التوغل الإسرائيلي وملف الصحراء يوقظانها من سباتها.. هل تستعيد الجزائر نفوذاً إفريقياً أضاعه بوتفليقة

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/03 الساعة 19:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/04 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش

تعمل الجزائر على إعادة تقوية مكانتها الإفريقية، بعد تجميد معنوي دام لسنوات خلال فترة حكم عبدالعزيز بوتفليقة، إذ قاد وزير الشؤون الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، جولة إفريقية، في إطار الجهود لعودة الجزائر إلى المشهد العام في القارة.

التوجه الجزائري الأخير وإن كان في ظاهره تمتين العلاقات، وتطوير التبادل التجاري، فإن باطنه حسب متابعين هو رصد للمواقف ومحاولة كسب الدعم في بعض القضايا الإقليمية، بعدما أحست الجزائر بأنها باتت مهددة بفقدان دورها الريادي في المنطقة.

تحركات الخارجية

أصبح الموقع الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية يعج بالبيانات التفصيلية للزيارات التي قام بها الوزير صبري بوقادوم إلى عدد من الدول الإفريقية مع بداية 2021.

واختارت الدبلوماسية الجزائرية أن تبدأ عودتها إلى العمق الإفريقي من جنوب إفريقيا، التي تتفق مع الجزائر في عديد من المواقف والاستراتيجيات، إذ التقى الوزير وفق بيانات وزارة الخارجية الجزائرية مع نظيرته، كما استقبل من قبل السلطات العليا بهدف إجراء تقييم معمق للتعاون الثنائي في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية.

أيضاً، قام وزير الخارجية الجزائري بزيارات لعدد من البلدان الإفريقية بكل من كينيا، والكونغو، وجمهورية لوسوطو، وأونغولا والسودان وفق بيانات الوزارة، قبل أن يختتم هذه الزيارات من العاصمة الليبية طرابلس، ولقائه مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج.

جولة وزير الخارجية الجزائري الإفريقية تحمل دلالات كبيرة حسب الخبير الأمني والمحلل السياسي الجزائري مراد سراي، الذي قال لـ"عربي بوست": "تأتي بعد أيام قليلة زيارة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دايفيد شينكر إلى كل من الجزائر والمغرب، وزار خلالها مدينة الداخلة".

لقاء الوفد الليبي مع وزير الخارجية الجزائري صابر بوقدام (مواقع التواصل الاجتماعي)
لقاء الوفد الليبي مع وزير الخارجية الجزائري صابر بوقدام (مواقع التواصل الاجتماعي)

"العودة" إلى إفريقيا

من الرسائل المهمة التي صاحبت تصريحات الوزير الجزائري خلال جولته الإفريقية، تأكيد دعوة الجزائر إلى إنهاء ما سمته "ظلماً تاريخياً" بحق القارة الإفريقية داخل مجلس الأمن الدولي، وذلك بمنحها مقعدين دائمين.

وجاء ذلك خلال مشاركة وزير الخارجية صبري بوقادوم، في اجتماع وزاري للجنة الاتحاد الإفريقي المكلفة بملف إصلاح مجلس الأمن الأممي، الذي انعقد في 26 يناير/كانون الثاني 2021.

وحسب الوزير، فإن مطالب القارة السمراء تتمثل في منحها مقعدين دائمين ورفع تمثيلها في فئة المقاعد غير الدائمة بمجلس الأمن، وضرورة إصلاح أساليب عمل المجلس.

رسالة وزير الخارجية الجزائرية لمجلس الأمن الأممي بحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر جلول لعقون "شجاعة قوية، وتؤكد الرغبة الكبيرة للجزائر في العودة إلى المحافل الإفريقية والدولية بقوة".

وقال المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "رسالة بوقادوم تُعد الرسالة الأوضح في مساعي الجزائر لتسيد القارة الإفريقية، ببعث رسائل تعكس مجهودات الجزائر في حماية القارة وشعوبها من ظلم المجتمع الدولي".

