فجّرت الاتهامات بوجود "طرف خارجي ثالث" في النزاع الحدودي بين الخرطوم وأديس أبابا، أزمة جديدة بين البلدين، حيث طالبت الخارجية السودانية، السبت 20 فبراير/شباط 2021، إثيوبيا، بالكف عما وصفته بـ"ادعاءات لا يسندها حق ولا حقائق"، مؤكدة أن اتهام بلادها بالعمالة لأطراف أخرى يُعدّ "إهانة بالغة، ولا تغتفر".
كانت الخارجية الإثيوبية قد قالت إن "الصراع الذي يروج له المكون العسكري في الحكومة السودانية لا يمكن أن يخدم إلا مصالح طرف ثالث على حساب الشعب السوداني".
ولأول مرة منذ بروز أزمة التوتر الحدودي بين البلدين، وجّهت إثيوبيا اتهامات صريحة للمكون العسكري في الحكومة السودانية، بتصعيد الصراع.
أضافت وزارة الخارجية السودانية، في بيان لها شديد اللهجة، أن مسألة الحدود السودانية الإثيوبية لا يمكنها أن تكون أساساً للعدوانية التي تتصرف بها إثيوبيا، إذ إن هذه الحدود قد خُطِّطت ووُضِّعت عليها العلامات منذ العام 1903، بناءً على اتفاقية 1902 بين بريطانيا التي كانت تشارك فى حكم السودان وبين الإمبراطور منليك الثاني، والذي تم تخطيط الحدود بطلب وبتفويض موثق منه.
البيان السوداني أشار أيضاً إلى أن قضية الحدود "لم تكن قط موضع نزاع إلى أن جاء إلى وزارة الخارجية الإثيوبية مَن يسخرها لخدمة مصالح شخصية وأغراض فئوية لمجموعة محددة، يمضي فيها مغامراً بمصالح عظيمة للشعب الإثيوبي، وبأمنه واستقراره، وبجوار لم يخُنه"، مضيفاً: "هذا وضع لا يستقيم، ونرجو أن تُغلِّب إثيوبيا إرادة السلام فى جميع تعاملها معه".
الخيارات القانونية
الخارجية السودانية قالت أيضاً: "إن كانت إثيوبيا جادة في ادعاءاتها المستجدة في أراضٍ سبق لها أن أقرت بسيادة السودان عليها، فإن عليها أن تمضي إلى الخيارات القانونية المتاحة إقليمياً ودولياً، لا أن تهدد الأمن الإقليمي والدولي بالاضطراب الذي قد يجر إليه توظيف البعض للسياسة الخارجية لإثيوبيا لمصالحه الفئوية الضيقة"، مشددة على أن بلادها لن تتنازل عن بسط سلطانها على أراضيها.
كما أكدت- خلافاً لما ورد في بيان الخارجية الإثيوبية- أن "كل فئات الشعب السوداني وقيادته عسكريين ومدنيين موحدة في موقفها ودعمها الكامل لبسط سيطرة السودان وسيادته على كامل أراضيه وفق الحدود المعترف بها، والتي تسندها الاتفاقيات والمواثيق الدولية، لكن ما لا تستطيع وزارة الخارجية الإثيوبية أن تنكره هو الطرف الثالث الذي دخلت قواته مع القوات الإثيوبية المعتدية إلى الأرض السودانية".
فيما لم يتسنَّ الحصول على تعقيب فوري من أديس أبابا بخصوص البيان السوداني.
مبادرة الاتحاد الإفريقي
تأتي تلك التطورات بالتزامن مع أنباء عن تقديم رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي مبادرة لاحتواء الأزمة الحدودية بين البلدين، حيث قال مصدر دبلوماسي إفريقي، لقناة الجزيرة، إن الأمر مرتبط بزيارة المستشار السياسي للاتحاد الإفريقي محمد الحسن ولد لبّات الخرطوم، ولقائه رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، حيث سلمه رسالة خطية من فكي لم يُكشف عن تفاصيلها.
كان السودان قد استدعى سفيره في إثيوبيا، يوم الأربعاء 17 فبراير/شباط 2021، للتشاور بشأن التطورات الأخيرة في العلاقات بين البلدين.
