اعتقلت السلطات الروسية، اليوم السبت 23 يناير/كانون الثاني 2021، مئات المتظاهرين خلال احتجاجات ينظمها أنصار أليكسي نافالني، المعارض الروسي الشهير، الذي كان قد دعا للتظاهر اليوم من أجل المطالبة بإطلاق سراحه.
حيث خرجت مظاهرات في عدد من مدن روسيا، بينها العاصمة موسكو، تنديداً بسجن نافالني ورفضاً لما وصفوه بالفساد، وذلك بالرغم من تحذير السلطات من المشاركة في تلك الاحتجاجات.
كان فريق الناشط الشهير في مجال مكافحة الفساد والعدو اللدود للكرملين والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد نشر دعوات إلى التجمع في 65 مدينة روسية، وسرعان ما انتشرت تلك الدعوات على الشبكات الاجتماعية حيث يتمتع المعارض بحضور واسع.
لكن الشرطة الروسية رفضت تلك الدعوات، واستبقت هذه الاحتجاجات باعتقال عدد من المقربين من نافالني.
إذ اعتقلت قوات الشرطة الأيام الماضية قبيل احتشاد المتظاهرين، حلفاء قياديين لنافالني، وحُكم على اثنين منهم الجمعة 22 يناير/كانون الثاني 2021 بالسجن لفترة قصيرة. وفي المناطق الأخرى، أوقف عدد من منسقي حركته بعد دعوتهم إلى مظاهرة اليوم السبت.
كما أن أجهزة الأمن الروسية انتشرت بكثافة في بعض المناطق، وقامت بالتصدي للمظاهرات التي اندلعت في بعض المناطق الروسية، محذرة الناس من مغادرة بيوتهم.
منظمة "أو في دي-إنفو" غير الحكومية المتخصصة في مراقبة الاعتقالات على هامش المظاهرات، ذكرت أنه اُعتقل 2131 من المحتجين في أنحاء روسيا ممن خرجوا في مسيرات الدعم رغم البرودة القارسة، وحظر السلطات للاحتجاجات.
كما اعتقلت الشرطة يوليا نافالنايا زوجة نافالني في مظاهرة في موسكو، حسبما ذكرت هي على حسابها على إنستغرام من داخل مركبة تابعة للشرطة.
وتحدثت مجموعة "أو في دي-إنفو" عن احتشاد محتجين في ما يقرب من 70 بلدة ومدينة.
40 ألفاً يحتشدون دعماً لنافالني
وكالة رويترز قدّرت أعداد المتظاهرين دعماً وسط موسكو لنافالني بأكثر من 40 ألفاً.
كذلك، حدث انقطاع في خدمات الهواتف المحمولة والإنترنت، اليوم السبت، حسبما أظهرت بيانات موقع (داونديتكتور دوت آر يو) الذي يتابع مثل هذه الانقطاعات. إذ تلجأ بعض السلطات لهذه الوسيلة أحيانا لتصعيب الاتصالات بين المحتجين، ومنع مشاركة التغطيات المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي.
المتظاهرون ردد عبارات منها: "بوتين لص"، و"العار"، و"الحرية لنافالني"، بينما عملت قوات الشرطة على تطويقهم وتفريقهم من الشوارع.
إلى ذلك، يتوقع البعض تزايد أعداد المتظاهرين بشكل أكبر خلال الساعات المقبلة، خاصة في العاصمة موسكو، فبحسب الدعوات للتظاهر سيتجمع العدد الأكبر عند الساعة 14:00 (11:00 ت غ) في ساحة بوشكين.
تعد هذه التجمعات أول احتجاجات من قِبل أنصار نافالني منذ عودته بشكل مثير إلى موسكو.
كانت التجمعات الكبرى للمعارضة في موسكو صيف 2019 شهدت اعتقال آلاف المتظاهرين السلميين. وصدرت ضد العديد منهم أحكام قاسية بالسجن بتهم القيام بأعمال عنف ضد الشرطة، على الرغم من احتجاج منظمات غير حكومية.
