بعد سنوات من الوفاق بينهما.. لماذا انقلب البطريرك الراعي على “حزب الله”؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/02 الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/02 الساعة 14:48 بتوقيت غرينتش

أثار خطاب البطريرك الماروني في لبنان مار بشارة بطرس الراعي، الذي يعتبر المرجعية المسيحية الأساسية في لبنان، جدلاً كبيراً بين مؤيّد ومعارض للخطاب عالي النبرة، الذي دعا فيه البطريرك إلى "تدويل" الأزمة اللبنانية.

والتدويل هو حل القضايا اللبنانية في مؤتمر دولي للخلاص من الأزمات المعقدة طالما أن الأطراف الداخلية فشلت في حل الأزمة.

يأتي خطاب بشارة بعد تفاقم الأزمات في لبنان، بالإضافة إلى زيادة حدّة المشاكل السياسية داخل السّاحة اللبنانية، وتحديداً بين رئيس الجمهورية ميشال عون ومن خلفه صهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وبين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، والتي أدت إلى المماطلة في عملية تشكيل الحكومة، بالإضافة إلى وجود المبادرة الفرنسية على الطاولة، والتي لم تنفّذ حتى اليوم.

عُرف البطريرك الرّاعي بأنّه على علاقة جيّدة مع حزب الله منذ وصوله إلى الصرح البطريركي خلفاً للبطريرك مار نصرالله صفير، فمنذ تولي مهامه مطلع عام ٢٠٠٩ كان أول الوفود المهنئة هو وفد حزب الله الذي بدا متحمساً للتعاون مع المؤسسة الدينية المسيحية بعد سنوات من القطيعة التي فرضتها الانقسامات عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

واصل الحزب فتح قنوات تواصل مع البطريرك الراعي عبر أفراده، من خلال لجنة حوار وتنسيق دائم بين الطرفين، فيما توطدت العلاقة بين الجانبين إبان الثورة السورية؛ حيث كان موقف الراعي مسانداً للنظام في سوريا وحزب الله في وأد الحراك الذي اعتبره الراعي حينها يمس بوجود الأقليات.

وأكّد البطريرك في آخر تصريح له أنّ العلاقة مع حزب الله لم تنقطع يوماً، أمّا في خطابه يوم الأحد، فوجّه رسائل ضمنية لحزب الله دون ذكره مباشرة، كأهمية التخلّص من السلاح غير الشرعي، وعدم وجود دولتين بل دولة واحدة، ما فتح الباب على صراع وتراشق إعلامي بين حزب الله والمرجعية المسيحية المسلحة بقوة الدعم الفاتيكاني.

الخطاب والمبادرة الفرنسية

تهدف مبادرة الراعي للتوجه نحو التدويل، أي الاستعانة بالدول الأوروبية والعربيّة كي يصل لبنان إلى خشبة الخلاص من أزماته المتراكمة، بحسب مصادر البطريركية المارونية .

 كان لهذا الخطاب علاقة بالمبادرة الفرنسيّة بحيث يؤكد الكاتب والمحلّل السياسي جوني منيّر لـ"عربي بوست" أنّ كلام البطرك يدعم المبادرة الفرنسية، وأكّد أنّ العلاقة التي تجمعه مع فرنسا علاقة وطيدة جداً، لذا فالطرح الذي قدمه بشارة في كلمته الأخيرة يشدد على التمسك بالمبادرة الفرنسية وليس تجاوزها.

ما هو موقف حزب الله؟

خلال الخطاب الذي أطلقه البطريرك أطلّق مؤيدوه شعارات عديدة، أبرزها "حزب الله إرهابي" في الوقت الذي كان يشدّد فيه على وحدة السلاح والدّولة والتخلّص من السلاح غير الشرعي. ولكن بحسب منيّر، فالأمر يتعلّق بـ"الاستراتيجية الدفاعيّة، وسحب سلاح حزب الله، وضرورة الاستقرار في الساحة اللبنانية".

في السياق، قام عدد من الرّافضين لتصريحات البطريرك بمسيرة سيارات داخل الضاحية الجنوبية، وهم من مؤيدي حزب الله، ولكن هذه المسيرة انحصرت في الضاحية الجنوبية فقط، أي معقل الموالين لحزب الله، حيث يرى المحلّل السياسي جوني منيّر أن حزب الله لا يريد التصعيد، هو فقط يثبت وجوده لا أكثر.

أمّا الصحفي والكاتب قاسم قصير، المقرّب من حزب الله، فيؤكد لـ"عربي بوست" أنّ ما حدث عبارة عن غضب ورفض من قبل جمهور المقاومة على الشعارات التي رُفعت في بكركي من قبل الحشود، وأكد أنّ حزب الله مستعد للحوار مع البطريرك.

فيما يكشف كلّ من منيّر وقصير لـ"عربي بوست" عن اتّصال جرى بين حارث شهاب ومحمّد الخنسا، وهما عضوان في لجنة الحوار بين بكركي وحزب الله، بحيث طلب الخنسا من شهاب تحديد موعد للقاء من الحوار، وقال منيّر إنّ هذا الاتصال يأتي بعد انقطاع، نظراً للخلاف بين الطرفين بعدما أطلق البطرك الرّاعي مبدأ الحياد، والذي يفصل لبنان عن الصراعات الخارجية، ومنها إسرائيل، ما أثار امتعاضاً من جانب حزب الله وإيران.

