فتح اتفاق الفرق البرلمانية والأحزاب السياسية المغربية على إلغاء معاشات البرلمانيين شهية المغاربة نحو مزيد من المطالبة بإلغاء مظاهر الريع في الحياة السياسية، إذ يعتبر معاش وزراء المغرب واحداً من أوجه "الريع" التي دشن المغاربة حملات شعبية من أجل إلغائها، وإن لم تكن بنفس الحدة التي ووجه بها معاش البرلمانيين.
وعكس نظام المعاشات في المغرب، الذي يتكون من المساهمات التي تُقتطع من أجور الموظفين ومساهمات الدولة، فإن الوزراء يحصلون على معاش استثنائي دون أن يساهموا بشيء.
عادل تشكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن "معاش الوزراء واحد من أوجه الريع التي يجب أن تزول، استجابةً للمطالب الشعبية، وحفاظاً على سمعة المؤسسات".
حكاية معاش وزراء المغرب
كما هو الشأن بالنسبة للبرلمانيين، لم يكن وزراء المغرب يستفيدون من أي معاش بعد الاستقلال حتى سنة 1993، حينها أصبح الوزراء يتقاضون معاشاً بقرار من الملك الراحل الحسن الثاني.
وعلى حسب الرواية المتداولة، فقد نمى إلى علم الملك الراحل الحسن الثاني أن أحد الوزراء السابقين يعيشون وضعاً مالياً صعباً، فأصدر ظهيراً يمنح الوزراء معاشاً بعد انتهاء خدمتهم، وذلك حفظاً لكرامتهم.
ومنذ ذلك الوقت أصبح بإمكان الوزراء السابقين أن يتقاضوا معاشاً يبلغ حوالي 40 ألف درهم (4000 ألف دولار)، لكن الظهير الملكي يشترط أن يكون مدخول الوزراء السابقين أقل من مبلغ المعاش.
وبحسب الظهير فإنه لا يستحق عضو الحكومة السابق المعاش ما دام مجموع المداخيل الشهرية الصافية من الضرائب التي يحصل عليها، مهما كان منشأها أو طبيعتها، يساوي أو يفوق مبلغ المعاش، و"إذا كان مجموع المداخيل أقل من مبلغ المعاش فإن الوزير السابق لا يستحق إلا المقدار الذي يزيد عن مبلغ مجموع المداخيل التي يحصل عليها عضو الحكومة السابق".
كما ينبغي على الوزراء السابقين الراغبين في الاستفادة من المعاش أن يدلوا إلى رئيس الحكومة بتصريح بالشرف، يتضمن إقراراً بالمداخيل التي يحصلون عليها.
ويبدو أن الطبقة السياسية في المغرب ترى في معاش الوزراء أعطية ومنحة ملكية لا يجب إلغاؤها إلا بمبادرة من الملك، إلا أن عبدالعزيز أفتاتي النائب البرلماني السابق يرى أنه على البرلمان أساساً أن يتحمل مسؤوليته ويلغي هذا الريع.
ويقول أفتاتي في تصريح لـ"عربي بوست" إنه "ليس هناك من مبرر للإبقاء معاش الوزراء وكافة المعاشات الاستثنائية، وعلى البرلمان أن يبادر بإعداد مقترح قانون يلغي هذا المعاش، ويقطع مع أي وجه من أوجه الريع".
معاش يُورث
في حالة وفاة الوزير المستفيد من المعاش، يحق لأرملته وأيتامه، وكذلك لأبويه اللذين يعولهما عند الاقتضاء الحصول على نصف معاشه.
وبحسب عادل تشكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن توريث هذا المعاش مظهر آخر من مظاهر الريع، وعدم المساواة بين المواطنين، قائلاً: "صحيح أن بعض الوزراء قدموا خدمات للدولة، لكن لا ينبغي أن يحصلوا على تعويضات مدى الحياة، ويورثوا ذلك لأبنائهم".
من جهته، يرى الباحث في العلوم السياسية، مصطفى العلوي، في حديثه مع "عربي بوست" أن "التركيز على هذه الأمور يدخل في باب الشعبوية، فمن المهم ألا تترك الدولة من قدموا إليها خدمات ضحية لنوائب الدهر"، معتبراً أن الحفاظ على كرامتهم يحفظ هيبة الدولة.
