أعلنت وزارة العدل الجزائرية، الجمعة 19 فبراير/شباط 2021، الإفراج عن 33 من نشطاء الحراك الشعبي، أبرزهم الصحفي خالد درارني والناشط البارز رشيد نكاز، في عملية "لاتزال متواصلة"، تنفيذاً لقرار رئيس الجمهورية المتمثل في العفو عن 21 شخصاً محكوماً عليهم نهائياً بعقوبات السجن النافذ، لأعمال مرتبطة باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي أو مرتكبة أثناء التجمهر (خلال الحراك)".
فقد بلغ العدد الإجمالي للمفرج عنهم إلى غاية اللحظة 33 شخصاً (21 محكوماً بشكل نهائي و12 لم تصدر بحقهم أحكام)، فيما تتواصل الإجراءات بالنسبة للباقين، بينما تؤكد وزارة العدل أن الجهات القضائية المختصة شرعت "اعتباراً من اليوم، في الإفراج عن الأشخاص غير المحكوم عليهم نهائياً (لم تصدر بحقهم أحكام)، والمتورطين في أفعال مشابهة".
درارني ونكاز
في وقت لاحق من الجمعة، أكدت لجنة الدفاع عن معتقلي الرأي بالجزائر، وهي منظمة حقوقية مستقلة، مغادرة الصحفي خالد درارني السجن بعد استفادته من العفو.
وغادر درارني سجن القليعة غرب العاصمة الجزائر بعد قرابة سنة من سجنه، حيث أُوقف في مارس/آذار 2020، وأصدر القضاء في سبتمبر/أيلول الماضي، حكماً بالسجن سنتين نافذتين بحقه بتهمتي "المساس بالوحدة الوطنية والتحريض على التجمهر".
المنظمة نفسها أكدت أيضاً، أن الناشط السياسي البارز رشيد نكاز غادر هو كذلك سجن البيض (جنوب غرب).
وجرى توقيف نكاز في 4 ديسمبر/كانون الأول 2019، وأودع السجن بتهمة "تحريض المواطنين على عدم الانتخاب" (انتخابات الرئاسة في الـ12 من الشهر نفسه)، وتم تمديد حبسه على ذمة التحقيق، دون الشروع في محاكمته إلى غاية اليوم.
قرارات تبون
هذه القرارات تأتي على خلفية إعلان الرئيس تبون، في خطاب تلفزيوني، حل الغرفة الأولى للبرلمان وتنظيم انتخابات نيابية مبكرة، إلى جانب تعديل حكومي خلال 48 ساعة.
كما قرر إطلاق سراح 30 موقوفاً في الحراك الشعبي محكوماً عليهم بصفة نهائية، ومجموعة أخرى من 60 موقوفاً لم تصدر بحقهم أحكام.
منذ أشهر، تطالب منظمات حقوقية وأحزاب معارضة في الجزائر رئيس البلاد بإطلاق سراح موقوفين في مسيرات الحراك أو بسبب منشورات على شبكات التواصل.
كما جاءت قرارات تبون بعد أيام قليلة من سلسلة لقاءات مع أحزاب من الموالاة والمعارضة، قال قادتها إنهم رفعوا إليه مطالب بضرورة إجراء تعديل حكومي وحلّ البرلمان وإصدار إجراءات تهدئة للشارع تشمل العفو عن سجناء الحراك.
قرارات كانت متوقعة لامتصاص الغضب
كان "عربي بوست" قد أشار في تقرير سابق، الأربعاء 17 فبراير/شباط، إلى أن القصر الرئاسي بالعاصمة الجزائر شهد حركة استقبالات استثنائية بعد عودة الرئيس عبدالمجيد تبون من رحلته العلاجية في ألمانيا.
إذ استقبل الرئيس الجزائري رؤساء أحزاب المعارضة ونشطاء سياسيين، تزامناً مع الذكرى الثانية للحراك الجزائري، والتي يحاول الرئيس استباقها بتقديم حلول لإخماد غضب الشارع.
حسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر خاصة، فإنه من بين الحلول المطروحة أمام تبون، حل البرلمان وتشكيل حكومة جديدة، ودمج أحزاب المعارضة، وسحب البساط من الأحزاب القوية في الجزائر، وهو ما أعلن عنه الرئيس الجزائري في خطابه، الخميس.
العودة إلى الحراك
في المقابل، شهدت مدينة خراطة بمحافظة بجاية، الثلاثاء 16 فبراير/شباط، خروج آلاف من المتظاهرين في مسيرة تحتفي بذكرى حراك فبراير/شباط 2019، وأيضاً تحضيراً لإعادة بعث الحراك الشعبي، تزامناً مع تحركات عبدالمجيد تبون.
مراد بن بقة، ناشط سياسي شارك بمسيرة خراطة، قال في لقاء مع "عربي بوست"، إن "مطالب الحراك لم تتحقق، وحتى العصابة التي زج بها في السجن لتورطها في الفساد والتخابر أُصدرت بحقها أحكام البراءة، ما يجعلنا نفقد الثقة تماماً بنوايا هذا النظام".
أضاف المتحدث أن "الشعب الجزائري كان معلِّقاً آماله على انتقال السلطة بانتخابات رئاسية، حتى وإن قاطعها الأغلبية، لكن واقع الاقتصاد، ومستوى معيشة المواطنين، وانتهاج السلطة لنفس أسلوب النظام السابق بالتخويف والتهديد والتضييق، جعلنا مرغَمين على العودة إلى الشارع".
من جهته، يرى الناشط السياسي عادل سرايحي، في حديثه مع "عربي بوست"، أن "كورونا كانت هدية للسلطة من أجل تأكيد نيتها للشعب، وإجراء إصلاحات وفق ما وعد به الرئيس الجزائري، لكن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع، بل احترق الشعب بالأسعار الملتهبة للمواد الاستهلاكية وتدني الخدمات".
تحركات الرئيس الجزائري
فقد كثف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بعد عودته للجزائر، لقاءاته مع رؤساء أحزاب، وشخصيات وطنية، تطرَّق فيها -حسب تقارير التلفزيون الجزائري- إلى الوضع السياسي العام في البلاد، وتبادل الآراء، من أجل الخروج من بعض التعقيدات الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية.
كما فتح الرئيس جلسات الحوار الوطني مع أحزاب المعارضة التي قاطعت رئاسيات ديسمبر/كانون الأول 2019، وعلى رأسها الأمين الوطني الأول لحزب القوى الاشتراكية، المصنَّف كأكبر حزب معارض منذ استقلال الجزائر.
أيضاً كانت للرئيس جلسة مشاورات مع رئيس حزب حركة مجتمع السلم المعارض، عبدالرزاق مقري، الذي أبدى استعداد الحركة لأي حوار مع السلطة، والمساهمة في إنقاذ البلد مما هي فيه.
كان تبون قد استقبل كلاً من الأمين العام لحركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، وكذا رئيس حزب جبهة المستقبل الوطني، عبدالعزيز بلعيد، وهما الحزبان اللذان شاركا في رئاسيات ديسمبر/كانون الأول 2019.
يرى المحلل السياسي الجزائري سمير قلالتة، أن "تحركات عبدالمجيد تبون ولقاءه رؤساء الأحزاب جاءا لامتصاص حالة الغضب التي يعيشها الشارع قبل ذكرى الحراك، ولتسكين حالة الغليان والتذمر".
إذ اعتبر المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "لجوء الرئيس إلى هذه الأحزاب في هذا الظرف بالذات هو لتبيان نيته بناء حكومة سياسية تمثل جميع الأطياف الحزبية، والاعتماد على أنصار تلك الأحزاب في قلب موازين الشارع الذي يهم بالعودة لكن ليس بالقوة التي كان عليها في 2019".