تراجعت السلطات المصرية بشكل واضح، اليوم الإثنين 1 مارس/آذار 2021، عن تطبيق التعديلات الجديدة التي كانت تعتزم تطبيقها على قانون جديد لتسجيل العقارات، والتي أثارت جدلاً وغضباً شعبياً واسعاً داخل البلاد.
إذ وجّه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتأجيل تطبيق القانون رقم 186 لسنة 2020 الخاص بتعديل قانون الشهر العقاري، وذلك لفترة انتقالية لا تقل عن عامين بهدف "إتاحة الفرصة والوقت لإجراء حوار مجتمعي، وأن يتم خلال تلك الفترة تحصيل قيمة ثابتة مقطوعة مخفضة وواضحة عند تسجيل الأملاك، حسب مساحة ونوع الملكية، وذلك بدلاً من الضريبة المفروضة في هذا الصدد على التصرفات العقارية".
جاء ذلك في بيان نشره المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية على حسابه بـ"فيسبوك"، وذلك عقب اجتماع السيسي، الإثنين، مع مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، وعمر مروان وزير العدل، والذي تناول استعراض "تطوير عمل منظومة الشهر العقاري (مقر حكومي تابع لوزارة المالية)، وجهود الحكومة في هذا الصدد".
المتحدث الرئاسي قال إن السيسي اطلع على ما وصفه بجهود تيسير الإجراءات على المواطنين فيما يتعلق بتسجيل الأملاك، موجهاً في هذا الإطار بأن تقوم الحكومة بإعداد مشروع قانون يحقق الهدف من التأجيل خلال الفترة الانتقالية.
على الفور، وكما هو مُعتاد احتفت وسائل الإعلام المحلية المؤيدة للنظام بقرار السيسي، معتبرين ذلك انتصاراً منه لموقف البسطاء والفقراء والمهمشين في مصر.
حصر الثروة العقارية
من جهته، استعرض وزير العدل تفاصيل منظومة حصر وتنمية الثروة العقارية، وجهود الحكومة في هذا الصدد من خلال حوكمة إصدار تراخيص البناء، إلى جانب إزالة التعديات على أملاك الدولة، وكذا إتاحة التصالح على العقارات المخالفة بضوابط، وتوفير مساكن لقاطني العشوائيات في عقارات مرخصة، وفق البيان الرئاسي.
حيث تهدف تلك المنظومة الجديدة إلى تأمين ملكية المواطنين للثروة العقارية، وتعظيم الاستفادة منها، فضلاً عن ضبط وتأمين السوق العقاري، وكذلك القضاء على البناء غير المرخص والعشوائيات، طبقاً لما قاله وزير العدل.
كانت الحكومة المصرية قد أعلنت، الأحد 28 فبراير/شباط 2021، تأجيل تطبيق قانون تسجيل العقارات حتى نهاية العام الجاري، وذلك قبل أسبوع واحد من تنفيذ القانون.
قرار الحكومة جاء في أعقاب اجتماع جرى الاتفاق خلاله على أن يتقدم مجلس الوزراء بمشروع قانون جديد لمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) دون تحديد موعد، بما يعطي الحكومة إرجاء نفاذ هذا القانون حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل، وذلك قبل قرار السيسي الأخير.
رئيس مجلس الوزراء قال إن هدف الدولة الأول هو "مصلحة المواطنين والتيسير عليهم، وإرجاء نفاذ هذا القانون سيتيح الفرصة للتعاون مع البرلمان في طرح بعض الأفكار للتيسير على المواطنين والتحفيز على التسجيل، وعلى رأسها فصل سداد ضريبة التصرفات العقارية عن إجراءات التسجيل العقاري، وتوصيل المرافق"، حسب قوله.
95% من عقارات مصر غير مسجلة
كما أضاف رئيس الحكومة أن "نحو 95% من العقارات في مصر غير مسجلة، والحكومة تأمل في قيام جميع المواطنين بتسجيل عقاراتهم، بهدف تحصين الملكيات، والحفاظ عليها، لذا ستعمل الحكومة من جانبها على تيسير إجراءات التسجيل العقاري".
يشار إلى القانون المشار إليه كان قد نُشر في الجريدة الرسمية يوم 5 سبتمبر/أيلول 2020 شريطة أن يتم العمل به بعد 6 أشهر أي في 7 مارس/آذار المقبل.
كان القانون الجديد يلزم بعدم نقل المرافق والخدمات إلا بعد سند القيد من مكاتب الشهر العقاري، فضلاً عن دفع رسوم جديدة للتسجيل، في وقت تشير بيانات غير رسمية لوجود أكثر من 40 مليون عقار في عموم مصر.
انتقادات واسعة من المعارضين
إلا أن هذا القانون أثار خلال الأيام الماضية انتقادات واسعة من معارضين، لا سيما بمنصات التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل استمرار تحصيل الحكومة منذ أشهر رسوماً أخرى، من المواطنين متعلقة بالتصالح على الوحدات التي بنيت بطريقة غير قانونية، وأكد البعض أن هذا التشريع يحمل البسطاء رسوماً باهظة، ويُهدد من يتخلف بفقد منزله.
خاصة أن محامين قالوا إن التعديلات الجديدة تهدد ملكيات المصريين للعقارات والشقق إلى حين، حيث لا تستقر الملكية إلا بإجراءات طويلة ومعقدة، بالإضافة إلى كونها مكلفة لشعب ترزح نسبة كبيرة من أبنائه تحت خط الفقر.
مراقبون أشاروا إلى أن تراجع السيسي وحكومته عن تطبيق تلك التعديلات يأتي كمحاولة لاحتواء الغضب الشعبي المحتمل، ولتفادي اتساع نطاق المعارضة لسياسات النظام.
فيما اتهم إعلاميون مقربون من النظام المعارضة في الخارج بما وصفوه بـ"تسخين" المواطنين.
سبق أن ناشد مؤيدون للنظام بتعديل القانون لمواجهة أي انتقادات، وأعلن حزب "مستقبل وطن" الذي يملك الأغلبية في البرلمان (مؤيد للنظام) تبنيه الفكرة مع إشادته بدعوات التأجيل.
جدير بالذكر أن مصر شهدت تظاهرات احتجاجية محدودة خلال شهر سبتمبر/أيلول 2019 و2020، استجابة لدعوة الفنان والمقاول المعارض محمد علي، احتجاجاً على أوضاع اقتصادية بلغت ذروتها بحملة حكومية لهدم عقارات شيدت دون تراخيص كما قالت الحكومة.
شنّت السلطات المصرية حملات اعتقال واسعة في أعقاب تلك الاحتجاجات التي شهدتها محافظات مصرية مختلفة، حسب وسائل إعلام معارضة بالخارج.
وعادة ما يرى موالون للنظام المصري، أن الأوضاع في البلاد مستقرة في ظل تحسن نسبي في الاقتصاد، معتبرين أن معارضي الخارج لا يمثلون الشعب.