تقف تحركات عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي في طبرق، حاجزاً أمام منح الثقة لحكومة عبد الحميد الدبيبة، هذه التحركات التي تدخل في إطار جهوده للحفاظ على منصبه، رغم تفاهم أطراف الحوار في جنيف بشأن توزيع مناصب السلطتين التشريعية والتنفيذية.
واتفق أكثر من 90 عضواً في مجلس النواب بصبراتة في 15 فبراير/شباط 2021 على إعادة هيكلة مجلس النواب، بحيث يكون قادراً على توحيد مجلس النواب المنقسم، ومنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، وإعادة هيكلة وتشكيل الوزارات السيادية، وتعيين محافظ جديد للمصرف المركزي، وإصدار قانون التصويت على الدستور استعداداً للانتخابات الدائمة بعد انتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.
عقيلة صالح: إقالتي ستُسبب أزمة في ليبيا
كشف عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق، خلال مقابلة تلفزيونية في 22 فبراير/شباط 2021 أن "إقالته أو استقالته من رئاسة مجلس النواب في هذا الوقت غير مناسب من أجل وحدة ليبيا، وخروجها من أزماتها، هذه الأمور التي ستُسبب انقسامات ومشاكل في البلاد".
وقال عقيلة صالح: "لست من طلاب الوظائف، فأنا من أرفع مكانة الوظيفة وليست الوظيفة من ترفع مكانتي"، مضيفاً أنه "يجب علينا أن نقوم بتثبيت السلطة التنفيذية حتى تتوحد وتتوفر متطلبات المواطنين، ثم نهتم بشأننا الداخلي في مجلس النواب، نكلف من نكلف ونقيل من نقيل".
وأكد عقيلة صالح أن "خروج القوات الأجنبية مطلب أساسي للشعب الليبي؛ لأن مجلس النواب في ليبيا رفض هذه الاتفاقيات الموقعة بين تركيا وحكومة السراج"، وذلك دون الإشارة إلى مرتزقة "فاغنر" و"الجنجويد" المنطويين تحت لواء قوات حفتر.
منح الثقة بطبرق
دعا عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق، في بيان صدر عنه في 26 فبراير/شباط 2021 أعضاء مجلس النواب لجلسة مناقشة منح الثقة للحكومة، على أن تكون الجلسة يوم الاثنين 8 مارس/آذار 2021 في مدينة سرت الليبية.
واشترط عقيلة صالح في نص الدعوة تأكيد لجنة (5+5) تأمين الجلسة، وإن "تعذر ذلك يكون مكان انعقاد الجلسة المقر المؤقت لمجلس النواب في مدينة طبرق في ذات الزمان المحدد"، حسب قوله.
وطالب رئيس مجلس نواب طبرق لجنة (5+5) بالرد بشكل رسمي على مجلس النواب بوقت كافٍ قبل الموعد المحدد لانعقاد الجلسة منح الثقة للحكومة.
وكان عقيلة صالح قد صرح يوم الجمعة 26 فبراير/شباط 2021 من المغرب بأنه ينتظر انعقاد جلسة منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية في مقر البرلمان بطبرق إن تعذر عقدها بسرت.
وأضاف عقيلة في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية المغربي ناطر بوريطة، أن "الأمم المتحدة قد حددت آلية أخرى لمنح الثقة في حال فشل النواب في ذلك، وأن مجلس النواب قادر على أن يقرر بكل حرية منح الثقة للحكومة وأنه يفضل أن تكون حكومة تكنوقراط مصغرة".
وأشار المتحدث إلى أن "المرحلة الحالية هي مرحلة تسوية خلافات، وتفرض ضرورة مشاركة الجميع"، مطالباً رئيس الحكومة الجديدة عبد الحميد الدبيبة بـ"مراعاة الكفاءة ومشاركة الجميع".
من جهته أعلن عبد الحميد الدبيبة خلال مؤتمر صحفي عقده الخميس 25 فبراير/شباط 2021 تسليم مقترح معايير ومنهجية اختيار هيكلية حكومة الوحدة الوطنية إلى هيئة رئاسة مجلس النواب رفقة مخرجات ملتقى الحوار وبرنامج الحكومة، وذلك في إطار احترام المدة الزمنية الممنوحة لهم في خارطة الطريق.