عودة دبلوماسية للجزائر

يرى متابعون أن الزيارة الأخيرة لوزير الشؤون الخارجية الجزائري، صابري بوقادوم إلى عدد من الدول الإفريقية، هي محاولة إعادة البريق إلى الدبلوماسية الجزائرية التي أفل دورها مؤخراً.

ويعتبر جلول لعقون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن "الجولة الأخيرة لبوقادوم، بمثابة باب العودة إلى المشهد العام الإفريقي، الذي غابت عنه لسنوات بسبب توجه الساسة سابقاً".

وفي تصريح لـ"عربي بوست" قال لعقون "إن الدبلوماسية الجزائرية أيقنت أنها بدأت تفقد أدوارها التي كانت الريادية في وقت سابق، خاصة في حل النزاعات والوساطات والتأثير على الاتحاد الإفريقي مستغلة القوة الدبلوماسية، ورصانة الموقع والجغرافيا".

وأضاف المتحدث أن "الجولة الأخيرة لبوقادوم، هي بمثابة استدراك لما ضاع خلال العشرين سنة الماضية، والتي كانت فيها السلطة تتوجه نحو أوروبا والخليج متناسية دورها المهم في إفريقيا".

الناشط السياسي الجزائري عبدالله حداد بدوره، ثمّن العودة الأخيرة للجزائر إلى العمق الإفريقي، واعتبرها فرصة لاستعادة مجد الدبلوماسية الجزائرية لبسط سيادتها على القارة

من جهته، قال الناشط السياسي الجزائري عبدالله حداد في تصريح لـ"عربي بوست" إن "أولى أولويات السلطة الراهنة في الجزائر بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، هي لعب دور أساسي في صناعة المشهد، والتأثير في القرارات والعمل على التوغل الكبير في السوق الإفريقية، بعدما أدركت أن مستقبل الجزائر هناك، رغم العودة المتأخرة".

قاد الجزائريون حراكا شعبيا أطاح بنظام بوتفليقة (أرشيف)
قاد الجزائريون حراكا شعبيا أطاح بنظام بوتفليقة (أرشيف)

بوتفليقة أضاع إفريقيا

تحاول الجزائر إعادة أمجادها بالقارة السمراء بسبب سياسة الحكم التي امتدت لعشرين سنة كاملة بقيادة الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.

وكان توجه الجزائر حسب جلول لعقون إلى القارة الأوروبية، وبالتحديد فرنسا، كذلك بعض دول الخليج، متناسية دورها المهم في صناعة القرار الإفريقي.

وأضاف المتحدث أن "الجزائر في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة فتحت أبواب القارة لفرنسا، التي أكلت منها الأخضر واليابس وأغرقتها في الصراعات، ونمت بها اقتصادها".

وأشار المتحدث إلى أن "الجزائر على مدى العشرين عاماً ساعدت دول الخليج في اقتحام الاستثمارات الإفريقية، وأصبحت بذلك موانئ دبي رقماً كبيراً على سواحل القارة، واستثمارات سعودية بمليارات الدولارات، سيما على الواجهة الشرقية".

من جهته، يرى المحلل والناشط السياسي عبدالحليم العيدودي في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "بوتفليقة جعل الجزائر كناطق رسمي لبعض الدول الكبرى، تساهم في إنجاح مخططاتها، وتتوسط لها لرفع اقتصادها".

من جهته، يرى الناشط عبدالله حداد أن "الجزائر تريد استدراك كل ما ضاع، وإعادة الجزائر إلى هيبتها التي كانت في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، والذي ضاعف كل ما هو إفريقي".

الصحراء "صفعة" الجزائر

يعتبر الخبير الأمني والمحلل السياسي مراد سراي أن "ملف الصحراء والتحرك الإسرائيلي الأخير في القارة الإفريقية والمنطقة المغاربية كان على رأس تحرك الجزائر الأخير".

