أجج التعديل الوزاري في تونس، الذي أجراه رئيس الوزراء هشام المشيشي على حكومته، التوتر بينه وبين رئيس الجمهورية قيس سعيد، إذ أنهى هذا التعديل ما كان يوصف بـ"حكومة الرئيس" بإقالة كل الوزراء المقربين من سعيّد، وتعويضهم بوزراء يمثلون الأحزاب الداعمة للحكومة.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد عبر عن رفضه التعديل الوزاري في تونس بسبب خرقه الدستور، وفق تقديره، مؤكداً عزمه رفض أداء اليمين الدستوري لعدد من الوزراء الذين تلاحقهم شبهات فساد خلال جلسة لمجلس الأمن القومي سبقت جلسة منح الثقة للتعديل الوزاري.
ويعد التعديل الوزاري في تونس الذي أجراه هشام المشيشي على حكومته إسفيناً جديداً في علاقته المتوترة منذ أشهر برئيس الجمهورية. فلماذا يرفض سعيد التعديل الوزاري؟ وما أصل الخلاف بين رئيسي الجمهورية والحكومة؟
أزمة بين الرئيس والمشيشي
شهدت العلاقة بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي تحولاً جذرياً، فرغم أن سعيد اختار المشيشي من خارج مقترحات الأحزاب لرئاسة الحكومة عقب تقديم رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ استقالته، فإن العلاقة بين الرجلين سرعان ما تحولت من وُدّ وتنسيق إلى توتر وعداء.
أسامة عويدات، عضو المكتب السياسي لحركة الشعب، كشف لـ"عربي بوست" أن "سبب الخلاف بين رئيسي الحكومة والجمهورية هو أن هشام المشيشي تنكر وانقلب على رئيس الجمهورية الذي اختاره لرئاسة الحكومة".
وأضاف عويدات أن "المشيشي انقلب على كل توجيهات الرئيس، أولاً من خلال تغيير شكل الحكومة، من حكومة مستقلة إلى حكومة سياسية، وثانياً من خلال عدم تبني برنامج اجتماعي يهدف للتعجيل بحل الأزمة الاجتماعية المتفاقمة في تونس".
وقال المتحدث إنه "كان من المفترض أن تكون حكومة المشيشي هي حكومة الرئيس 2 بعد الإطاحة بحكومة الرئيس 1 (الفخفاخ)، لكن المشيشي اختار مصلحته الشخصية والبقاء في الحكم من خلال التنسيق مع حزام برلماني فرض عليه إجراء تعديل وزاري بشخصيات فاسدة وممثلين لأحزاب بعينها.. والمشيشي اختار الأمان لنفسه لا الأمان لتونس".
التعديل الوزاري في تونس
منح البرلمان التونسي الثقة لتعديل وزاري جذري شمل 11 حقيبة اقترحها رئيس الوزراء هشام المشيشي، لكن ذلك لا يعد سوى مقدمة لأزمة دستورية وسياسية ستشهدها تونس خلال الأيام المقبلة.
وحصل وزير العدل يوسف الزواغي على 140 صوتاً، ووزير الداخلية وليد الذهيبي على 138 صوتاً، كما صوّت البرلمان بأغلبية مريحة لعدد من الوزراء الذين تتعلق بهم شبهات فساد وتضارب مصالح، إذ حصد وزير الطاقة والمناجم سفيان بن تونس 131 صوتاً، ووزير الصحة الهادي خيري 137 صوتاً، ووزير التكوين المهني والتشغيل والاقتصاد التضامني يوسف فنيرة 118 صوتاً.
وتُلاحق عدد من الوزراء الجدد في تونس شبهات فساد وتضارب مصالح، من بينهم وزير الصحة الهادي خيري، الذي تم القبض على شقيقه سنة 2019 بتهمة القتل حين اقتحم سارق منزله، ويشاع أنه تدخل لصالح شقيقه في مجريات القضية.
أيضاً التهم تتربص بوزير التكوين المهني يوسف فنيرة، الذي أقيل من وكالة التشغيل بسبب تهمة تضارب مصالح مردّها إلى تعامله مع شركة ملك والدته، بالإضافة إلى وزير الطاقة سفيان بن تونس (عضو مؤسس لحزب قلب تونس) الذي تؤكد منظمة "أنا يقظ" أنه يرأس شركة Oscar Infrastructure Services، التي تضم محمد الزعنوني بصفته نائب رئيس مكلفاً بالشؤون القانونية للشركة، والذي أشرف على إمضاء عقد "اللوبينغ" بين المرشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي وشركة ملك ضابط سابق في الموساد الاسرائيلي.
نهاية حكومة سعيّد
يقول الناطق الرسمي باسم حزب قلب تونس، الصادق جبنون، إن "منح البرلمان التونسي الثقة للتعديل الوزاري المقترح رسالة لنجاح تونس في ترسيخ تجربة ديمقراطية فريدة".