البحث عن وساطة تركية
كانت إثيوبيا قد دعت، يوم الجمعة 19 فبراير/شباط، السلطات السودانية إلى التراجع عما سمته "العدوان والاستفزاز"، واللجوء إلى "تسوية سلمية" بشأن النزاع الحدودي القائم بين البلدين، وذلك عقب أيام على إعلان أديس أبابا قبول الوساطة من أجل تسوية النزاع الحدودي مع الخرطوم.
إذ دعت الخارجية الإثيوبية، في بيان، الدول الإفريقية إلى "تقديم النصيحة للحكومة السودانية لإنهاء الخلاف الحدودي، من خلال الآليات المتاحة بين البلدين وبطريقة سلمية"، مؤكدة أن "دفع الشعبين الصديقين في إثيوبيا والسودان إلى حرب غير مبررة، خطأ فادح من شأنه أن يقوض سلامهما واستقرارهما وتطورهما بشكل خاص والمنطقة بشكل عام".
فيما اتهمت الخارجية الإثيوبية، الجيش السوداني بـ"نهب الممتلكات، وإحراق المعسكرات، وتشريد آلاف الإثيوبيين، والسيطرة على معسكرات الجيش الإثيوبي التي تم إخلاؤها"، بحسب البيان ذاته.
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، الثلاثاء 16 فبراير/شباط، إن أديس أبابا ستشعر بالامتنان والتقدير في حال توسطت تركيا بينها وبين الخرطوم لحل النزاع الحدودي القائم بينهما والمستمر منذ شهور.
مفتي كذلك قال خلال زيارته تركيا برفقة وزير الخارجية إن هناك إمكانية لحل الأزمة الحدودية بين البلدين في منطقة "الفشقة" الحدودية، بالطرق الدبلوماسية، موضحاً أن بلاده لا تفكر في الحرب في الوقت الحالي، وأضاف: "سنشعر بالامتنان إذا عرضت تركيا القيام بدور الوساطة بيننا".
"انتهاك خطير لسيادة السودان"
يذكر أن وزارة الخارجية السودانية أدانت، يوم الأحد 14 فبراير/شباط 2021، ما وصفته بـ"اعتداء" قوات إثيوبية على أراضٍ حدودية تابعة للبلاد، مؤكدة أن هذا الأمر يُعدّ انتهاكاً مباشراً وخطيراً لسيادة السودان وسلامة أراضيه.
حيث قالت الوزارة، في بيان، إن "السودان يدين ويستنكر العدوان الذي قامت به إثيوبيا بدخول قواتها إلى أراضٍ تتبع له قانوناً"، مؤكدة أن اعتداء أديس أبابا على تلك الأراضي هو "تصعيد يؤسف له، ولا يمكن قبوله، وإنه من شأنه أن تكون له انعكاسات خطيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة".
وحمّلت الخارجية السودانية إثيوبيا المسؤولية كاملة عما سيجر إليه عدوانها من تبعات، مطالبة أديس أبابا بالكف فوراً عن "التعدي" على أراضي السودان، وأن تعدل إلى الحوار، وتحرص على إكمال إعادة تخطيط الحدود المتفق عليها ووضع العلامات الدالة عليها.
منطقة "الفشقة" الحدودية
فيما لم يوضح البيان السوداني زمان أو مكان "الاعتداء"، لكن منطقة "الفشقة" الحدودية بين البلدين تشهد منذ أشهر، توترات واشتباكات بين الجيش السوداني وقوات إثيوبية.
يشار إلى أن منطقة الفشقة أرض خصبة يستوطنها مزارعون إثيوبيون، ويقول السودان إنها تقع على الجانب السوداني من الحدود التي تم ترسيمها أوائل القرن العشرين.
يذكر أن تلك التطورات أدت إلى تدخل الجيش السوداني نهاية العام الماضي، بهدف "السيطرة على كامل أراضيه"، وسط اتهامات ينفيها نظيره الإثيوبي بدعم عصابات تهاجم تلك الأراضي، ومفاوضات ترسيم لا تزال "متعثرة".
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية الإثيوبية أعلنت، في بيان، قبل أيام "استعدادها لقبول وساطة من أجل تسوية النزاع الحدودي، بمجرد إخلاء الخرطوم جيشها من المنطقة التي احتلتها بالقوة".