مقابل ذلك، يقول عبدالعزيز أفتاتي "لا أعتقد أن هناك وزيراً اليوم في حاجة إلى معاش ريعي، فمن المؤكد أن الوزراء يُختارون من بين كفاءات المغرب، الذين لهم وظائفهم وشركاتهم التي تدر عليهم أموالاً".
وزراء يتخلون عن المعاش
الحملة التي دشنها المغاربة منذ مدة على شبكات التواصل الاجتماعي دفعت عدداً من الوزراء إلى إعلان تخليهم عن معاش الوزراء.
أول هؤلاء الذين تخلوا عن معاش الوزراء كان رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني، الذين كان وزيراً للخارجية في عهد حكومة عبدالإله بنكيران، وغادر منصب وزير الخارجية سنة 2013 عقب تعديل حكومي.
وبينما كانت وسائل التواصل الاجتماعي تشهد نقاشاً ساخناً حول تقاعد الوزراء، عاد سعد الدين العثماني إلى عيادته الطبية بالرباط، حيث يعمل طبيباً نفسياً، معلناً عدم تقدمه بطلب للحصول على معاش.
من جهته، يؤكد لحسن الداودي، الوزير السابق الذي تقلد حقيبة وزارة التعليم العالي في عهد حكومة بنكيران، ووزارة الشؤون العامة والحكومة في بداية حكومة سعد الدين العثماني، أنه قرر عدم الحصول على معاش الوزراء.
وقال الداودي في تصريح لـ"عربي بوست": "لديّ معاش باعتباري أستاذاً جامعياً، وهذا يكفي"، مؤكداً أن "بعض الوزراء الذين غادروا الحكومة حصلوا على أجرة 10 أشهر، أي ما يزيد عن 250 ألف درهم".
ويرى الداودي أن "هناك تبريراً منطقياً لهذا التعويض الذي حصلوا عليه، وهو أنك إذا بدأت العمل لحسابك الخاص فور مغادرتك للمنصب الحكومي، فهناك من سيعتقد أنك مازلت وزيراً، وقد تستغل صفتك السابقة"، مضيفاً أنه "يجب أن تنتظر بعض الوقت حتى يتعود الناس أنك لم تعد وزيراً".
ويؤكد الداودي أن "عدداً كبيراً من الوزراء لا يحصلون على المعاش الوزاري، نظراً للحرج الذي يعتري بعضهم بخصوص التصريح بمداخيلهم لدى رئاسة الحكومة كل سنة، كما أن الحصول على هذا المعاش من عدمه يخضع لوضعية وظروف كل وزير سابق على حدة".
ثقل رمزي
لا يبدو أن المبالغ التي تصرفها الدولة للوزراء السابقين تثقل كاهل ميزانية الدولة، لكن للموضوع أبعاد أخرى رمزية وسياسية بالدرجة الأولى، إذ لم يعد يقبل المغاربة وجود فئة في المجتمع تحصل على امتيازات خاصة.
والملاحظ أن أصواتاً برزت من داخل الحكومة تدعو إلى إلغاء معاش الوزراء، لكن دون أن يترجم ذلك من الناحية التشريعية على أرض الواقع.
وسبق لوزير حقوق الإنسان، مصطفى الرميد، أن دعا صراحةً إلى إلغاء تقاعد الوزراء في تدوينة سابقة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إذ اعتبر أن "تقاعد الوزراء مهما كان الاختلاف حول أهميته المالية، فإنه يصعب تحمل ثقله الرمزي، ومن الصواب وضع حد له صيانة لسمعة المسؤولية الحكومية ومكانة المؤسسات".
من جهته، يرى عادل تشكيطو أن إلغاء معاش الوزراء سيكون رسالة إيجابية للمواطنين، من شأنها أن تعيد الاعتبار للفاعل السياسي، وتحفظ ما تبقى من ثقة في المؤسسات من الانهيار، لكن يبدو أن ما تبقى من عمر الحكومة الحالية لن يكون كافياً لإخراج مشروع قانون جديد يقطع مع منطق المعاشات الاستثنائية ويحقق المساواة بين الجميع.