أمّا ردّ البطريرك، بحسب منيّر، كان أنه منفتح للحوار شرط توافر نقاط أساسيّة للنقاش، وأهمها الحفاظ على تطبيق اتّفاق الطّائف والحرص على تطبيقه، والاتفاق على حلّ المسائل الداخلية، مؤكداً أن الحوار وحده لن يجدي نفعاً.

لذا، يرى بشير قصير أن من منطلق هذا الاتّصال تأكيد على أن حزب الله مستعد للحوار ولا يريد المواجهة، إلّا في حال حصلت بعض التطوّرات، مثل استغلال بعض الأحزاب السياسية لخطاب البطريرك، ويؤكد قصير "أن موقف الحزب هو رهن التطورات أيضاً، كلّ شيء يتطوّر مع التطوّرات الميدانية". 

هل فتحت المعركة على رئاسة الجمهورية؟

اعتبر البعض أن خطاب البطريرك فتح معركة على رئاسة الجمهورية، وأنه لا يستطيع بعد اليوم أن يكون القرار المسيحي والسياسي منبعثاً من قصر بعبدا، حيث مقرّ رئاسة الجمهورية.

أوضح المحلّل السياسي منيّر لـ"عربي بوست" أنه "لا شكّ أن القرار السياسي لم يعد في قصر بعبدا، أصبح في الصرح الديني المسيحي وفي عهدة الراعي، وخصوصاً مع الحشود التي توافدت يوم الأحد رغم جائحة كورونا"، وأن القرار المسيحي أصبح أيضاً في بكركي.

أمّا من الناحية الجماهيرية، فقد أكّد منيّر أنّ هذا الخطاب سحب البساط الشعبي من رئيس الجمهورية وصهره النائب جبران باسيل، وسيؤثّر ذلك حتماً على الاستحقاق الرئاسي، بحيث إنه بعد الخطاب لم يعد مسموحاً بطرح فكرة التمديد للمجلس النيابي، ومن خلالها تبرير حجّة التمديد لرئاسة الجمهورية، وهذا الأمر، بحسب منيّر، متناغم مع كلام البابا فرنسيس، في آخر رسالة معايدة أرسلها إلى بكركي، وليس إلى رئاسة الجمهورية، كما جرت العادة.

حتى إنّ جبران باسيل لم يعد قادراً على التصرّف كما يحلو له، كما كان سابقاً، أي فرض شروط لتشكيل الحكومة أو التدخّل بالقرارات الدّاخلية.

هل من خطة لإفشال جهود الراعي؟

يؤكد الباحث والصحفي منير الربيع أن هناك سعياً إلى تحويل مبادرة الراعي لصراع مسيحي- مسيحي، ويرى أن أطرافاً عديدة تنتظر حدثاً ما، أو مرور مدة، لطي صفحة سبت بكركي وموقف البطريرك، للانتقال إلى التلهي أو الانشغال بمسائل أخرى.

وبحسب الربيع، فإن هناك أكثر من جهة سياسية تحضِّر – في حال انعقاد مؤتمر دولي لبحث الأزمة اللبنانية – لجعل المؤتمر مناسبة لطرح مسألة النظام اللبناني برمّته، وعدم البحث فقط في مسألة الحياد والحفاظ على التركيبة اللبنانية. وهذا للقول إن الأزمة في لبنان أزمة حكم ونظام، ولا بد من تغييرهما وإيجاد تركيبة جديدة ملائمة وغير قابلة للتهافت. ويعتقد الربيع أن هناك انتظاراً لحصول أي اعتداء إسرائيلي أو موقف دولي يتعارض مع مصلحة لبنان، للقول إن مبدأ الحياد الذي يطرحه الراعي غير قابل للتطبيق في لبنان.

هل من دعم دولي حقيقي لجهود الراعي؟

تؤكد مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" أن الحديث عن ضمان دولي للمبادرة ليس دقيقاً. وهناك دعمٌ دولي واحد يمكن للبطريرك أن يرتكز إليه في شكل مطلق، هو دعم الفاتيكان. 

فمستوى التواصل والتنسيق بين البطريرك والكرسي الرسولي هو اليوم في أعلى مستوياته. والتغطية التي يوفِّرها الفاتيكان يمكن أن تشكّل منطلقاً دولياً مناسباً للمبادرة التي يطرحها الراعي.

ووفق المصدر فإنه وعلى الرغم من أنّ أياً من القوى الدولية لم تعلن موقفاً اعتراضياً تجاه الطرح البطريركي، ولا سيما مبادرة الحياد اللبناني، فإنّ عقد المؤتمر الدولي من أجل لبنان الذي ينادي به الراعي وتدعمه بعض القوى المسيحية المعارضة يحتاج إلى تغطيةٍ من القوى الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن، بما فيها روسيا والصين، وطبيعي أن تحدِّد كل قوةٍ دولية موقفها بناء على المصالح والتحالفات التي تقيمها في الشرق الأوسط. ولذلك، يستلزم إنجاح الطرح دعماً وطنياً وورشة اتصالاتٍ دبلوماسية، لشرح إيجابيات المؤتمر والحياد على الاستقرار الداخلي والإقليمي.

وبحسب المصدر، فإن فرنسا أبلغت الراعي وبوضوح أنّها تدعم طرح الحياد بما يتلازم مع مبادرتها المطروحة،  فيما موقف الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه لبنان ما زال قيد التبلور، لأنّ واشنطن لم تنطلق أساساً لمبادراتها تجاه الشرق الأوسط، لكن الالتفاف الذي حظي به الطرح من قوى وطنية عدّة، ومن قوى انتفاضة 17 تشرين الأول، يثير انتباه الأمريكيين والجهات الدولية الفاعلة.

تحميل المزيد