ويقول سراي في تصريح لـ"عربي بوست" إن "الجزائر أصبحت تحس أنها بعيدة عن صنع القرار القاري، لاسيما بعد مساعي بعض الدول لدعم المغرب في ملف الصحراء، بما فيها الدول الإفريقية، والتحرك الأمريكي الأخير، لذلك عادت الدبلوماسية الجزائرية لبسط موقفها في هذا الملف إفريقياً".

والدليل الأكبر على أن ملف الصحراء كان وراء التحرك الأخير للجزائر في إفريقيا، بحسب سراي، أن "الزيارة الأولى لوزير الخارجية كانت لجنوب إفريقيا، التي لا تختلف مع الجزائر بشأن الملف الصحراوي ودعم الشعب في حق تقرير مصيره، وبذلك تريد الجزائر دعم الملف على منبر الاتحاد الإفريقي بقوة".

التواجد الإسرائيلي في إفريقيا في نظر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر جلول لعقون، هو الآخر كان من أسباب عودة الدبلوماسية الجزائرية إلى القارة مؤخراً.

وأضاف المتحدث أن "الجزائر أصبحت محاصرة من إسرائيل، انطلاقاً من القرن الإفريقي، فالسودان ومنطقة الساحل، وصولاً إلى المغرب، هذه الدول التي طبعت العلاقات مع تل أبيب".

التحرك الأخير للجزائر في العمق الإفريق يأتي في وقت تشهد فيه الجزائر حسب متابعين وضعاً داخلياً صعباً، بسبب الأزمة الاقتصادية، ومحاولات اختراق الجبهة الاجتماعية لبث الفوضى.

أستاذ العلوم السياسية جلول لعقون، يرى أنه "من الأولى إعادة ترتيب المشهد الداخلي من خلال كسب ثقة الشعب ودحر كل المحاولات الخارجية في زعزعة الاستقرار، لاسيما ونحن نعيش فترات الحكم الأولى لعهد الجزائر، لذلك لا بد من تعزيز وحدة الصف وإيجاد حل للأزمة الاقتصادية وانهيار قيمة الدينار".

إفريقيا بالمال لا بالدبلوماسية

أستاذ العلوم السياسية جلول لعقون يرى أن "التحركات الدبلوماسية للجزائر في القارة الإفريقية ستكون خالية الوفاض، في حالة إن لم تُدعم بمسار التنمية ودعم ميزانيات تلك الدول".

وقال المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست": "أصبحت لا أثق تماماً بعديد من الدول الإفريقية، لأنها متلونة، وتستطيع بيع موقفها بالمال، أي أنها تُؤمن بمن يدفع أكثر، لا بمن يأتي بالوعود الدبلوماسية الجوفاء".

وأضاف المتحدث أنه "في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وبعد خطوة مسح الديون لعدد من الدول الإفريقية، عززت تلك الدول الموقف الجزائري في عدد من القضايا، خاصة قضية الصحراء، التي تدعم فيها الجزائر جبهة البوليساريو".

من جهته، يرى الخبير الأمني والمحلل السياسي مراد سراي أن فرنسا "ستعمل على زعزعة الاستقرار الداخلي للجزائر، كي لا تتفرغ إلى برامجها الخارجية التي لا تخدم مصالح باريس في القارة السمراء".

وقال المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" إن "فرنسا تسعى إلى إشعال المنطقة، خاصة في الحدود الجنوبية للجزائر مع النيجر ومالي، لصد أي محاولة لاستتباب الأمن وإنجاح مرور خط الحرير الصيني".

من جهته، يرى الناشط عبدالحليم العيدودي أن فرنسا "حاولت إفشال التوجه الجزائري بداية من الترويج للفوضى منذ بداية الحراك وصولاً إلى سيناريو الإرهاب، وتقرير بنجامين ستورا حول ذاكرة الاستعمار الفرنسي للجزائر".

تحميل المزيد