كشف موقع Politico الأمريكي الخميس 18 فبراير/شباط 2021 عن نقاشات قد اندلعت بين كبار المساعدين داخل إدارة بايدن حول ما إذا كانت فكرة عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الإيراني هي الطريق الأمثل أم ما إذا كان ينبغي اتباع طرق أخرى، ربما تكون أكثر تعقيداً، بحيث تتجنب العودة إلى الصفقة الأصلية بشروطها السابقة، وفقاً لخمسة أشخاص مطلعين على المناقشات.
هل سيعود بايدن للاتفاق النووي الإيراني الأصلي؟
في غضون ذلك، يشعر مؤيدو اتفاق 2015 بالقلق من أن بايدن لا يبدو في عجلة من أمره للعودة إلى الاتفاق الأصلي. ويخشى هؤلاء أن تفضي وتيرة بايدن الحذرة إلى تأخير تلك العودة بدرجة كبيرة، ومن ثم السماح لمعارضي الصفقة، ومنهم شخصيات ديمقراطية بارزة إلى جانب السياسيين الإيرانيين الذين يتطلعون إلى موقف يكفل لهم وضعاً أفضل في الانتخابات القادمة، بتشكيل المفاوضات المزمعة.
ومع ذلك فإن ثمة مخاوف في الوقت نفسه، بشأن مساعي إيران المستمرة للضغط على بايدن للتحرك بسرعة والدفع بشرط رفع العقوبات كجزء من العودة إلى الاتفاق الأصلي، وتشمل أحدث حيل إيران في هذا السياق: القرار الأخير بفرض الأسبوع المقبل موعداً نهائياً لرفع العقوبات، وإلا التخلي عن أحد أبرز بنود الاتفاق النووي وحظر عمليات التفتيش المفاجئة (بعد وقت قصير من الإخطار بها) التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحسب موقع Politico.
وتعليقاً على قرار الخارجية الأمريكية بقبول دعوة متوقعة من الاتحاد الأوروبي بشأن الاجتماع مع إيران، وصف مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية احتمال لقاء الإيرانيين وجهاً لوجه بأنه "خطوة" للأمام أكثر من كونه اختراقاً أو تغييراً نوعياً للموقف الحالي.
وفي العموم تشير التطورات الجارية حتى الآن إلى أن العودة الكاملة إلى الصفقة الأصلية ربما يكون طريقها مفاوضاتٍ طويلة الأمد وأكثر التباساً مما توقعه عديد من المراقبين، وذلك في حال وقعت من الأصل.
موقع Politico تحدث إلى داريل كيمبال، المدير التنفيذي لـ"رابطة الحد من انتشار الأسلحة" الأمريكية غير الحكومية، الذي حذر من أن "هناك حالياً فرصة سانحة غير أنها لن تدوم"، وأشار إلى أن "بطء وتيرة المداولات من جانب الولايات المتحدة يعرّض للخطر هدف بايدن المعلن، وهو العودة إلى الاتفاقية والبناء على خطة العمل الشاملة المشتركة".
ومع ذلك أشار كيمبال، نقلاً عن أحد المصادر المطلعة على المناقشات، إلى أن هناك "الكثير من الآراء المختلفة حيال الأمر" داخل الإدارة، وأضاف أنه "يعتقد أن هناك نزوعاً للعودة إلى الصفقة، لكن تلك العودة ليست قراراً محسوماً بعد".
وعلى المنوال ذاته، أضاف أحد مساعدي الحزب الديمقراطي في الكابيتول: "لا أستشعر أن لديهم جدولاً زمنياً محدداً، كما لو أنه ليس لديهم تواريخ ومواعيد محددة" لإعادة الدخول في الاتفاق.
سيناريوهات متوقعة لاتفاق واشنطن وطهران
تقرير الموقع يقول إن التلخيص الأبرز لطبيعة النقاشات الجارية داخل الإدارة حول الخطوات التالية يمكن اختصاره تحت عنوان مفاده: هل الهدف العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي أولاً أم السعي إلى اتفاق أوسع نطاقاً منذ البداية؟ والاتفاق الأوسع نطاقاً المقصود هنا يمكن أن يشمل جوانب لا تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، مثل فرض قيود على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وتضمين بنودٍ تستمر فترةً أطول من تلك المقررة في الاتفاق الأصلي، أو حتى تكون دائمة.
