يتعرَّفون على جثث أبنائهم بسبب “معرض متعلقات الضحايا”.. معاناة أهل ترهونة مستمرة بعد جرائم “الكانيات”

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/02 الساعة 15:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/02 الساعة 15:04 بتوقيت غرينتش
عائلة آل الفلوس

ارتبط اسم ميليشيا (الكانيات) في مدينة ترهونة وخارجها بعدة جرائم ازدادت عقب تحالفهم مع خليفة حفتر في عدوانه على طرابلس في إبريل/نيسان 2019.

 وارتكبت ميليشيا الكانيات (نسبة إلى إخوة من عائلة الكاني)، التابعة لخليفة حفتر، عدداً من جرائم القتل والتعذيب والاختطاف ما لم يتم إحصاؤه بالكامل، وذلك خلال سيطرتها على ترهونة (90 كلم جنوب شرق العاصمة طرابلس)، بين 2013 و2020.

وبعد طردها من ترهونة في 5 يونيو/حزيران الماضي، تجلت عدة جرائم ارتكبتها ميليشيا الكانيات، أبرزها اكتشاف عشرات القتلى في مستشفى المدينة، وعشرات الجثث في مقابر جماعية ما زالت تتكشف تباعاً، وسجون ضيقة أشبه بالأفران لتعذيب المساجين، بالإضافة إلى 250 مختفياً قسرياً تم التبليغ عن فقدانهم.

مجزرة آل الفلوس

لا تزال الأسر في مدينة ترهونة تتعرف على ضحاياها، إذ تمكنت أسرة الفلوس من التعرف على هوية أبنائها بين الجثث التي تم انتشالها من مقبرة جماعية،  بعد عرض الصور الأولية للجثث  من خلال عرض المتعلقات الشخصية ومطابقة علامات التعرف الثانوية على  الجثث التي كانت  في حالة اشتباه أو تعرف مبدئي عن طريق الصور التي تم عرضها  بمعرض المتعلقات الشخصية في الفترة الماضية. 

وبعد استكمال عمل الطب الشرعي ومطابقة البيانات الطبية والملابس قبل وبعد الوفاة تبين أنهم من نفس العائلة وهم: 

عبد العالي صالح المبروك الفلوس، 53 سنة، وهو والد الضحايا: عبدالرحمن 16 سنة، عبدالمالك 15 سنة، محمد 10 سنوات.

بدأت قصة العائلة حين تداول نشطاء لفيديو تضمّن اتهامات لعصابة الكاني من قبل ابن أخي المغدور عبدالعال صالح المبروك الفلوس الذي كان مشاركاً مع قوات الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق، حينها أمر عبدالرحيم الكاني بإحضار أي شخص في ترهونة له صلة قرابة بمن ظهر في التسجيل المصور، وكان عبدالعالي الفلوس وأطفاله موجودين في ترهونة.

يوم الجمعة الثالث من إبريل/نيسان 2020 مساء قام  15 فرداً من عصابة الكانات بالقبض على عبدالعالي وأبنائه بعد مداهمة منزلهم بمنطقة النعاعجة، واقتادوهم إلى استراحة عبدالرحيم الكاني بالفروسية،  تم تكبيل الأب والأطفال صفاً واحداً وقام بتصفيتهم عبدالرحيم الكاني، وبعدها وضعوا الجثث في حفرة في مشروع الربط، بإحدى المقابر الجماعية التي خلفتها الميليشيات.

كان الاعتداء على عبدالعالي وأبنائه فصلاً ضمن سلسلة اعتداءات كبرى ارتكبتها الميليشيا في ترهونة.

قتلن لرفضهن الحرب على طرابلس

لنفس الأسباب قتلت 3 نساء من آل هرودة إحداهن كانت حاملاً بطفلها الخامس، ففي ليلة الخامس من إبريل/نيسان 2020 هاجمت ميليشيا الكاني التابعة لحفتر في ترهونة على منزل آل هرودة واختطفت كلاً من ليلى، 46 عاماً، وحواء، 45 عاماً، من منزلهما واختطفت الأخت الثالثة ريما التي كانت حاملاً بطفلها الخامس وزوجها سالم قصودة وتم اقتيادهم إلى مسرح الجريمة بمقر الشرطة القضائية ليتم تعذيبهم على مدى أيام وتصفيتهم بالرصاص بتهمة معارضتهن للحرب على طرابلس وتأييد حكومة الوفاق. وبقي زوج ريما قرابة الاثني عشر يوماً في السجن ومن ثم تم إطلاق سراحه.

الأول مفقود والثاني كُتبت له حياة جديدة

رئيس رابطة ضحايا ترهونة عبدالحكيم أبونعامة روى لـ"عربي بوست" قصة فقدانه الاتصال بشقيقه أبوبكر عامر أبونعامة أثناء عودته لمنزله في 14 من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عند منتصف الليل.

ويقول عبدالحكيم إن بوبكر شاب يبلغ من العمر 36 عاماً متزوج وأب لطفلين أكبرهما لم يتجاوز الثالثة والأصغر لم يبلغ الثانية من عمره اختطف أثناء عودته لمنزله الواقع في منطقة الخضراء- تبعد 10 كم شرق مدينة ترهونة- وهو عبارة عن منزل في مزرعة تقطنها العائلة كاملة دون معرفة الأسباب فلم يكن لأبوبكر أي توجهات سياسية وليس مشاركاً في أية أعمال عسكرية.

