تستمر النقاشات الحادة في فرنسا إثر اعتماد حزمة قوانين جديدة في الجمهورية، إذا صادق نواب الجمعية الوطنية الفرنسية مؤخراً بغالبية الأصوات على قانون جديد يحمل اسم "صامويل باتي"، وهو القانون الذي يجرم تعريض أي شخص حياة شخص آخر للخطر من خلال نشر معلومات شخصية مضرة ومسيئة له.
وأطلق على هذا القانون، الذي يحمل رقم 18، اسم المدرس صامويل باتي الذي قُتل ذبحاً في أكتوبر/تشرين الأول 2020 قرب باريس.
وينص القانون الجديد على عقوبة بالسجن تصل مدتها إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية قدرها 45 ألف يورو لكل شخص يعرض حياة شخص آخر للخطر عبر نشر معلومات مضللة ومضرة له.
ويدخل القانون في إطار المصادقة على مشروع قانون احترام "المبادئ الجمهورية" ومحاربة "النزعة الإسلاموية المتطرفة".
تنديد حقوقي
واعتبرت ليزيل ترونزلر، المستشارة القانونية لمنظمة AFD INTERNATIONAL غير الحكومية، أن "هذا القانون الجديد، يحتوي الفصل الرابع منه على أحكام تهدف إلى مكافحة خطاب الكراهية والمحتوى غير القانوني على الإنترنت كما أن المادة 18 تمت تسميتها تخليداً لذكرى صامويل باتي، المدرس الفرنسي الذي كان ضحية الهجوم الإرهابي".
ويعد القانون حسب المتحدثة "ظاهرياً جيداً لأنه يسعى للحفاظ على سلامة وخصوصية حياة الناس، لكن فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بجرائم الإنترنت وما سيتبع ذلك في حالة نشر الصور الحميمة أو غيرها من جرائم الإنترنت الشائعة والخطيرة، فقد كان من الممكن أن تتوقع الحكومة هذا الأمر منذ فترة طويلة، ولم يكن علينا انتظار حدوث هذه الجريمة لخلق هذه الدراما".
وتشدد الحقوقية الفرنسية على أنه "للأسف لقد سمح هذا الحدث القاسي والمؤلم للحكومة بالتلاعب بمشاعر الفرنسيين وتقديم مشروع القانون الذي أطلق عليه اسم "الانفصالية الدينية" بطريقة متسرعة على الرغم من أنه مشروع قانون يوصم المسلمين ويشير إليهم بأصابع الاتهام".
رفض سياسي
اعتماد هذا القانون وقوانين أخرى مثيرة للجدل غيره، تسبب في احتدام النقاش من جديد بين السياسيين الفرنسيين، فبين معارض وموال لهذه التغييرات، تعيش الساحة السياسية في فرنسا مخاضاً عسيراً.
وكان وزير العدل، إيريك ديبون موريتي، قد أكد في تصريحات صحفية ارتباطاً بالموضوع، أن المصادقة على هذا القانون جاءت في أعقاب قضية صامويل باتي، موضحاً أن هدفه هو مكافحة "التهديدات التي تستهدف العديد من الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
ومن بين ردود الفعل حول هذا القانون، عبّر نواب حزب "فرنسا الأبية" عن امتعاضهم منه، ودعوا الحكومة إلى "استعمال القوانين الموجودة أصلاً، التي تعاقب على هذه التصرفات".
من جهة أخرى، اعتبر نواب اشتراكيون أن "قانون صامويل باتي" قابل للتأويلات، كما أن أحزاباً أخرى مُعارضة طالبت بحذف القانون خشية التأثير سلباً على الحريات الشخصية وحرية التعبير، لكن دون جدوى.
واعتبرت الناشطة الحقوقية الفرنسية، ليزيل ترونزلر، أنه "على الصعيد السياسي يعد هذا المشروع عبارة عن سلسلة من الأحكام ذات الطابع القمعي وبعضها موجود بالفعل في قوانين سابقة معمول بها في فرنسا، ولا سيما في قانون الأمن الداخلي".
استكمال لنهج قمعي
اعتبرت الحقوقية ليزيل أن"السباق الانتخابي مستمر، وكل مواطن فرنسي مسلم يعلم للأسف أنه سيكون هدفاً للهجوم خلال هذا السباق في محاولة من السياسيين للظفر بأصوات الناخبين باستعمال هذه الورقة".
وتساءلت المتحدثة باستغراب عن امتناع بعض الأحزاب عن التصويت، موجهة استغرابها للبرلمانيين الفرنسيين بالقول: "لماذا تمتنعون عن الإدلاء بأصواتكم؟ أليس الأفضل أن "تصوت بلا لتظهر رفضك القاطع لهذا المشروع؟".
وأضافت المتحدثة أن "الأمر ليس بجديد، ففي الماضي اقترحت أحزاب اليسار المتطرف قوانين تستهدف حرية المسلمين، ومشروع القانون هذا ما هو إلا تحديث لقانون العلمانية الذي يعود تاريخه إلى عام 1905".
واعتبرت المتحدثة أن "فرنسا تريد الدفاع عن القيم لكنها لا تطبق مبدأ العلمانية كما هو محدد في القانون، فالعديد من مشاريع القوانين تتعارض مع حرياتنا الأساسية خاصة القوانين المنظمة لمجال التعليم ومراقبة الجمعيات وغيرها".
قوانين أخرى تستهدف المسلمين
وبخصوص النص القانوني المتعلق بالتمويل والمستهدف للجمعيات الإسلامية، تعتبر المتحدثة أنه "سيؤثر على تمويل جمعيات إسلامية نشطة للغاية في فرنسا من خلال مساعدة السكان الفرنسيين (المعتنقين لمختلف الأديان)، ويستعمل هذا الدعم للنهوض بالجمعيات الرياضية أو توفير الإقامة للنساء العازبات والعديد من الخدمات الأخرى، وقد ظهر ذلك جلياً أثناء الحجر الصحي".
مذكرة بأن الكثير من المطاعم والخبازين والمتطوعين في الجمعيات والمساجد يساعدون كثيراً في هذه الظروف الصعبة من خلال تقديم الطعام ومستلزمات النظافة للطلاب مثلاً الذين لا يجدون أحياناً شيئاً يأكلونه.
وانطلاقاً من كل التغيرات الطارئة على المشهد القانوني في فرنسا، ترى المتحدثة أن المسلمين "سيتضررون كثيراً في مجال حرية التعبير، وستكون هناك أيضاً قيود على الجمعيات الخاصة بهم، وستمس حريتهم في ممارسة الطقوس الدينية وسيعيش أبناؤهم ضغطاً أكبر في المدارس".
ولفتت المتحدثة إلى أنه في خضم هذه التغيرات، تم التوقيع على ميثاق الأئمة من قبل جزء من اتحادات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. مشيرة إلى أن "ذلك يعتبر تدخلاً حكومياً في عبادة المسلمين، وأن المسلمين الفرنسيين لا يعترفون بهذه المؤسسة ولا يثقون بها".
وحسب الحقوقية الفرنسية "سيؤدي هذا النوع من مشاريع القوانين والخطاب السياسي، مرة أخرى إلى تنامي السلوك العنصري تجاه المسلمين"، معتبرة أنه "من الأفضل أن يشارك المسلمون في الحياة المجتمعية داخل فرنسا، من أجل محاربة التمييز القائم والمستقبلي".