قامت السلطات المغربية، اليوم السبت 13 مارس/آذار 2021، بتسليم المواطن الأسترالي من أصول سعودية، أسامة الحسني، إلى المملكة العربية السعودية، وذلك رغم المخاوف الحقوقية على حياته وسلامته الجسدية.
حيث نقلت وكالة الأنباء المغربية الرسمية عن مصدر قضائي مطلع قوله إن السلطات القضائية المغربية المختصة أصدرت قراراً يقضي بتسليم المواطن السعودي (أ. ط. ع. م) إلى السلطات السعودية، بناء على طلب التسليم الذي تقدمت به الأخيرة، في إطار نشرة البحث الصادرة في حقه عن منظمة الشرطة الجنائية الدولية (إنتربول)، من أجل قضية تتعلق بـ"السرقة"، حسب قولها.
الوكالة المغربية أشارت، في خبر مقتضب لها، إلى أن عملية التسليم تمت في إطار ما تنص عليه الاتفاقية العربية للتعاون القضائي، الموقعة في 6 أبريل/نيسان 1983.
حياة الحسني في خطر شديد
تعليقاً على تلك الخطوة، قال حساب معتقلي الرأي (المعني بقضايا الموقوفين بالمملكة) عبر "تويتر": "أصبح الدكتور أسامة الحسني حالياً في أحد سجون المملكة التي تفتقر إلى أدنى الشروط الإنسانية، وأدنى معايير التعامل الإنساني والصحي مع معتقل الرأي"، مشيراً إلى أن "حياة الحسني في خطر شديد يحيط الآن به من كل جهة بعد أن اعتقلته السلطات السعودية فور تسلمه من المغرب".
الحساب السعودي أضاف: "لا نريد له مصيراً مثل (الأكاديمي والداعية) علي العمري أو (الصحفي المغدور بقنصلية بلاده في إسطنبول) جمال خاشقجي، أو الصحفي تركي الجاسر (اعتُقل وعُذّب حتى الموت) أو الداعية سليمان الدويش (لقي حتفه تحت التعذيب)"، مُحمّلاً السلطات المغربية والسعودية المسؤولية عن سلامة وحياة الحسني.
كانت زوجة أسامة الحسني قد قالت يوم الأربعاء، 10 مارس/آذار 2021، إن محكمة في الرباط قضت بتسليمه إلى السعودية، في قضية تثير مخاوف جماعات حقوقية من أن "يواجه التعذيب، بل والموت إذا أُرسل إلى المملكة".
وكالة رويترز الإخبارية نقلت عن زوجة الحسني تأكيدها قرار التسليم، مشيرة إلى أنها لم تكن تتوقع ذلك.
لكنّ مسؤولاً بوزارة العدل المغربية أشار إلى أن الاعتقال جاء بعد إصدار الإنتربول مذكرة بطلب من السعودية، مضيفاً أن الحسني مطلوب في أمر يندرج تحت قانون العقوبات ويشمل "السرقة"، وقد قضت محكمة في السعودية بسجنه عامين.
هذا ما حدث خلال الاعتقال
يأتي ذلك بعد أن ألقي القبض على الحسني، في الثامن من فبراير/شباط 2021، لدى وصوله إلى المغرب، الذي سافر إليه لينضم إلى زوجته وابنته.
كانت زوجة الحسني قد أشارت، في تصريحات لجهات حقوقية، إلى أن "قوة أمنية تابعة للشرطة المغربية قامت بمداهمة مرآب السيارات الخاص بمحل إقامتنا في مدينة طنجة، بعد أربع ساعات من وصولنا المغرب في 8 فبراير/شباط، وقاموا باعتقال زوجي بالقوة بعد الاعتداء عليه بالضرب والسباب أمامي وأمام طفلنا البالغ من العمر أربعة أشهر، وأخبرونا أنه مطلوب دولياً من قِبل السلطات السعودية، دون إخبارنا بمزيد من التفاصيل".
الزوجة نوهت بأنها لم تتمكن من رؤية زوجها إلا بعد يومين من اعتقاله، ولمدة خمس دقائق فقط، بحضور أفراد أمن، وأنها علمت خلال الزيارة أنه يُعامل بطريقة سيئة للغاية، وأنه قد ضُغط عليه بشتى الطرق من قِبل الشرطة المغربية، ليوقع على أنه موافق على تسليمه دون محاكمة في المغرب، لكنه رفض.
