أثار التعديل الحكومي في الجزائر الذي أجراه الرئيس عبد المجيد تبون قبل يومين، الكثير من الجدل في الأوساط السياسية، لا سيما أنه أُحيط بالكثير من المشاورات والغموض والتأخير عن موعده الذي حدّده الرئيس نفسه.
ويبدو للمتتبّع للشأن الجزائري أن السلطة والشارع يسيران في خطين متوازيين، ففي الوقت الذي يتحدث فيه رئيس البلاد عن تغييرات في الحكومة لتحسين الأداء وتلبية احتياجات المواطنين، يخرج عشرات الآلاف من الجزائريين إلى الشارع للتعبير عن رفض المنظومة كلها بمن فيها الرئيس، معتبرين أن مطالب الحراك الشعبي تم الالتفاف عليها ولم يتحقق منها شيء.
كواليس التعديل الحكومي في الجزائر
كشفت مصادر "عربي بوست" من داخل الحكومة الجزائرية أن التعديل الحكومي في الجزائر الذي أجراه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كان من المزمع أن يمسّ الوزير الأول عبد العزيز جراد، لكن تم التراجع عن ذلك في آخر لحظة، وهو ما يفسر تأخر التعديل الحكومي عن موعده بيوم.
وحسب مصادر "عربي بوست" من داخل الحكومة الجزائرية، فإن عبد العزيز جراد اجتمع مع طاقمه الوزاري يوم الأربعاء 17 فبراير/شباط 2021 أي قبل يومين من التعديل الحكومي في الجزائر، وألقى ما يشبه كلمة وداع على الوزراء، شكرهم فيها على مجهوداتهم المبذولة، ودعاهم للاستعداد إلى المرحلة المقبلة.
وفي الوقت الذي كان من المزمع إعلان التعديلات الحكومية، أعلن التلفزيون الحكومي عن اجتماع لرئيس الجمهورية مع المجلس الأعلى للأمن، وهو الهيئة الأعلى في البلاد ويضمّ كبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية، إلى جانب مسؤولين سامين مدنيين.
ويبدو -حسب المتتبعين- أن المجلس الأعلى للأمن كان له دور كبير في إبقاء عبد العزيز جراد، وجعل التعديل الحكومي في الجزائر محدوداً، خاصة أن البلاد مقبلة على تشريعيات مسبقة خلال أشهر تنبثق عنها حكومة جديدة بحسب ما ينص عليه الدستور الجزائري الجديد.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد عاد عشية 12 فبراير/شباط 2021 إلى البلاد بعد رحلة علاج دامت أكثر من شهر في ألمانيا، وسط أجواء مشحونة وتعبئة كبيرة للنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو فيها الجزائريين للعودة إلى الشارع لاستكمال الحراك الشعبي المتوقف منذ سنة كاملة بسبب تفشي وباء كورونا.
وفي اليوم الموالي لعودته باشر تبون مهامه مباشرةً، وشرع في لقاءات ثنائية مع مختلف الفواعل السياسية المؤيدة والمعارضة له، إذ اجتمع برئيس حركة البناء الوطني ومنافسه في رئاسيات أكتوبر/تشرين الأول 2019 عبد القادر بن قرينة، ورئيس حزب جبهة المستقبل ومنافسه أيضاً في الرئاسيات عبد العزيز بلعيد، كما اجتمع مع رئيس حزب جيل جديد جلالي سفيان، وهو أحد الرافضين لمسار رئاسيات التي أسفرت عن وصول تبون إلى القصر الرئاسي لكنه من المؤيدين للحوار معه.
ومن الأحزاب المعارضة اجتمع تبون مع رئيس حزب حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، وهو أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد والمقاطعة للانتخابات الرئاسية، كما التقى الرئيس بزعيم أقدم حزب معارض وهو جبهة القوى الاشتراكية التي لم تكن إلى وقت قريب تعترف بتبون رئيساً للبلاد.
بعد هذه اللقاءات كشف رئيس حزب جيل جديد جلال سفيان أن الرئيس وعده بإجراء تعديل حكومي خلال أيام، يمسّ الوزراء الذين فشلوا في تحسين الظروف المعيشية للمواطن.
كما تحدّث رئيس حركة البناء عبد القادر بن قرينة عن اتخاذ رئيس الجمهورية قراراً بحلّ المجلس الشعبي الوطني (إحدى غرفتي البرلمان) والإعلان عن إجراء انتخابات تشريعية مسبقة.
من جهته أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خطابه يوم 18 فبراير/شباط 2021 عن حلّ المجلس الشعبي الوطني، الذي قال إن معظم نوابه حصلوا على مقاعدهم بطرق ملتوية نتجت عن تزاوج المال بالسلطة، ودعا المتحدّث الشباب إلى الترشح للتشريعيات القادمة، واعداً بالتكفل بجزء كبير من مصاريف حملاتهم الانتخابية.
