وسط تحذيرات أمريكية من "غليان" وتعقد الأزمة، جدّدت الحكومة السودانية، السبت 23 يناير/كانون الثاني 2021، إعلان مخاوفها من مضي إثيوبيا في مشروع سد النهضة دون إبرام اتفاق ملزم مع الدول المعنية، مُشدّدة على أنها لن تقبل بسياسة فرض الأمر الواقع في تلك الأزمة.
حيث قال الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية وزير الإعلام فيصل محمد صالح، في تصريحات لصحيفة "السوداني" المحلية، إن بلده لا يقبل فرض الأمر الواقع في قضية سد النهضة، مؤكداً أن للسودان الوسائل التي يستطيع الرد بها في حال فرض الأمر الواقع.
فيما أكد صالح عدم وجود مفاوضات حالياً بشكل رسمي، قال إنهم لا يريدون التصعيد.
إذ أشار الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية إلى أن الوساطة الإفريقية بشكلها القديم لم تعُد مجدية، ولا بد من تغيير المنهج، وتوسيع دور أكبر للخبراء أو توسيع الوساطة لجهات أخرى، مضيفاً: "المفاوضات هي الطريقة الوحيدة".
صالح ذكر أن موقف الخرطوم يختلف عن القاهرة وأديس أبابا، لأنه إذا "حصل أيّ ضرر فسيكون السودان هو المتضرر، لذا يجب أن يكون هناك اتفاق يحمي السودان"، حسب قوله.
مرشح بايدن لوزارة الخارجية يحذِّر من "غليان الأزمة"
في ذات السياق قال موقع Al-Monitor الأمريكي، الجمعة 22 يناير/كانون الثاني 2021، إن أنتوني بلينكين، مرشح الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنصب وزير الخارجية، حذَّر في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ من أنَّ المحادثات بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة الإثيوبي قد "تنتهي بالغليان".
فيما لم ترِث إدارة بايدن بداية هادئة للدبلوماسية في منطقة حوض النيل والقرن الإفريقي، كما يقول موقع Al-Monitor الأمريكي.
"مسألة حياة أو موت للمصريين"
كان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد صرّح في مقابلة مع Al-Monitor في سبتمبر/أيلول 2019، أن نهر النيل بالنسبة للمصريين مسألة حياة أو موت، مضيفاً: "لا أعتقد أن أي شخص سيوافق على أن التنمية الإثيوبية تأتي على حساب أرواح المصريين".
حرب تيغراي تهدِّد محادثات سد النهضة
كما أن اندلاع الحرب الأهلية في إثيوبيا بين الحكومة وجبهة تحرير شعب تيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 أدى إلى زعزعة الانتقال السياسي الهش في السودان، وتهميش التقدم في محادثات سد النهضة.
حيث ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من 58000 لاجئ فروا إلى السودان من إثيوبيا منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فضلاً عن تصاعد الاحتكاك على الحدود السودانية-الإثيوبية نتيجة الحرب إلى تهديدات عسكرية بسبب اتهامات بانتهاك السيادة من الجانبين.
اتهامات ضمنية لمصر بتأجيج التوتر بين السودان وإثيوبيا
كان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قد ألمح خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2020، دون ذكر أسماء، إلى أن مصر تؤجِّج المواجهات الحدودية بين إثيوبيا والسودان أو تحرض عليها، وهو ما تنفيه كل من مصر والسودان، طبقاً لما أورده موقع Al-Monitor الأمريكي.
يشار إلى أن الأسابيع الماضية شهدت تصعيداً على المستويين السياسي والعسكري وصل إلى حافة الحرب الفعلية بين السودان وإثيوبيا بسبب التوترات الحدودية بين البلدين، وبالتزامن بدأ يتبلور بشكل واضح تقارب سوداني مصري انعكس في أحاديث من مسؤولين في البلدين العربيين عن أن العلاقات بينهما أزلية وأن الجارتين تسعيان لمزيد من التعاون.
لكن هذا التقارب الذي يمكن وصفه بالتضامن من الناحية العسكرية بين مصر والسودان يقابله عدم تنسيق يصل حد التناقض في المواقف بشأن مفاوضات سد النهضة، حسبما يرى البعض.