وأكد رئيس الوحدة الوطنية أن الكفاءة "هي معياره الأساسي لإعداد مقترح الحكومة، مع مراعاة التوزيع العادل بين المناطق فيما يتعلق بالمناصب السيادية ومبدأ التشاور"، مؤكداً أن "السلام سيكون شعارهم والمشاركة أسلوبهم، وازدهار المواطن وتحسين جودة الخدمات هدفهم وتحقيق التداول السلمي على السلطة من خلال دستور وانتخابات وجهتهم".
سرت تحت سيطرة القوات الأجنبية
جاء رد اللجنة العسكرية (5+5) سريعاً على دعوة عقيلة صالح، إذ أكد رئيس اللجنة العسكرية المشتركة، اللواء أحمد أبو شحمة، أن "مدينة سرت لا زالت تحت سيطرة القوات الأجنبية والمرتزقة".
وأوضح أبو شحمة في بيان له أنه "لا توجد أي قوة شرعية تؤمّن المدينة"، مشيراً إلى أن "الأمر يعود إلى أعضاء مجلس النواب لاختيار المكان المناسب لاجتماعهم بالتنسيق مع الجهات الأمنية المختصة".
وأضاف المتحدث أن "اللجنة العسكرية المشتركة تُقدر حرص مجلس النواب على عقد جلسة للبرلمان مجتمعاً لإعطاء الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، لكن هناك لجنة فنية عسكرية دورها يتلخص في وقف إطلاق النار وحقن دماء الليبيين وإخراج الأجنبي من التراب الليبي".
من جهتها أعلنت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 أمس الأحد 28 فبراير/شباط 2021 جاهزية مكان انعقاد جلسات مجلس النواب طبرق للتصويت على حكومة الوحدة الوطنية بسرت.
اللجنة وفي رسالة رسمية لمجلس نواب طبرق أكدت جاهزية قاعات "وقادوقو" بسرت بعد الإشراف على صيانتها من قبل المجلس الاجتماعي لقبائل سرت ومجلس التسيير سرت.
مجلس النواب سينتهي دوره
وفي السياق ذاته أكد زياد دغيم عضو مجلس نواب طبرق السبت 27 فبراير/شباط 2021، أن "تشكيل الحكومة الجديدة جاهز ورئيس المجلس عقيلة صالح لم يضع بعد لزيارة رئيس الحكومة الجديدة عبد الحميد الدبيبة لمدينة طبرق أي ضوابط أو شروط إلا الضوابط العامة أو الحديث المكرر حول التوازن بين المناطق الثلاث".
وأضاف دغيم في تصريح لـ"عربي بوست" أن "عقيلة صالح بعد تقديم الدبيبة مسودة تشكيل الحكومة الجديدة وضع الكثير من الشروط عليها وتحفظ على بعض الأسماء وأيضاً على إعادة الهيكلة"، لافتاً إلى أن "ما تسرب خلال المشاورات مع أعضاء مجلس النواب أن عقيلة صالح له رأي آخر حول تشكيل الحكومة".
وأضاف المتحدث أن "المقر القانوني الجديد لمجلس النواب هو مدينة سرت"، مشيراً إلى أن "الدعوة لجلسة منح الثقة للحكومة الجديدة غير مكتملة، وضرورة عقد جلسة للنواب في مدينة سرت ثم يتم اتخاذ قرار أين يعود أو أين يذهب أو أين يعقد بقية جلساته".
وأشار المتحدث إلى أن من ضمن الإشكاليات أن "سرت ليست مكاناً مناسباً لعقد الجلسة ورغم ذلك أصر عقيلة صالح على عقد الجلسة بها"، مطالباً "اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 بأن تعيد تقييمها للوضع مجدداً لإخراج البلاد من هذه الأزمة الجديدة".
وتابع دغيم أنه يعتقد أن "مجلس النواب سينتهي دوره تماماً لعدم قدرته على منح الثقة وينتقل الأمر إلى لجنة الحوار 75، والأمر لن يكون سهلاً على ملتقى الحوار السياسي".
عقيلة يؤخر تشكيل الحكومة
وكشف عضو مجلس النواب وملتقى الحوار السياسي زياد دغيم أن رئيس نواب طبرق عقيلة صالح هو من أخّر إعلان الحكومة الجديدة وتسليمها.
