كشفت صحيفة The Times البريطانية، الإثنين 8 فبراير/شباط 2021، نقلاً عن مسؤول أمني بريطاني كبير، أن بلاده شنّت حملة إلكترونية سرية للتشويش على طائرات مسيّرة تابعة لتنظيم الدولة "داعش" ولمنع مقاتليه من التواصل أثناء المعارك.
هجمات إلكترونية بريطانية للتشويش على أنشطة داعش
جيريمي فليمينغ، مدير وكالة مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية (GCHQ) الاستخباراتية، كشف في برنامج البودكاست The Grey Zone، الذي تبثه شبكة Sky News، أن بريطانيا قد نفذت هجمات إلكترونية لإحباط أنشطة التنظيم في سوريا وحتى الآن، لم تقر الوكالة الحكومية باستخدام تلك التكتيكات إلا لاستهداف دعاية داعش.
أضاف فليمينغ: "لقد جربنا بعض التقنيات الأولية لقطع الطريق أمام استخدام داعش لبعض تقنيات الطائرات المسيّرة الأساسية، والتي كانت تسبب لنا مشكلة. واستخدمنا التقنيات السيبرية للتأثير في طريقة عمل تلك الطائرات المسيّرة".
كما قطع مسؤولو الأمن اتصالات أعضاء التنظيم عبر الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، وقال الجنرال باتريك ساندرز، رئيس القيادة الاستراتيجية بالجيش البريطاني، للبودكاست: "أردنا التأكد من أنهم إذا حاولوا تنسيق هجمات على قواتنا، فإن أجهزتهم لن تعمل، وعملنا على ألا يعد بإمكانهم الثقة بالأوامر القادمة لهم".
كما أضاف ساندرز: "أردنا خداعهم وتضليلهم، وجعلهم أقل فاعلية، وأقل تماسكاً، وتقويض معنوياتهم. لكن بالطبع لا يمكنك فعل ذلك على مستوى الفضاء الإلكتروني فحسب، عليك تنسيق ذلك ودمجه مع الأنشطة الجارية على الأرض".
من جهته، لفت فليمينغ إلى أن التشويش على اتصالات داعش أعطى القادة العسكريين "عنصر المفاجأة"، كما أوضح أن تلك التكتيكات خرّبت دعاية التنظيم، ودمّرت بياناته وحجَبتها على وسائل التواصل الاجتماعي. واستشهد فليمينغ بالانخفاض الحاد لعدد مقاطع الفيديو العنيفة لداعش عبر الإنترنت، قائلاً: "لقد منعنا دعايتهم، سواء أكان من خلال الإجراءات المادية في ساحة المعركة، وأيضاً عبر سبل التواصل عن بعد… علاوة على تدمير الأماكن التي خزنوا فيها موادهم".
يُذكر أن التكتيكات الجديدة أفضت إلى إنشاء "القوة السيبرية البريطانية" (NCF) العام الماضي، وهي مبادرة مشتركة بين وكالة "الاتصالات الحكومية البريطانية" (GCHQ) وجهاز الاستخبارات البريطاني "إم آي 6" (MI6). وهناك مجموعة من الحملات الأخرى التي تهدف إلى ردع دول مثل روسيا والصين.
ومع ذلك، لم يؤكد فليمينغ استخدام بريطانيا لتكتيكات سيبرانية هجومية ضد أي دولة أخرى، غير أنه قال إنها "متاحة للحكومات لاستخدامها في هذا السياق".
كما أشار فليمينغ إلى أن تلك القدرات يمكن استخدامها "لمواجهة حملات التضليل وبث المعلومات المزيفة، والعمل ضد عصابات الجريمة المنظمة". وكذلك يمكن الاستعانة بها لاستهداف عصابات الجريمة الإلكترونية وبرامج الفدية التي تمنع الوصول إلى البيانات حتى دفع فدية معينة.
داعش في سوريا
في عام 2015، أطيح بـ"داعش" من على عرش قوته، بعدما كان في وضع هجومي على جبهات عدة ومسيطراً على شبه دولة مسلحة تمتد على مساحات شاسعة من العراق وسوريا. وفي مواجهة حملة عسكرية ساحقة شنتها مجموعة من خصومه المحليين والدوليين، فقد "داعش" آخر مناطق سيطرته في العراق عام 2017، وفي سوريا في أوائل عام 2019. لكن في كلا البلدين، استطاع التنظيم الصمود بالتحول من الحرب شبه التقليدية إلى شن هجمات متمردة بأسلوب الكر والفر.
هناك شكوك أمريكية حول قدرة داعش على استمرار نشاطه في سوريا والعراق، وتُشير تقارير لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في أغسطس/آب 2018، إلى أن "داعش" لا يزال يحتفظ بما لا يقل عن 30 ألف مقاتل في سوريا والعراق.
إلاّ أن بعض الأرقام الصادرة عن مسؤولين أمريكيين في مكافحة الإرهاب أفادت بأن التنظيم يحتفظ بما لا يقل عن 14 ألف مقاتل في العراق وسوريا، بعد فقدانه منطقة الباغوز بريف دير الزور قرب الحدود السورية مع العراق، في مارس/آذار 2019.
بينما تشير أرقام أخرى إلى ما يزيد على 18 ألف مقاتل، بعد أشهر قليلة من خسارة التنظيم لتلك المنطقة، وهي آخر مناطق سيطرته في العراق وسوريا، بعد أحداث الموصل 2014.
وكجزءٍ من استراتيجياته، يعمل التنظيم على إعادة بناء مجموعاته القتالية في شرق نهر الفرات وغربه في سوريا، وفي المناطق الصحراوية والجبلية في غرب وشمال غرب العراق.
وتحاول القوات الأمنية العراقية وفصائل الحشد الشعبي فرض السيطرة الأمنية على جانبي الحدود العراقية السورية، لحرمان التنظيم من التسلل بالاتجاهين، ومنع تواصل مجموعاته القتالية بين العراق وسوريا، في مناطق الجزيرة شمال نهر الفرات وصحراء البادية جنوب النهر، وصولاً إلى المثلث العراقي الأردني السوري.
ووفقاً لسلسلة من العمليات، التي تُعلن عنها القوات الأمنية أو أخرى تُعلن عنها مواقع مقربة من التنظيم وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن القول إن معظم نشاطات التنظيم تركزت، خلال الأشهر الأولى من هذا العام، في محافظات ديالى وكركوك والأنبار ونينوى وصلاح الدين العراقية.