خيارات السودان "البديلة"
جدير بالذكر أن السودان أعلن، الإثنين 18 يناير/كانون الثاني 2021، بحثه عن "خيارات بديلة"، بسبب "تعثر" المفاوضات.
جاء ذلك في بيان نشرته وكالة الأنباء السودانية الرسمية، عقب انعقاد اللجنة العليا لمتابعة ملف سد النهضة، بحضور رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك، ومشاركة وزراء بينهم العدل والخارجية والري، بجانب مدير جهاز المخابرات العامة، ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية.
البيان قال إن الاجتماع بحث سير مفاوضات سد النهضة، والمشاورات التي جرت خلال الفترة الماضية بين مختلف الأطراف.
كما بحث الاجتماع ما وصفها بالخيارات البديلة، بسبب تعثر المفاوضات الثلاثية التي جرت خلال الأشهر الستة الماضية، متطرقاً إلى مخاطر شروع إثيوبيا في الملء الثاني لسد النهضة في يوليو/تموز القادم، دون التوصل إلى اتفاق، وأثر ذلك على سلامة تشغيل سد الروصيرص والمنشآت المائية الأخرى في البلاد.
السودان أكد أيضاً أنه لا يقبل بفرض ما وصفه بسياسة الأمر الواقع وتهديد سلامة 20 مليون مواطن سوداني تعتمد حياتهم على النيل الأزرق، مشدداً على موقفه المبدئي المُتمثل في ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل سد النهضة، يحفظ ويراعي مصالح الأطراف الثلاثة.
مفاوضات سد النهضة إلى طريق مسدود
يأتي ذلك بعد أن أعلنت الخارجية السودانية يوم الأحد 10 يناير/كانون الثاني، فشل التوصل إلى صيغة مقبولة لمواصلة التفاوض حول "سد النهضة"، مؤكدةً أن الخرطوم لن تواصل المفاوضات، في الوقت الذي عبَّرت فيه وزيرة خارجية جنوب إفريقيا عن أسفها لوصول مفاوضات سد النهضة إلى "طريق مسدود".
في اليوم التالي، أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، آنذاك، عن تقديم بلاده اشتراطات إلى الاتحاد الإفريقي للعودة لمفاوضات "ذات جدوى" في ملف سد النهضة، ملوحاً بأن الخرطوم لديها "خيارات" أخرى.
بدوره قال وزير الري السوداني ياسر عباس، إنه لا يمكنهم الاستمرار في "هذه الحلقة المفرغة من المباحثات بشأن سد النهضة إلى ما لا نهاية"، مشدداً على أن "المفاوضات انتهت إلى الفشل".
في السياق نفسه، أكدت وزارة الخارجية المصرية، الأحد 10 يناير/كانون الثاني، أن "الاجتماع بشأن سد النهضة أخفق في تحقيق تقدم، بسبب خلافات حول كيفية استئناف المفاوضات".
كما أكدت أيضاً أن القاهرة جدّدت تأكيدها "استعدادها لمفاوضات فعالة للتوصل إلى اتفاق مُلزم، لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة".
في الجهة المقابلة، قالت الحكومة الإثيوبية إن "السودان رفض مقترحاً من الاتحاد الإفريقي بعقد اجتماع مع الخبراء الأفارقة"، متعهدةً بـ"تلبية مخاوف السودان بشأن سلامة السدود وتبادل البيانات والقضايا الفنية الأخرى".
تسع سنوات من فشل المفاوضات
كانت الإدارة الأمريكية أعلنت في فبراير/شباط 2019، التوصل إلى اتفاق حول آلية عمل سد النهضة، وقَّعت عليه القاهرة بالأحرف الأولى، وامتنعت إثيوبيا بدعوى انحياز واشنطن إلى مصر، إثر جولات من المفاوضات جرت بواشنطن.
لكن المفاوضات تعثرت مجدداً بين الدول الثلاث، وهو الأمر المستمر منذ نحو 9 سنوات، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة في فرض حلول غير واقعية.
حيث تُصر أديس أبابا على ملء السد بالمياه حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه مع القاهرة والخرطوم، فيما تصر الأخيرتان على ضرورة التوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي؛ لضمان عدم تأثر حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل.