف". وأضاف: "رأيت رجلاً يفتح لهم البوابة… قالوا إنه لا يسمح لنا بالدخول، ولا يُسمح لنا برؤيتنا، ولا يُبلغ أحد بذلك".
كما قال الشاهد إنهم لم يتمكنوا من رؤية ما كانت تفعله المجموعة في المقبرة بمجرد دخولهم، لكن في صباح اليوم التالي رأوا أنهم "أعادوا بناء القبر"، في إشارة إلى مؤامرة أنجيل.
وأظهرت لقطات التقطها أحد المارة القمامة متناثرة حول موقع القبر، وضمن ذلك معاول وقفاز بلاستيكي ملطخ بالدماء وشفرات حلاقة، على ما يبدو تركتها الشرطة من الليلة السابقة.
صدمت أنباء استخراج الجثة كثيرين، ومن ضمنهم الطبيب الذي تسلم جثة أنجيل بعد وفاتها.
موقف الشرطة
من جانبها قالت شرطة ميانمار إنها بحاجة إلى التحقيق في وفاة أنجيل، لكن عائلتها لم توافق على تشريح الجثة. وقالت الشرطة في بيان نشرته وسائل إعلام رسمية، إن جثتها استُخرجت "بإذن من القاضي ومسؤولي شرطة المنطقة وأطباء الطب الشرعي وشهود".
يُذكر أن المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بميانمار، توم أندروز، قال في بيان أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف: "إن شعب ميانمار لا يحتاج فقط إلى كلمات دعم، بل يحتاج إلى عمل داعم. إنهم بحاجة إلى مساعدة المجتمع الدولي الآن".
إذ تم تصنيف هذا الاستخفاف الواضح بحياة الإنسان من قِبل منظمة العفو الدولية، التي قالت إن الجيش نشر "ترسانة كبيرة وقوات سيئة السمعة" خلال "موجة القتل" على مستوى البلاد.