بعد ثلاثة أيام تم نقله إلى سجن طنجة، خلال تلك الفترة تعرض لمعاملة مهينة، ولم يقدم له سوى الخبز والماء، وبتاريخ 23 فبراير/شباط، نُقل إلى سجن تيفلت 2، وهناك الزيارة ممنوعة عنه نهائياً، وفق جهات حقوقية.
تحرك أسترالي محدود
سبق أن قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأسترالية لرويترز إن "ملابسات اعتقاله واحتمال تسليمه تثير قلق أستراليا"، وإن مسؤولي القنصلية الأسترالية يعملون على مساعدته في الخروج من هذه الأزمة.
إذ قال المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية إن بلاده "تقدم المساعدة القنصلية لمواطن أسترالي مُحتجز في المغرب، وفقاً لميثاق الخدمات القنصلية".
المسؤول الأسترالي أضاف، في بيان مقتضب مطلع الأسبوع قبل الماضي: "مراعاة لالتزاماتنا المتعلقة بالخصوصية، لن نستفيض في التعليق على الأمر".
بينما لم يتطرق البيان المقتضب للمخاوف بشأن احتمالية تسليم الرجل إلى السعودية، كما لم يُؤكِّد هوية الشخص.
إلا أن وسائل إعلام أسترالية كانت قد أشارت إلى الحادث لأول مرّة في أستراليا عبر شبكة ABC، يوم الأحد 28 فبراير/شباط 2021، بعدما أكدت اعتقال المغرب للحسني.
خطر داهم على حياته
كانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا قد طالبت السلطات المغربية بالامتناع عن تسليم "الحسني" إلى الرياض، لما يشكله ذلك من خطر داهم على حياته وسلامته، خاصة في ظل ما وصفته بتدهور أوضاع حقوق الإنسان، وانهيار المنظومة القضائية في السعودية.
المنظمة الدولية أوضحت، في بيان سابق لها، أن "تسليم الحسني للسعودية انتهاك جسيم للقانون الدولي، تتحمل المملكة المغربية المسؤولية الكاملة عنه وما ينتج عنه من ضرر وآثار"، مشددة على أنه "لا يمكن التذرع بقرار القضاء السعودي كمبرر للترحيل، فمن المعروف أنه قضاء مسيس لا يتمتع بالحد الأدنى من النزاهة أو الاستقلال، ما يجعله غير قادر على إنفاذ القانون".
كما نددت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا باستمرار التعاون الأمني بين السلطات المغربية والنظام السعودي، في الوقت الذي كشفت فيه تقارير دولية رسمية تورط النظام السعودي في ارتكاب ما وصفتها بجرائم وحشية كجريمة مقتل خاشقجي، مطالبة السلطات الأسترالية بـ"التحرك بشكل عاجل والقيام بواجبها، ومنع تسليم مواطنها أسامة الحسني للسعودية، وإنقاذه من المصير المظلم الذي سيلاقيه حال تمكنت السعودية من تَسَلّمِه".
يذكر أن السعودية قد اتُّهمت من قبل بمحاكمة نشطاء حقوق الإنسان وآخرين يعارضون نظام الحكم الملكي المطلق في البلاد.
يشار إلى أن الأكاديمي أسامة الحسني، والده مغربي، ويحمل الجنسيتين السعودية والأسترالية، وكان يعمل مستشاراً لوزير العدل السعودي، وأستاذاً في جامعة الملك عبدالعزيز، وإماماً وطالباً في أستراليا، وداعية في بريطانيا، وهو حاصل على دكتوراه في مجال نظم المعلومات.
جدير بالذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نشرت مؤخراً تقريراً استخباراتياً أمريكياً رفعت عنه السرية، يشير إلى موافقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على قتل الصحفي بصحيفة Washington Post الأمريكية، جمال خاشقجي، في عام 2018.
إذ قال التقرير الصادر عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية: "نقدر أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد وافق على عملية خطف/أو قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي".