اتهم 6 خبراء أمميين، الخميس 11 فبراير/شباط 2021، الحكومة المصرية بما وصفوه بالإساءة الممنهجة لقانون مكافحة الإرهاب، بغية التضييق على العاملين في مجال حقوق الإنسان، مُعربين عن انزعاجهم الشديد بشأن قانون مكافحة الإرهاب في مصر وتعريفاته وإساءة استخدامه من قِبل السلطات لمهاجمة العاملين بمجال حقوق الإنسان، فيما يُحذّر حقوقيون من تداعيات "مرعبة"، لتدهور أوضاع حقوق الإنسان بالبلاد.
حيث عبّر الخبراء الأمميون، في بيان مشترك، عن بالغ قلقهم إزاء تداعيات إدراج الناشطَين الحقوقيَّين رامي شعث وزياد العليمي في قائمة الإرهاب، دون دليل، من قِبل المدعي العام المصري في أبريل/نيسان 2020.
ورامي هو نجل وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق نبيل شعث، ويحمل الجنسية المصرية-الفلسطينية، وهو ناشط فاعل في "حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها" (دولية غير حكومية).
أما العليمي، فهو محامٍ وعضو برلمان مصري سابق، وأحد أبرز وجوه ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
وقبضت السلطات المصرية على شعث والعليمي، العام الماضي، على خلفية اتهامهما وآخرين في القضية المعروفة إعلامياً بـ"خلية الأمل"، ويواجهون فيها تهماً ينفونها، تشمل "نشر أخبار ومعلومات وبيانات كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد بقصد تكدير السلم العام وزعزعة الثقة بمؤسسات الدولة".
"تقويض الجهود الدولية لمنع الإرهاب"
الخبراء الأمميون الستة حثوا، في بيانهم، الحكومة المصرية على احترام التزاماتها تجاه إجراء محاكمات نزيهة، وضمان امتثال تدابير محاربة الإرهاب لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، لافتين إلى أن مواصلة "إساءة" استخدام قانون مكافحة الإرهاب من قِبل القاهرة لا تتوافق مع التزامات الدولة تجاه القانون الدولي، وتقوّض الجهود الدولية الأوسع لمنع الإرهاب، وفق قولهم.
ضمت قائمة الخبراء كلاً من: المقررة الخاصة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان فيونويلا ني أولين، ورئيس فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي "لي تومي"، و4 من أعضاء الفريق هم: إلينا ستاينيرتي، وميريام استرادا-كاستيللو، ومومبا ماليلا، وسيونغ-فيل هونغ.
يشار إلى أن المقررين الخاصين والخبراء المستقلين يعيّنهم مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وهو جهة حكومية دولية مسؤولة عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان حول العالم.
ويكلَّف المقررون والخبراء، بدراسة أوضاع حقوق الإنسان وتقديم تقارير عنها إلى مجلس حقوق الإنسان. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المنصب شرفي، فلا يعد أولئك الخبراء موظفين لدى الأمم المتحدة ولا يتقاضون أجراً عن عملهم.
وحتى الساعة الـ19.40 (ت.غ)، لم يصدر تعليق من القاهرة على بيان الخبراء الأمميين، غير أن القاهرة عادةً ما تنفي صحة الانتقادات الموجهة إلى سجلها الحقوقي، معتبرةً أن بعض المنظمات الحقوقية الدولية تروجها في إطار "حملة أكاذيب" ضدها.
100 منظمة حقوقية تطالب بمواجهة انتهاكات مصر
في السياق ذاته، حذّرت رسالة حقوقية بتوقيع أكثر من 100 منظمة حقوقية بارزة من شتى أنحاء العالم، الثلاثاء 9 فبراير/شباط 2021، وزراء الخارجية بمجلس حقوق الإنسان الأممي، من مساعي حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي لـ"القضاء" على حركة حقوق الإنسان في مصر، مطالبين الأمم المتحدة بضرورة اتخاذ إجراءات فعالة، من أجل رصد الانتهاكات وتوجيه رسالة قوية حول حالة حقوق الإنسان التي وصفوها بالمريعة.
إذ طالبت المنظمات الحكومات حول العالم بدعم وقيادة المطلب الخاص بتشكيل آلية رصد وإبلاغ أممية حول حالة حقوق الإنسان الآخذة في التدهور في مصر، وذلك قبل أيام من بداية الجلسة العادية الـ46 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والمقرر أن تبدأ في 22 فبراير/شباط 2021.
وشدّدت الرسالة على أن تشكيل آلية للرصد والإبلاغ في الأمم المتحدة بشأن الأوضاع في مصر يُعدّ خطوة مهمة نحو تسليط الضوء على الانتهاكات والجرائم المرتكبة، وتقديم سبل انتصاف للناجين وأهالي الضحايا، ودرء مزيد من الانتهاكات، وفتح مسارات نحو المحاسبة.
كما أكدت الرسالة الحقوقية أنه "لا يمكن أن نضمن نجاة حركة حقوق الإنسان المصرية في الفترة المقبلة إلا عبر تحرك مستمر ودؤوب، خاصةً أن نضال حقوق الإنسان في مصر وصل إلى مفترق طرق حرج، إذ أدى تقاعس شركاء مصر والدول أعضاء مجلس حقوق الإنسان عن التحرك، إلى مزيد من تشجيع الحكومة المصرية وجهودها لإسكات أي معارضة وتهشيم أوصال المجتمع المدني المستقل".
المنظمات الدولية لفتت إلى أنه منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي عن السلطة في يوليو/تموز 2013، شنت السلطات المصرية حملة قمعية تزداد قسوتها بحق المدافعين عن حقوق الإنسان وعلى الحقوق المدنية والسياسية، مؤكدين أن هناك آلاف المواطنين المصريين -بينهم مئات المدافعين عن الحقوق والصحفيين والأكاديميين والفنانين والساسة- تعرضوا للاحتجاز التعسفي، بناء على اتهامات جنائية متعسفة أو عبر محاكمات مجحفة في أغلب الحالات.
"عواقب مرعبة"
من جانبه، قال بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن الناس في مصر عاشوا بالماضي في ظل حكومات مستبدة، لكن المستويات الحالية من الاستبداد وصفها بأنها غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث. والعواقب ربما تكون برأيه مرعبة على حقوق الإنسان وعلى الاستقرار الإقليمي.
كذلك، دعا جون فيشر، مدير مكتب جنيف بمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، الحكومات في مجلس حقوق الإنسان إلى توجيه رسالة، قال إنها تأخرت كثيراً، إلى الحكومة المصرية، بأن "الانتهاكات تخضع وستخضع للرصد والإبلاغ، وأن المصريين الشجعان الذين يواجهون الاضطهاد كل يوم ليسوا وحدهم في نضالهم".
جدير بالذكر أن الملف الحقوقي المصري يشهد انتقادات دولية من قِبل جهات مختلفة من فترة لأخرى، إلا أن تلك الانتقادات تصاعدت خلال الفترة الماضية.
وتقول منظمات حقوقية محلية ودولية، إن مصر في ظل حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي تشهد أسوأ أزمة حقوقية منذ عقود، حيث اعتقلت السلطات عشرات الآلاف من المعارضين السلميين، ويرتكب عناصر الأمن روتينياً انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، من ضمنها التعذيب والإخفاء القسري والإعدامات خارج نطاق القضاء، في ظل إفلات شبه تام من العقاب.
وتصف المنظمات الحقوقية ظروف الاحتجاز بالمروّعة والتي أدت إلى وفاة مئات السجناء، ومن ضمنهم معتقلون سياسيون، في الاحتجاز بسبب ما وصفوه بالإهمال الطلي المتعمد، بسبب نقص أو انعدام الرعاية الصحية، وكان من بينهم الرئيس الراحل محمد مرسي.