لن يجد أي متابع للشأن الجزائري صعوبة في شم رائحة الطبخة التي يعدّها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، للحصول على أغلبية برلمانية مسانِدة له في الانتخابات القادمة، وهو الذي لا يملك حزباً يتكئ عليه فيما تبقى من سنوات حكمه.
وبالموازاة مع اتخاذه قرار حل المجلس الشعبي الوطني (إحدى غرفتي البرلمان)، أمر تبون مستشارَه المكلف بالحركة الجمعوية والجالية نزيه برمضان، بالبدء في التحضير لهذا الموعد المهم والمصيري بالنسبة له.
وفعلاً، من دون تضييع الوقت، أطلق برمضان تكتلاً كبيراً ضم العديد من الجمعيات والمنظمات الشبابية، أطلق عليه اسم "نداء الوطن".
خطة تبون
ينص الدستور الجزائري الجديد على أن تُعيّن المعارضة رئيسَ حكومة في حال فوزها بالأغلبية البرلمانية ولها أن تطبق برنامجها الخاص، بينما يعيّن الرئيس "وزيراً أولاً" لتطبيق برنامجه، في حال فاز تكتل متحالف معه، وهنا يكمن مربط الفرس بالنسبة للرئيس، بحيث يسعى لدعم شباب جمعيات المجتمع المدني وبعض الأحزاب الجديدة ليحقق هدفه.
وما يعزّز هذا التصور هو إصرار تبون على رفع نسبة الشباب في القوائم الانتخابية من 30% إلى 50%، مع تكفّل الخزينة العمومية بجزء كبير من أعباء حملاتهم الانتخابية.
ولأن الأحزاب التقليدية كانت أحد أسباب ما يصفه بعض الجزائريين بـ "تعفُّن" الوضع السياسي الذي انتهى بحراك شعبي دعا إلى رحيل الجميع دون استثناء، يقول حسين هني أحد الشباب المنخرطين في تكتل "نداء وطن"، إن "السلطة أدركت أن الشارع قد لفظ الأحزاب، وهي تفكر الآن في الاعتماد على الطاقات الشبابية لرسم خارطة سياسية جديدة".
ويعتقد الناشط بالمجتمع المدني، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "الشباب سيكون رقماً صعباً في التشريعيات والمحليات القادمة، وذلك بالنظر إلى الامتيازات التي منحتها التشريعات الجديدة من خلال قانون الانتخابات".
كما ثمَّن هني قرارات السلطة المتعلقة بدفع الشباب إلى مراكز القرار، مؤكداً أن الكرة الآن في ملعبهم وعليهم إثبات جدارتهم وألا يضيّعوا الفرصة.
مصير الأحزاب الكبيرة
يبدو أن الوقت قد حان لأن تجلس الأحزاب الكبيرة قليلاً على مقعد البدلاء، فلا أحد يرغب، على الأقل بالوقت الراهن، في أن يراها لاعباً أساسياً على الرقعة السياسية بالجزائر.
فعلى الرغم من تغيير أكبر حزبَي البلاد جلديهما وهما جبهة التحرير الوطني (حزب الرئيس السابق بوتفليقة) وحزب التجمع الوطني الديمقراطي (حزب الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى)، بقيادات جديدة، فإنَّ دعمهما لبوتفليقة لسنوات طويلة وإلى آخر لحظة قبل الإطاحة به، لن يتسامح معه الناخب الجزائري الذي يرفض كل ما له علاقة بالنظام السابق.
ورغم كل ذلك، يصرّ حزب جبهة التحرير الوطني على لعب دور مهم في الانتخابات المزمع إجراؤها بعد أشهر قليلة، إذ يقول الأمين العام للحزب أبو الفضل بعجي، الذي يبدو أنه بدأ حملة انتخابية مبكرة من خلال جولاته في بعض الولايات، إن حزبه سيحافظ على مراتبه المتقدمة، متوعداً المعارضة بهزيمة مدوية.
وفي تحليله لسيناريوهات الانتخابات المرتقبة، يقول المحلل السياسي الدكتور محمد دخوش لـ"عربي بوست"، إنه "على الأحزاب الكبيرة المتحالفة مع بوتفليقة سابقاً، الوعي بأن الوضع قد تغيّر ولم يعد كسابقه، لذلك وجب عليها الدفع بإطارات شابة وجديدة غير متورطة في دعم بوتفليقة إذا ما أرادت أن يكون لها نصيب من كعكة البرلمان القادم".
وأضاف المتحدث أن "الرهان الأكبر مرتبط بالدرجة الأولى بنزاهة العملية الانتخابية ومدى التزام النظام بتعهداته أمام الشعب بهذا الخصوص".
وينصح المتحدث ذاته، أحزاب الموالاة -كما توصف في الجزائر- برسم حدٍّ فاصلٍ بينها وبين السلطة، وتعلّم الدرس من حراك 22 فبراير/شباط الذي لفظها؛ بل دعا إلى حلها.
قانون الانتخابات في الجزائر
الإبحار بين أمواج الجماهير التي تتلاطم في شوارع العاصمة الجزائرية كل يوم جمعة منذ فبراير/شباط 2019، لا يشعِرك بأن هناك أدنى اهتمام بالانتخابات التشريعية المسبقة، التي سيعلن عن تاريخها بعد أسبوعين على الأكثر.
وبرغم مغازلة تبون لشباب الحراك في كل مناسبة، فإن ذلك لم يكن كافياً لإقناعهم بالانخراط في العمل السياسي، بسبب شعورهم بالتفاف السلطة على مطالبهم، كما يؤكدون.
ويقول الناشط في الحراك الشعبي، سفيان هداجي، في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "التشريعات القادمة لا تهم الحراك في شيء، وهي مسرحية من مسرحيات النظام للمشي في خارطة طريقه إعادة تطوير نفسه من جديد كما فعل في تشريعيات 1997 بعد الانقلاب على الخيار الشعبي سنة 1992″، على حد تعبيره.
ويضيف المتحدث أن "مشكلة الجزائر لا تكمن في تشريعيات أو محليات أو حتى رئاسيات المشكلة -حسبه- مشكلة نظام بأكمله مرفوض من عامة الشعب".
وتوقّع المتحدث أن تكون المشاركة ضعيفة جداً في الانتخابات القادمة، خاصةً أن المسيرات الرافضة للنظام عادت من جديد.
واستدلّ الناشط على كلامه بالمشاركة الأضعف في تاريخ البلاد خلال استفتاء الدستور في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويعتقد هداجي أن البرلمان المقبل سيكون كسابقه، منزوع الشرعية وبلا مصداقية، وتتحكم السلطة التنفيذية فيه كما تشاء.