وأضاف دغيم في تصريح صحفي أن "تشكيلة الحكومة جاهزة بالأسماء بعد التشاور وموافقة 120 نائباً، ولكن إصرار عقيلة على تغييرها جذرياً (هيكلتها وفلسفتها وأسمائها ورؤيتها) هو ما أخّر إعلانها وتسليمها بحجة تنفيذ القانون".
وأكد المتحدث أن "صالح آخر من يتكلم عن القانون، بعد أن ضربه هو والإعلان الدستوري عرض الحائط بترشحه لرئاسة المجلس الرئاسي دون أن يستقيل من البرلمان، متجاهلاً نصوصاً تمنعه من ذلك".
وتابع دغيم في ذات التصريح أن "الوضع الحالي يعاني من تداعيات عدم الالتزام بقاعدة قانونية حاكمة (قاعدة تعارض المصالح)، كون عقيلة مصدوماً من خسارته قبل 21 يوماً أمام الدبيبة، ما جعله يشترط عليه شروطاً تعجيزية لكي ينفذ المادة 179 من القانون رقم 4/2014 بدعوة البرلمان للانعقاد".
وأفاد دغيم بأنه وفقاً لقاعدة تعارض المصالح فإنه "لا يحق لعقيلة صالح الدعوة إلى الجلسة الخاصة بمنح الثقة أو ترأسها، وعلى نوابه تحمل مسؤولياتهم التاريخية، وعلى القضاء إبداء رأيه بأحقية من ترأس قائمة خاسرة أمام قائمة الدبيبة في الحكم عليه".
وذكر دغيم أنه "وفقاً للمادة 179 على عقيلة دعوة البرلمان في مدة أقصاها ثلاثة أيام ستنتهي مساء الأحد القادم لجلسة خاصة بالمقر القانوني الجديد بمدينة سرت للتصويت على عدة ملاحقات آخرها التشكيلة وإلا فينتقل الاختصاص للنائبين".
وأشار النائب إلى أنه "ليس من حق عقيلة صالح الحجر على حق البرلمان بتقدير جودة تشكيلة الحكومة من عدمه"، مردفاً أنه "لا يملك إلا صوته بالثقة (بنعم أو لا)".
إسقاط حكومة دبيبة
ويرى رئيس مركز "اسطرلاب" للدراسات، عبد السلام الراجحي، أن "المراوغات والاشتراطات التي يقوم بها رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح ليست لغرض الحصول على حقوق برقة كما يدعي، أو الحصول على حصة من الوزارات السيادية الخارجية والداخلية والمالية وغيرها والدفاع في حكومة عبد الحميد الدبيبة، بل يسعى إلى إسقاط هذه الحكومة كي يجدد الأمل لديه في الحصول على فرصة جديدة بتولي رئيس المجلس الرئاسي بعد فشله في الحصول على هذا المنصب في الانتخابات السابقة بجنيف، وهي ذات السياسة التي اتبعها إبان منح الثقة لحكومة رئيس المجلس الرئاسي السابق فايز السراج في 2016".
وقال الراجحي في حديثه لـ"عربي بوست" إنه "مهما اجتهد عبد الحميد الدبيبة في تحقيق اشتراطات عقيلة صالح فلن يحظى بالثقة لحكومته وسيثقله صالح بالشروط، حتى وإن كان جميع وزراء هذه الحكومة من برقة فسيعمل على إسقاطها كي تستبدل بالقائمة الخاسرة التي تليها في الترتيب والتي كان على رأسها كرئيس للمجلس الرئاسي في الانتخابات الماضية بجنيف".
وأضاف المتحدث أن "عقيلة صالح سيفشل في إسقاط حكومة عبد الحميد الدبيبة، خصوصاً أن آخر فرصة لمجلس النواب في التصويت على الحكومة هو يوم 19 مارس/آذار 2020″، مشيراً إلى أن "فرصة نجاح هذه الحكومة هو التوجه للتصويت عبر لجنة الحوار السياسي أو ما يسمى لجنة الـ(75) لمنح الثقة لها خصوصاً أن لجنة الحوار السياسي تحظى بدعم شعبي، كما أن اللجنة تلتزم أخلاقياً بمخرجات الحوار، وهو ما شهدناه في يناير/كانون الثانية 2021 عندما تم التصويت على قوائم رئاسة المجلس الرئاسي والحكومة المنبثقة".