وفي الخطاب ذاته، كشف تبون اعتزامه إجراء تعديل وزاري خلال 48 ساعة لإعطاء روح جديدة للحكومة.
بعد المدة التي حدّدها تبون الكثير من المهتمين ينتظرون النشرة الرئيسية على التلفزيون العمومي لمعرفة جديد حكومة عبد المجيد تبون، لكن التعديل الحكومي في الجزائر لم يحدث وهو ما أسال الكثير من الحبر في الصحافة الجزائرية كما أثار الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.
صراع الجيش والرئيس
يعتقد رئيس حزب جيل جديد وهو أحد الشخصيات المقربة في الوقت الحالي من الرئيس عبد المجيد تبون، وهو يتحدث لـ"عربي بوست"، أنّ التعديل الحكومي في الجزائر الحكومي في جانبه السياسي يُعتبر "لا حدث".
ويبرر جلالي سفيان ذلك بتأكيد أن "التعديل الحكومي في الجزائر كان بالدرجة الأولى تعديلاً تقنياً يتعلّق بمعالجة بعض الاختلالات في الحكومة، ولا يهم الرأي العام في شيء على حد تعبيره".
وفيما يخصّ تعيين أحد مستشاري الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وزيراً في التعديل الحكومي في الجزائر، يرى رئيس حزب جيل جديد، أن "ذلك لم يكن متوقعاً، كما يُعتبر استفزازاً للشارع الجزائري والحراك الشعبي".
ويرى المتحدّث ذاته أن "التعديلات الحكومية الحقيقية ستكون بعد التشريعيات، بحيث تنبثق من الأحزاب الفائزة التي ستشكل خارطة سياسية جديدة لا محالة"، على حد قوله.
من الجانب الآخر ينظر الناشط السياسي سمير بن العربي، وهو أحد أبرز وجوه الحراك الشعبي، إلى التعديل الحكومي بطريقة مختلفة، إذ تحدث لـ"عربي بوست" بنبرة مستهزئة ويقول: "بعد ثلاثة أيام من انتظار التعديل الحكومي الجذري استجابة لمتطلبات المرحلة والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها البلاد، أفرج الرئيس عبد المجيد تبون عن حكومة جراد الثالثة التي جاءت مفاجئة للجميع".
وأضاف الناشط في تصريحه أن "التعديل الحكومي في الجزائر لم يتضمّن تعديل سوى ثلاث وزارات وإلغاء أخرى، لكن الغريب الاستعانة بأسماء كانت ضمن محيط الرئيس السابق".
ويذهب بن العربي أبعد من ذلك إذ يكشف وجود صراع في أعلى هرم السلطة، حيث يقول إن "ما حدث بعد ثلاثة أيام من الانتظار يؤكد أن هناك صراعاً بين الرئاسة وقيادة الأركان حول تسيير أمور البلاد".
الحراك يخلط الأوراق
بعد يوم من تأشير عبد المجيد تبون على التعديل الحكومي في الجزائر المخيّب لآمال الطبقة السياسية والكثير من المتتبعين، خرج عشرات الآلاف من الجزائريين في أغلب ولايات الوطن لإحياء الذكرى الثانية للحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما لم يتوقعه أشد المتشائمين في السلطة.
وتواجد "عربي بوست" في العاصمة الجزائرية التي عجّ وسطها بالمتظاهرين، واستطلع آراء بعض الشباب في التعديل الحكومي في الجزائر الذي أجراه تبون قبل يومين.
ويرى سفيان (33 سنة) في حديثه مع "عربي بوست" أنّ "لا التعديل الحكومي في الجزائر يهمه ولا الحكومة أصلاً تعنيه، لأنها مجرّد تفاصيل ما دامت مطالب الحراك الكبرى لم تتحقّق"، على حدّ تعبيره.
من جهتها تقول أمينة (34 سنة) في حديثها مع "عربي بوست" إن "كلّ قرارات تبون الأخيرة غير مهمة، عدا العفو على سجناء الرأي فهو قرار نثمّنه ونعتبره خطوة إلى الأمام وبادرة جيدة من السلطة".
أما إلياس -وهو طالب جامعي بكلية الحقوق- فيعتقد أنه يجب التركيز على الحراك وتأطيره من أجل تحقيق مطلب العدالة والحرية والدولة المدنية، أمّا الحكومة فقد عرفت ثلاثة تعديلات خلال سنة ولم تأتِ بأي جديد ولن تأتي به، حسب قوله.