في كلتا الحالتين، فإن أحد الخيارات المطروحة على الطاولة هو التوصل إلى نوع من الاتفاق المؤقت الذي يمكن الاستناد إليه لإعادة بناء الثقة بين الجانبين، بحسب التقرير.
ومع ذلك، قال أشخاص مطلعون على المناقشات إن ذلك الاتفاق المؤقت لن يبدو بالضرورة مثل الاتفاقية الأصلية إذ قد يشمل منح إيران بعض التخفيف لعقوبات محددة- مثل السماح بمبيعات النفط- وذلك مقابل وقف طهران لبعض الخطوات التي قامت بها منذ انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق، مثل قرارها باستئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% التي تتخطى المعدل المنصوص عليه في الاتفاق.
في المقابل أصر مسؤول كبير في إدارة بايدن على أن النقاشات بشأن الهدف الموضوع قد حُسمت بالفعل وقال المسؤول إن الهدف المتفق عليه هو العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي إذا عادت إيران إلى الالتزام به، غير أنه أشار إلى أن الخطوات المحددة التي يجب اتخاذها لتحقيق هذا الهدف وبأي وتيرة- هي التي لا تزال موضع نقاش وجدال.
أولوية لإدارة بايدن
من جهة أخرى، أبدى الأشخاص المطلعون على المناقشات عدم معرفتهم أو رفضوا الإفصاح عن هوية مساعدي بايدن المعنيين بمناقشة تلك التحركات والخطوات، وشدَّد بعضهم على أن الإدارة ما تزال حديثة العهد بعد، إذ لم يمر عليها سوى شهر واحد، وأنها ما تزال تعمل على ملء المناصب الرئيسية في وزارة الخارجية والبيت الأبيض وغيرها من المناصب ذات الصلة بالمناقشات الخاصة بإيران والتعامل معها.
ومع ذلك أشارت ثلاثة مصادر من هؤلاء الذين تحدث إليهم موقع Politico، إلى أن بريت ماكغورك، وهو مسؤول بارز في مجلس الأمن القومي فيما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط، هو من بين الأصوات الأكثر تشدداً حيال إيران، وأن مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، يمل أحياناً إلى اتخاذ مواقف أكثر تشدداً من زملائه في المناقشات.
كما قال أشخاص مطلعون على المناقشات إن كلا المسؤولين قد يكونا أكثر ميلاً إلى الدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق أوسع نطاقاً على الفور، بدلاً من محاولة إحياء اتفاق 2015. ومع ذلك، أعلن سوليفان مؤخراً أن احتواء البرنامج النووي الإيراني [ووقف خطوات التصعيد الإيرانية] يشكّل "أولوية حرجة ومبكرة" للإدارة، ما يشير إلى أن هناك حرصاً مبدئياً على حل الأزمة.
على الجانب الآخر، يُوصف روب مالي، مبعوث بايدن الخاص للمحادثات الإيرانية، بأنه المؤيد الأبرز للعودة إلى الاتفاق النووي الأصلي. وعلى الأرجح، تشمل قائمة المؤيدين له في هذا الموقف جيف بريسكوت، وهو مسؤول بارز في البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة. فيما قال أشخاص مطلعون على المفاوضات إنهم لم يتبينوا على وجه التحديد من موقف وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن.
ولم يدل متحدث باسم مجلس الأمن القومي بأي تعليق، كما لم يعلق متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية على الفور على المعلومات الواردة في التقرير.
وتأتي كل تلك المناقشات على المستوى الداخلي، فيما على المستوى الخارجي أوردت شبكة VOA الأمريكية، نقلاً عن وكالة Reuters، أن إدارة بايدن أبلغت إسرائيل مسبقاً أنها تعتزم الإعلان يوم الخميس 18 فبراير/شباط عن عزمها إلغاء التأكيد السابق لإدارة ترامب بإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول، وعن نيتها التحدث مع إيران بشأن عودة واشنطن وطهران إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
كما أشار تقرير Politico إلى أن روب مالي، مبعوث بايدن للتفاوض مع إيران، كان على اتصال أيضاً بممثلين عن إسرائيل ودول عربية. وكانت إسرائيل وبعض الشركاء العرب الرئيسيين للولايات المتحدة قد عارضوا اتفاق عام 2015، وطلبوا من واشنطن التشاور معهم أو حتى منحهم مقعداً إلى طاولة المفاوضات المستقبلية مع إيران.