تشهد الساحة الفلسطينية حراكاً سياسياً متسارعاً، في ذروة التحضيرات الجارية لإجراء الانتخابات الشاملة التي ستشهدها الأراضي الفلسطينية خلال هذا العام، والتي ستكون بمثابة نقطة تحول في الكثير من القضايا، على مستوى ترتيب البيت الداخلي، وما سيترتب عليه من نتائج على مستوى الإقليم.
وسط ذلك بدأ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، اليوم الخميس، زيارةً هي الأولى من نوعها للمرشح المحتمل لرئاسة السلطة مروان البرغوثي في سجن "هداريم" الإسرائيلي، لإقناعه بالعدول عن قرار المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
عرض الشيخ على البرغوثي التوافق مع اللجنة المركزية على قائمة فتح الرسمية للانتخابات، وانتظار قرارها النهائي دون الخروج بقائمة منفصلة، أو أن يشترط البرغوثي ترؤس القائمة، أو يضع فيتو على بعض المرشحين في ضوء حالة الاستقطاب الحادة داخل الحركة من جهة، ووجود مخاوف لدى اللجان المركزية بأن هناك أطرافاً فلسطينية تسعى للتحالف مع البرغوثي، بعيداً عن موقف الرئيس، في إشارة إلى القيادي في حركة فتح محمد دحلان.
أبدى الشيخ تخوفه من أن يشكل البرغوثي كوتة أو تياراً منفصلاً داخل كتلة فتح البرلمانية، لأنها قد تشكل مصدر إرباك لكتلة فتح في المستقبل، الأمر الذي ردّ عليه البرغوثي بأنه سيكون وفياً للحركة ولن يعمل على شقها، ولكن على أن ياخذ الرئيس بعين الاعتبار كافة التوجهات داخل حركة فتح.
وقد لمّح حسين للبرغوثي بعدم الذهاب إلى أي تحالفات أخرى قد تضر بسمعته الوطنية، في إشارة مجدداً لـ"دحلان"
تأتي أهمية هذا اللقاء في توقيته، فهو ينعقد بعد يوم واحد فقط من انقضاء اجتماع الفصائل الفلسطينية الذي احتضنته القاهرة على مدار يومين كاملين، فيما يأتي قبل يومين من الاجتماع الهام للجنة المركزية لحركة فتح، الذي سيحدد موقفها من الكثير من القضايا التي جرى تناولها في اجتماع القاهرة، ومن بينها مسألة المشاركة في الانتخابات، والأسس التي ستختارها الحركة لاختيار أسماء مرشحيها لخوض سباق الانتخابات وشكل التحالفات بين الفصائل والقوى السياسية.
من المبكر حسم موقف البرغوثي
فدوى البرغوثي، زوجة الأسير البرغوثي، قالت لـ"عربي بوست" إنه "لا حديث الآن عن أي نتائج بشأن مستقبل مشاركة مروان في الانتخابات، نحن ننتظر ما يحمله حسين الشيخ لمروان من رسائل، وبعدها سيقرر مروان موقفه النهائي من شكل المشاركة في الانتخابات القادمة".
ورفضت فدوى الإجابة عن سؤال "عربي بوست" عن موقف مروان من الاستمرار في خوض سباق الرئاسة بقائمة مستقلة، أو مشاركته في قائمة حركة فتح، بقولها إن "الأمر لا يزال مبكراً للبتّ في هذه القضية".
قيادي في حركة فتح، على اطّلاع على زيارة الشيخ للبرغوثي قال لـ"عربي بوست"، مخفياً هويته، إن "الزيارة لا تتعلق بوجود البرغوثي في مكان متقدم في قائمة حركة فتح لخوض سباق الانتخابات التشريعية، لأن هذا الأمر محسوم بالنسبة للرجل، الذي يرى أنه الأحق في ترؤس قائمة الحركة، كونه الحاصل على أعلى نسبة أصوات في اللجنة المركزية، وهو يرى أن وجوده على رأس القائمة من شأنه دعم الحركة، لامتلاكه قاعدةً شعبيةً واسعةً وأنصاراً من التيارات والفصائل الفلسطينية الأخرى".
وأضاف أن "البرغوثي أبلغ المقربين بأنه يريد اطّلاعاً شاملاً على كل الجهود التي بذلتها حركة فتح والفصائل الفلسطينية لخوض الانتخابات القادمة، كما أنه يطالب بأن يكون له حق الفيتو بقبول أو رفض كل الأسماء التي تتضمنها قائمة الحركة الرسمية ومواقع هذه الأسماء".
تعد هذه الشروط بمثابة شروط تعجيزية بالنسبة للرئيس محمود عباس، الذي يرى أن دخول البرغوثي بقوة في تحديد شروط الحركة يتجاوز صلاحياته كقائد لها، وانصياعه لهذه الشروط سوف يتسبب في انشقاق أكبر داخل تيارات الحركة، الأمر الذي من شأنه أن يدفع الرئيس لإعادة النظر في مسألة الانتخابات من عدمها إلى حين ترتيب البيت الفتحاوي.
نقف مع الرئيس ونمد أيدينا للوحدة
وزير شؤون القدس السابق حاتم عبدالقادر، المقرب من البرغوثي، قال لـ"عربي بوست" إننا نقف مع "الرئيس عباس كونه يمثل الشرعية الفلسطينية، ونمد أيدينا للوحدة، سواء في الوحدة التنظيمية أو الانتخابات القادمة، لكن ذلك يتوقف عند الشروط التي ستُحددها اللجنة المركزية لاختيار ممثليها في حال شملت أبناء الحركة، وكافة تياراتها، أو خضعت لإقصاء لأسماء محددة، حينها سيكون لنا موقف آخر".
عبدالله عبدالله، عضو المجلس الثوري لحركة فتح والمقرب من رئيس السلطة، قال لـ"عربي بوست"، إن "البرغوثي أحد أعمدة الحركة، ولا يمكن القفز عن مشورته في أي قرارات حاسمة تصدرها الحركة، لذلك تأتي الزيارة لإطلاعه على آخر التطورات، والسماع لوجهة نظره في مسألة الانتخابات، ونحن نرى أن وجوده ضمن قائمة الحركة سيدعم موقفها، لكن ليس بالضرورة أن يكون على رأس القائمة، كون هذا الأمر خاضعاً للنقاش، وستقرره اللجنة المركزية".
وأضاف أنه "لا أحد يمتلك الحق في رفض مرشح تنطبق عليه شروط الترشح، والبرغوثي لا يزال في الأسر، وفي حال شعرت الحركة بحاجته ليكون ضمن قائمة الحركة ستدعم قراره".
تعكس هذه المواقف حالة الاستقطاب التي تشهدها حركة فتح بشأن مسألة الانتخابات القادمة، فهي تخشى أن يؤثر قرار البرغوثي الدخول في سباق الانتخابات على كسر وحدة صفوفها أمام المنافسين التقليدين في هذه الانتخابات.
خشية من تحالف البرغوثي ودحلان
أحد السيناريوهات التي تخشاها فتح أن يتشكل تحالف البرغوثي ومحمد دحلان، نتيجة سياسات الإقصاء والعقوبات التي مارسها عباس بحق معارضيه.
ديمتري دلياني، عضو المجلس التشريعي السابق عن التيار الإصلاحي بقيادة دحلان، قال لـ"عربي بوست" إن "التيار لا يزال على موقفه بشأن وحدة حركة فتح، يرى أن سياسة الإقصاء التي مارسها الرئيس بحق معارضيه أدت إلى وصول الحركة إلى هذه المرحلة من التشرذم والتفرقة، والبرغوثي هو أحد أبرز القادة التاريخيين للحركة، ونرى أنه يستحق أن ندعمه في حال قرر خوض سباق الانتخابات بشكل مستقل، سواء في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية".
مع العلم أن عباس أصدر مرسومه لإجراء الانتخابات، بعد أن تلقى ضمانات من حركة حماس بدعمه في سباق الانتخابات الرئاسية، وهو ما أكده نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري في حديثه لقناة الميادين، أمس الأربعاء.
إسرائيل من جهتها، أبدت موافقتها على الزيارة التاريخية التي أجراها حسين الشيخ للبرغوثي، المحكوم بالسجن 5 مؤبدات، والمعتقل منذ عام 2002 بتهمة قيادة كتائب شهداء الأقصى، الجناح المسلح لحركة فتح خلال الانتفاضة الثانية.
سعيد بشارات، رئيس تحرير شبكة الهدهد للشؤون الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست"، إن "الموقف الإسرائيلي واضح بشأن الانتخابات الفلسطينية، فهي ترى أن أبو مازن، رغم مواقفه السابقة، هو الشخصية الأفضل لها مقارنة بالبرغوثي، لذلك فقد سعت إلى تنظيم هذه الزيارة من حسين الشيخ للبرغوثي داخل معتقله".
وإن إسرائيل لا ترغب في أن يقوم البرغوثي بإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية، كونه معتقلاً بتهم تتعلق بقتل جنود ومستوطنين إسرائيليين، كما أنها تخشى من تدويل قضيته كونه مرشحاً رئاسياً لا يزال معتقلاً، لذلك فإن إحدى النقاط التي تمتلكها السلطة في مواجهة البرغوثي هي إفشال إسرائيل إجراء الانتخابات الرئاسية".