وأضاف جبنون في حديثه مع "عربي بوست" أن "التعديل الوزاري في تونس والذي غيّر شكل حكومة المشيشي من حكومة هجينة (وزراء مستقلين ووزراء يدينون بالولاء لرئيس الجمهورية) إلى حكومة حزبية سيمنح رئيس الحكومة هشام المشيشي القدرة على العمل بأكثر راحة بعيداً عن ضغط رئاسة الجمهورية، وسيوفر لنا مناخاً من التفاهم والتنسيق بين رئيس الحكومة والوزراء، وهو ما كان مفقوداً في الحكومة السابقة بسبب ولاء الوزراء المقالين لرئيس الجمهورية أكثر من رئيس الحكومة".
واستغرب جبنون محاولة رئيس الجمهورية التأثير والتدخل في صلاحيات رئيس الحكومة الذي يكفُل له الدستور الحق في إجراء أي تعديل على حكومته متى رأى ذلك ضرورياً.
وفي سياق متصل أوضح النائب عن حركة النهضة محمد القوماني لـ"عربي بوست" أن "التاريخ سيدون أن 26 يناير 2021 كان يوماً تاريخياً لانتصار الديمقراطية على دعوات الفوضى، ونجاح قوات الأمن التونسي في حماية البرلمان من أحداث مشابهة لتلك التي شهدها مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة الأمريكية"، مشيراً إلى "سعي نواب في البرلمان ومسؤولين لهم علاقة بدوائر أجنبية ووزراء سابقين -وفق تعبيره- لتأجيج الوضع وتأزيمه خارج البرلمان الذي شهد احتجاجات لعدد من منظمات المجتمع المدني، وإرباك جلسة منح الثقة للوزراء الجدد".
وأوضح القوماني أن "خلاف قيس سعيد مع المشيشي يعود إلى رفض رئيس الحكومة مخطط الرئيس لعزل الأحزاب تمهيداً لتنفيذ برنامجه السياسي الذي لا يؤمن بالأحزاب ولا الدستور، وكذلك بسبب إبعاد وإقصاء وزراء سعيد من الحكومة".
أزمة دستورية
ورغم منح البرلمان الثقة للوزراء الجدد في حكومة المشيشي، فإن ذلك يضع تونس أمام أزمة دستورية وسياسية جديدة، بسبب رفض رئيس الجمهورية استقبال وزراء تتعلق بهم شبهة فساد لأداء اليمين.
وفي هذا السياق يؤكد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي مختار كمون أن "رئيس الجمهورية لا يرفض التعديل الوزاري في تونس، بل يرفض خرق هذا التعديل للفصل 92 من الدستور، والذي يفرض عقد اجتماع مجلس للوزراء للتداول في تغيير هيكلة الحكومة قبل عرضها على البرلمان".
وأضاف كمون في حديثه مع "عربي بوست" أن "الرئيس يرفض التعديل الوزاري في تونس بسبب شبهات الفساد وتضارب المصالح التي تلاحق عدداً من الوزراء، لأن ذلك يعد خرقاً للدستور الذي يُشدد على القطع مع الحيف والظلم والفساد".
من جهته قلّل الناطق الرسمي باسم "قلب تونس" الصادق جبنون من خطورة رفض رئيس الجمهورية استقبال الوزراء الجدد لأداء اليمين، مؤكداً أنه "وفي هذه الحالة بإمكان الحكومة أن تؤدي القسم أمام مجلس نواب الشعب الذي منحها الثقة".
من جهته حذر النائب عن حركة النهضة محمد القوماني من أن "رفض رئيس الجمهورية أداء اليمين الخاص ببعض الوزراء سيكون له تبعات سياسية ودستورية خطيرة على البلاد"، مشدداً على أن "تمسك رئيس الجمهورية بقراره لن يمنع الوزراء من أداء مهامهم".
من جهته يرى أستاذ القانون الدّستوري، أمين محفوظ، لـ"عربي بوست" أن "أداء الوزراء اليمين أمام رئيس الجمهورية ليس إجراءً شكلياً بل هو إجراء جوهري"، مشدداً على أن تقلد أي منصب وزاري يمر بالضرورة عبر ثلاث مراحل وهي: نيل الثقة في مجلس نواب الشعب، ثم التسمية من قبل رئيس الجمهورية، وأخيراً أداء اليمين أمامه".
وأشار المتحدث إلى أن "مرحلة أداء اليمين الدستورية أمام رئيس البلاد ضرورية، إذ لا يمكن للشخصية المقترحة أن تمارس مهامها الوزارية دون هذه المرحلة".
هذا ويمنح غياب المحكمة الدستورية، المؤسسة التي يعهد لها الفصل في تفسير فصول الدستور وملاءمة القوانين للدستور، رئيس الجمهورية هامشاً للمناورة، وحتى لقلب الطاولة على خصومه إذ يُشير أمين محفوظ في حديثه مع "عربي بوست" إلى أن "الفصل 72 من الدستور يسمح لرئيس الجمهورية في ظلّ غياب المحكمة الدستورية، أن تكون له الكلمة الفصل في كلّ نزاع بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أو البرلمان، وأن تطبق قراءته للدستور".