قالت صحيفة The Independent البريطانية، إن المتظاهرين عادوا إلى شوارع ميانمار لليوم الخامس على التوالي لمعارضة الانقلاب العسكري الذي تشهده البلاد، فيما ظهروا بأشكال متميزة هذه المرة، إذ اختار كثير منهم ارتداء أزياء خاصة بشخصيات خيالية ورفعَ لافتات جريئة للفت الانتباه إلى محنتهم.
احتجاجات من نوع آخر!
الصحيفة قالت إن المتظاهرين اختاروا في يومهم الخامس من المظاهرات البعد عن الكآبة واللجوء إلى الدعابة لجذب اهتمام العالم إلى الاحتجاجات، ومن ثم جاءت المظاهرات في جو يشبه المهرجات الاحتفالية تقريباً، يوم الأربعاء 10 فبراير/شباط، وسط نساء يرتدين العباءات الملونة وفساتين الزفاف، ولاعبي كمال أجسام عراة الصدور، ومزارعين بجراراتهم، وأشخاص يصطحبون حيواناتهم الأليفة.
إلى جانب ذلك، أقام بضع عشرات طابوراً للاحتجاج في صفٍّ من أحواض السباحة المنفوخة متعددة الألوان خارج السفارة اليابانية في العاصمة التجارية يانغون، في محاولة لإظهار نياتهم السلمية، بعد أعنف يوم تشهده البلاد منذ الانقلاب العسكري الذي وقع الأسبوع الماضي.
أكبر احتجاج منذ "ثورة الزعفران"
في حين شارك آلاف في مظاهرات يانغون الاحتجاجية، تظاهر مئات من موظفي الحكومة في العاصمة نايبيداو، دعماً لحملةِ العصيان المدني المتصاعدة في البلاد، وبحسب الصحيفة البريطانية فإن تلك الاحتجاجات هي الأكبر في الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا منذ "ثورة الزعفران" التي قادها الرهبان البوذيون في عام 2007، اعتراضاً على الحكم العسكري أيضاً.
ساعدت تلك المظاهرات التي اندلعت منذ أكثر من عقد من الزمان في دفع الإصلاحات الديمقراطية، التي أفضت إلى نشوء هذا الجيل الشاب من المحتجين في ميانمار، في ظل أجواء أكثر حرية وسبلِ وصول أفضل إلى الإنترنت، على خلاف الأجيال السابقة التي كانت معزولة عن العالم إلى حد كبير.
سخرية لنشر القضية
ونشراً لقضيتهم، يستغل شباب المحتجين تلك الوسائل لعرض الميمات ونكات السخرية الشعبية على شبكة الإنترنت، ويأتي كثير منها مكتوباً باللغة الإنجليزية، وتضمنت بعض المنشورات الذكية، المحمّلة باستنكار الذات وسيلةً لتوجيه الانتقادات عباراتٍ مثل: "الديكتاتورية؟ لا! شكراً. أنا لا أريد حتى (علاقة)، واللعنة على الانقلاب العسكري، أنا ما زلت أعزب"، وأخرى تقول: "ما زلت لا أصدق أنني مضطرة إلى الاحتجاج في فستان الزفاف".
وسخر آخرون من الجيش، ومنهم شخص حمل لافتة عليها رسم لشخصية بارت سيمبسون الخيالية [من مسلسل "عائلة سيمبسون" The Simpsons الأمريكي] يوجّه فيها إلى العسكريين عبارته المتمردة الشهيرة والمحملة بالسخرية في الوقت نفسه: "eat my shorts"، وآخر أحال إلى أغنية المطربة الأمريكية أريانا غراندي، قائلاً: "الديكتاتورية؟؟ شكراً، سأختار التالي!!"
فيما خرج في المظاهرات كذلك ملكات جمال يرتدين فساتين السهرة، بالأوشحة والتيجان، ويحملن لافتات عليها رسائل تقليدية مثل "قاتلوا من أجل الديمقراطية"، و"نرجوكم، استمعوا إلى أصواتنا"، فيما استخدم بعض المتظاهرين إشارة الأصابع الثلاث [مع طي الإبهام والخنصر] المستمدة من سلسلة أفلام "مباريات الجوع" The Hunger Games الشهيرة.
كما اضطرت الحكومة المنقلبة إلى رفع حظرٍ استمر لمدة يوم على شبكة الإنترنت في عطلة نهاية الأسبوع، وذلك بعد أن أثار الحظر مزيداً من الغضب بين المحتجين، خاصة في بلد يخشى العودة إلى أوضاع العزلة وتفشي الفقر، الذي كانت عليه البلاد قبل الانتقال إلى الديمقراطية في عام 2011.
على الجانب الآخر، كانت التجمعات سلمية في معظمها، على خلاف القمع الدموي الذي شهدته البلاد خلال الاحتجاجات واسعة النطاق السابقة في عامي 1988 و2007، غير أنها بلا شك ستحيي ذكريات ما يقرب من نصف قرن من الحكم العسكري المباشر، والانتفاضات التي اشتعلت في البلاد، حتى بدأ الجيش في التخلي عن بعض سلطاته منذ عقد من الزمن.
ومع ذلك، فقد تصاعدت توترات خلال الاحتجاجات التي شهدتها مدن ماندالاي ونايبيداو، يوم الثلاثاء 9 فبراير/شباط، حيث استخدمت شرطة مكافحة الشغب خراطيم المياه وأطلقت أعيرة نارية لتفريق الحشود، وشوهد بعض المتظاهرين يرشقون قوات الشرطة بالحجارة والزجاجات الفارغة.
وفي هذا السياق، باتت امرأة شابة أولَ ضحية معروفة في تلك الاحتجاجات، بعد أن أطلقوا النار على رأسها، بما يُعتقد أنه ذخيرة حية أثناء التظاهر في نايبيداو. كما سقط شاب يبلغ من العمر 19 عاماً، وهو يكافح الآن للبقاء حياً في المستشفى.
كانت الاحتجاجات قد اندلعت بعد أن أطاح الجيش بحكومة أونغ سان سو تشي، في 1 فبراير/شباط، زاعماً أن انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، التي فاز بها حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" بأغلبية ساحقة، شهدت بعض المخالفات والتزوير.
ويطالب المتظاهرون بإعادة السلطة إلى حكومة أونغ سان سو تشي المخلوعة من منصبها.
انقلاب ميانمار
استولى جيش ميانمار على السلطة، الإثنين 1 فبراير/شباط 2021، في انقلاب على حكومة زعيمة البلاد أونج سان سو، التي اعتُقلت إلى جانب قادة آخرين من حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية، خلال مداهمات حدثت في الساعات الأولى من الصباح.
وبرَّر الجيش الاستيلاء على السلطة بالادعاء على نطاق واسع بتزوير أصوات الناخبين خلال الانتخابات العامة، التي أُجريت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وجاء انقلاب ميانمار بالتزامن مع أول جلسة مقررة لمجلس النواب المنبثق عن الانتخابات التشريعية الأخيرة، هي الثانية التي تجري منذ انتهاء الحكم العسكري عام 2011.وبعد توليه السلطة، أعلن الجيش حالة الطوارئ، وسلم السيطرة على البلاد إلى القائد العام للقوات المسلحة مين أونغ هلاينغ، الذي أعلن أعضاء حكومته الجدد في وقت متأخر من يوم الإثنين، ووعد بإجراء انتخابات في غضون عام، فيما قوبل استيلاء الجيش على السلطة بإدانات دولية، ومطالبات بالإفراج عن المعتقلين