ويضيف عبدالحكيم أن ميليشيا الكاني بقيادة عبدالرحيم الكاني ومخلوف دومة لم تكتفِ باختطاف أبوبكر من الطريق، لتعيد الكرة وتحاصر مزرعة العائلة وتهجم عليها وتحاول خطف شقيقهم الثاني محمد عامر أبونعامة قبل أن تتصدى لهم الجدة مبروكة عمر نعامة، وتصر على أن تخلص حفيدها من بين أيديهم.

الجدة مبروكة نعامة

 وهو أيضاً شاب متزوج لكن قدراً كانت الجدة متواجدة بالمنزل فاستطاعت تخليصه. 

يقول عبدالحكيم أبونعامة رئيس رابطة ضحايا ترهونة إن الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين قد اكتشفت حتى الآن نحو 27 مقبرة جماعية عثر فيها على 139 جثة تم التعرف على 57 جثة منها، مؤكداً وجود 250 مفقوداً حتى الآن بينهم 4 نساء تم التعرف على ثلاث منهن وستة أطفال.

معرض مقتنيات الضحايا.. 

وكانت حكومة الوفاق- معترف بها دولياً- بعد تحرير مدينة ترهونة قد دشنت معرضاً لمتعلقات الضحايا لمساعدة ذويهم في التعرف عليهم، وهو ما ساعد العديد من الأسر في التعرف على هوية ذويهم المبلغ باختفائهم منذ سنوات.

وبات الحمض النووي الأمل لكثير من الأسر في غرب ليبيا للتعرف على هويات ذويهم من بين عشرات الجثث، التي يتم استخراجها من المقابر الجماعية.

وقد أعلنت وزارة العدل بحكومة الوفاق- معترف بها دولياً- استمرار العمل بأخذ عينات الحمض النووي من الجثامين المستخرجة خلال الفترة الماضية من مقابر بترهونة، وتسليمها لإدارة المختبرات بالهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين.

صورة من معرض مقتنيات الضحايا

العفو الدولية: حفتر آوى الكانيات ورقَّى الورفلي

قالت منظمة العفو الدولية إن حفتر آوى الكانيات المتورطة في المقابر الجماعية بترهونة، ورقَّى المطلوب دولياً محمود الورفلي إلى مقدم في ميليشيا لواء الصاعقة.

وأوضحت المنظمة في تقرير لها يرصد الوضع الحقوقي لليبيا بعد عقد من الثورة، أن ميليشيات حفتر تقاعست عن اعتقال زعيم الميليشيا محمود الورفلي بل إنها رقته، وهو مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية لقتله 33 شخصاً.

وانتقدت المنظمة في السياق نفسه إيواء قادة "اللواء التاسع" المعروف باسم "الكانيات"، على الرغم من تورطهم في عمليات القتل الجماعي وإلقاء الجثث في المقابر الجماعية وعمليات التعذيب والاختطاف في مدينة ترهونة.

عقوبات أمريكية

وأعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على ميليشيا الكانيات وقائدها محمد، على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا (مقابر ترهونة وجرائمها).

موقف روسيا غير المتوقع

ولم يكن متوقعاً أن تراهن روسيا بسمعتها لحماية ميليشيا الكاني المتورطة في جرائم مروعة بمدينة ترهونة (60 كم غرب مدينة طرابلس)، وتحبط قرار إدراجها تحت طائلة العقوبات الدولية، إلا إذا كانت تخشى ما هو أسوأ.

حيث رشحت الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وأستونيا، الأعضاء في مجلس الأمن، محمد الكاني وميليشيا الكانيات، إلى لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، لانتهاكهم الفظيع لحقوق الإنسان بليبيا، بحسب المندوبة الأمريكية الدائمة كيلي كرافت.

لكن روسيا، التي تملك حق الفيتو بمجلس الأمن المشكل من 15 دولة، أجهضت صدور قرار بهذا الشأن، متعللة بأنه لا يوجد "دليل قاطع على تورط ميليشيا الكانيات في قتل مدنيين"، ما عرضها لكثير من الانتقادات.

جرائم شتى

كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها نقل عن الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، أنه منذ سيطرة "ميليشيا الكانيات" على مدينة ترهونة عام 2015 جرى الإبلاغ عن اختفاء 338 شخصاً من سكان المدينة، موضحة وفق إفادة سكان المدينة أن الميليشيا اختطفت واحتجزت وعذبت وقتلت وأخفت معارضيها وسلبت ممتلكاتهم وأموالهم.

وأوضحت الباحثة في المنظمة حنان صلاح، أنه يصعب على العائلات التي فقدت أحبتها في ترهونة مواصلة حياتها، داعية السلطات إلى التصرف بناء على هذا الاكتشاف الصادم للمقابر الجماعية عبر اتخاذ خطوات مناسبة للتعرف على الجثث وتقديم المسؤولين عن الانتهاكات إلى العدالة.

أهالي ترهونة يطالبون مشايخ شرق ليبيا بالقبض على المجرمين المحتمين لديهم

وفي السياق المحلي طالب ملتقى أهالي ضحايا المقابر الجماعية بترهونة، مشايخ المنطقة الشرقية بالعمل للقبض على العصابات الإجرامية المحتمية لديهم، في إشارة إلى ميليشيات الكاني التي فرت من المدينة إلى المنطقة الشرقية.

وحمَّل ملتقى أهالي ترهونة مع الجهات المعنية بقضيتهم، مشايخ الشرق مسؤولية ما هم فيه، مستغربين سكوتهم رغم درايتهم بخطف أبنائهم وقتلهم ودفنهم في المقابر.

تحميل المزيد