لأول مرة في التاريخ، تُناقش الحكومة الجزائرية قانوناً مثيراً للجدل، إذ قدَّم وزير العدل حافظ الأختام بلقاسم زغماتي سحب الجنسية من معارضي الجزائر في الخارج، في حال تورّطوا في أعمال معيّنة.
وينصّ مشروع قانون سحب الجنسية من معارضي الجزائر في الخارج، الذي ناقشته الحكومة الجزائرية دون البتّ فيه، على سحب الجنسية الأصلية أو المكتسبة من كل جزائري مقيم بالخارج، يقوم بأفعال تضرّ بمصالح الدولة، أو بأعمال تقوّض الوحدة الوطنية، أو يلتحق بمنظّمة إرهابية، أو يموّل أو يدافع عن الإرهاب.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر خاصة، فإن القانون نوقش على أعلى مستوى في الجزائر، ولن يتم التراجع عنه، كما يروَّج إعلامياً وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
سحب الجنسية من معارضي الجزائر في الخارج
يبدو أن السلطات الجزائرية الحاكمة باتت تضيق ذرعاً بالأصوات المعارضة، لاسيما تلك التي تأتي من خلف البحر عن طريق الشبكة العنكبوتية، لدرجة أنها فصّلت مشروع قانون سحب الجنسية من معارضي الجزائر في الخارج على المقاس لم يسبق أن اتخذته أي حكومة سابقة، حتى في زمن الحزب الواحد.
يقول الناشط السياسي المقيم بفرنسا مهدي بسيكري لـ"عربي بوست"، معلقاً على مشروع قانون سحب الجنسية من معارضي الجزائر في الخارج المثير للجدل، إنه "محاولة لتخويف النشطاء والجالية الجزائرية في الخارج لا أكثر ولا أقل".
ويضيف العضو السابق في حركة "بركات"، المناهضة لحكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، أن "السلطة لن تطبّق هذا القانون حتى وإن مررته وأصبح ساري المفعول، لأنه سيصبح وصمة عار في جبينها"، على حد تعبيره.
وأضاف المتحدث أنّ "قانون سحب الجنسية يستهدف بالدرجة الأولى بعض النشطاء البارزين في الخارج، لم يُسمّهم".
صداع تبون
المتتبّع للقاءات الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الإعلامية، منذ عودته لممارسة مهامه بعد غياب دام لأشهر في ألمانيا بسبب إصابته بالفيروس المستجد، لن يجد صعوبة في إدراك أنّ الرجل من هواة متابعة "السوشيال ميديا"، إذ تحدّث في آخر حوار صحفي له، قبل أيام قليلة، عن كل الشائعات التي صاحبت مرضه بالتفصيل المملّ.
وبدا تبون منزعجاً من الشائعات التي تحدّثت عن قتله وإخفاء جثته وخلافه مع الجيش وهروبه من البلاد.
ووجَّه الرئيس الجزائري أصابع الاتهام إلى صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، تنشط من الخارج، ولها ارتباطات أمنية، هدفها الأول خلق البلبلة وزعزعة الاستقرار الهش الذي تعيشه البلاد.
ولا يكفّ تبون منذ توليه السلطة في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019، عن توجيه تهم الخيانة وبيع الذّمم إلى أيادٍ خارجية، تحمل في طياتها دماء جزائرية.
ويعتقد الدبلوماسي السابق المقيم في إنجلترا، والمنتمي إلى حركة "رشاد" المعارضة، محمد العربي زيتوت، أن "تبون يسعى من خلال هذا القانون إلى تكميم أفواه الجالية الجزائرية في الخارج وترهيبها".
وأضاف المتحدث في فيديو نشره على صفحته بموقع فيسبوك، أن "قانون سحب الجنسية لن يثني الجالية المقيمة في الخارج عن مواصلة النضال من أجل تحقيق دولة مدنية ديمقراطية"، حسب قوله.
رفض حقوقي
استغرب القاضي السابق والخبير في الشؤون القانونية وحقوق الإنسان المقيم بفرنسا فضيل العيش، مجرد تفكير الحكومة الجزائرية في سَن قانون يجرد مواطنيها من جنسيتهم.
ويقول العيش في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "الجنسية الأصلية هي لصيقة بالإنسان منذ ولادته، وهي صفة مرادفة لموطن الإنسان، فنقول هذا جزائري أو تونسي أو فرنسي نسبة إلى جنسيته".
وأضاف المتحدث أن "الجنسية الأصلية ليست حقاً مكتسباً، وإنما مرتبطة بشخص الإنسان، ففي الدول المتحضرة حتى الحيوانات الأليفة لها جنسية وتاريخ ومكان ميلاد".
وفيما يخص مدى مطابقة مشروع قانون سحب الجنسية من معارضي الجزائر في الخارج للمواثيق الدولية، يرى القاضي السابق أن "الجنسية الأصلية هي صفة لصيقة بوجود الإنسان على هذه الأرض، وليست اختيارية، وعليه لا يمكن نزعها أو فصلها إلا إذا تم دمج أرض أو احتلالها، أما الجنسية المكتسبة فهي منصوص عليها بالأمر الصادر سنة 1970".
وأشار المتحدث ذاته إلى أن "المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقّعت عليها الجزائر هي ملزمة لها، وعليه أقول إن صاحب مشروع سحب الجنسية من معارضي الجزائر في الخارج إما ليس على دراية بها أو يريد أن نكون أضحوكة أمام الأمم".
من جهته، اعتبر المحامي والحقوقي وأحد أبرز وجوه الحراك الشعبي، مصطفى بوشاشي، أن "قانون سحب الجنسية انزلاق خطير، يؤكد أن النظام الجزائري أصبح يشكل خطراً على الوحدة الوطنية ومصير الأمة"، على حد تعبيره.
ودعا بوشاشي في تغريدة على موقع تويتر إلى سحب هذا القانون، والكف عن استفزاز الشعب.
أما الحقوقي مقران آيت العربي، فيعود إلى الجذور التاريخية للجنسية الجزائرية، وكيف يستحيل إسقاطها من قِبل المشرّع، إذ يقول في بيان نشره على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، إن "مشروع قانون سحب الجنسية من معارضي الجزائر في الخارج لم يسبق له مثيل في تاريخ الجزائر المستقلة، فبخلاف الكثير من الدول الجنسيةُ الجزائرية سبقت تأسيس الدولة، وفي الوقت الذي فرضت فيه فرنسا جنسيتها على الجزائريين، هؤلاء رفضوا هذه الجنسية، واعتبروا أنفسهم متمتعين بالجنسية الجزائرية دون سواها".
وأضاف المتحدث أن "الجنسية الجزائرية سبقت دولة الاستقلال، وبالتالي فلا يحق لأي أحدٍ أن يسحب هذه الجنسية من جزائري، مهما فعل في الداخل أو في الخارج، ومهما كانت جريمته".
وأضاف المحامي أن "الجنسية أعلى من السلطة، لو كان سحب الجنسية الأصلية ممكناً لفعله الثوار عند الاستقلال ضدّ الحركي (الخونة)، ولكنهم لم يفعلوا ليبقوا جزائريين مهما فعلوا، وليبقى أبناؤهم وأحفادهم جزائريين كغيرهم، لأن المسؤولية شخصية لا تتعدى للأبناء".
رأي الحراك
بعد يومين من مناقشة قانون سحب الجنسية في مجلس الحكومة، كان الحراك على موعد مع جمعته 107، والتي عرفت رداً صريحاً من قبل النشطاء على مشروع قانون سحب الجنسية من معارضي الجزائر في الخارج من خلال الشعارات والتصريحات.
ويرى الناشط في حراك ولاية أدرار (1500 كلم جنوبي الجزائر العاصمة)، محمد رفيق شريفي، أنه "صار لزاماً على السلطة البحث عن حلول حقيقية وجذرية لمطالب الحراك الشعبي، بدلاً من الالتفاف على المطالب الحقيقية والتاريخية للشعب الجزائري بإقامة دولة القانون".
وأضاف المتحدث في تصريح لعربي بوست، أن "مشروع قانون سحب الجنسية من معارضي الجزائر في الخارج الذي أعلنت عنه حكومة عبدالعزيز جراد ما هو إلا امتداد لترسانة القوانين التي سَنَّها النظام من أجل الاستفراد بالمعارضين والنشطاء السياسيين، واستغلال سياسي لنصوص القانون، على غرار قانون الكراهية الذي أقره النظام، وكانت نتيجته مئات المتابعات القضائية والحبس الاحتياطي لنشطاء الحراك".
ويعتقد الناشط في الحراك الجزائري في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "النظام ماضٍ في سياسة الترهيب من خلال ثنائية الأمن والقضاء".
أما الناشط السياسي رشيد نكاز، الذي تم إطلاق سراحه مؤخراً من السجن في إطار العفو الذي أصدره تبون على سجناء الرأي، بمناسبة الذكرى الثانية للحراك الشعبي، فتساءل عن سبب عدم تفكير السلطة في سحب الجنسية ممن يسمون اليوم بالعصابة (المسؤولين المقربين من بوتفليقة).
وأضاف نكاز في فيديو نشره على حسابه في فيسبوك أن القانون يهدف للانتقام من النشطاء في الخارج، بسبب شعبيتهم الجارفة، والتي أصبحت تؤثر في الداخل.