المعارض الروسي نافالني يدعو للتظاهر ضد بوتين
كان نافالني قد دعا، يوم الإثنين 18 يناير/كانون الثاني 2021، الشعب الروسي إلى النزول للشوارع للتظاهر ضد نظام الرئيس فلاديمير بوتين، وذلك في مقطع فيديو له نُشر قبل بضع دقائق من صدور قرار قضائي بوضعه في السجن حتى 15 فبراير/شباط 2021.
حيث قال نافالني في مقطع الفيديو الذي التُقط في قاعة المحكمة ونُشر على مواقع التواصل الاجتماعي داعياً المواطنين إلى عدم الخوف: "انزلوا إلى الشارع، من أجل مستقبلكم"، مضيفاً: "لا تصمتوا، قاوموا، اخرجوا إلى الشارع".
بعد هذه الدعوة للتظاهر من جانب المعارض الروسي، أعلن ليونيد فولكوف مساعد نافالني، على الفور بدء الاستعداد لتنظيم "تظاهرات كبيرة في كافة أنحاء البلاد في 23 يناير/كانون الثاني".
تأتي الدعوة أيضاً فيما يحضر فريق المعارض حملة نشطة تتعلق بالانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر/أيلول 2021، على خلفية تراجع شعبية حزب الكرملين، حزب روسيا الموحدة.
عودة نافالني إلى موسكو
كان المعارض نافالني قد عاد يوم الأحد 17 يناير/كانون الثاني الجاري، إلى العاصمة الروسية، وأوقفته سلطات السجون الروسية فور عودته، لأنها تأخذ عليه انتهاكه شروط المراقبة القضائية التي يخضع لها من خلال انتقاله إلى الخارج للحصول على العلاج. وتم توقيف نافالني مساء الأحد في مطار شيريميتييفو.
كما يواجه نافالني احتمالية السجن 3 سنوات ونصف السنة؛ لاتهامه بخرق شروط حكم مع إيقاف التنفيذ أُدين فيه بالاحتيال في عام 2014.
حيث قضت محكمة روسية يوم الإثنين 18 يناير/كانون الثاني باحتجاز نافالني، لمدة 30 يوماً، حسبما أكدت المتحدثة باسمه كيرا يارميش.
فيما سخر نافالني قائلاً: "حاولنا قتلك لكنك لم تمُت، لقد أزعجتنا، لذلك سنقوم باحتجازك".
اعتقال نافالني أثار موجة من الانتقادات الدولية، مُطالبين بضرورة الإفراج الفوري عنه.
مدينة كاملة ملك لبوتين
بينما واصل نافالني سخريته من الكرملين رغم وجوده خلف القضبان، بعد إطلاقه تحقيقاً على الإنترنت حول قصر، قال إنه ملك للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ساحل البحر الأسود.
فقد نشر مقطع فيديو يوم الثلاثاء 19 يناير/كانون الثاني 2021، وجَّه فيه اتهامات إلى بوتين بامتلاك قصر شاسع في منتجع مدينة غيلينجيك جنوب روسيا، مؤكداً أن القصر تكلف 100 مليار روبل روسي (نحو 1.37 مليار دولار)، وذلك من خلال أموال غير مشروعة قُدِّمت عن طريق أعضاء الدائرة المقربة من بوتين.
من جانبها قالت صحيفة Dailymail البريطانية، في تقرير لها، نقلاً عن نافالني، إن قصر بوتين "مدينة كاملة، بل إنه مملكة. يملك أسواراً منيعة، والميناء الخاص به، والأمن الخاص به، وكنيسة، ونظام تصاريح خاصاً به، ومنطقة حظر طيران، بل نقطة تفتيش حدودية. يبدو دولة منفصلة داخل روسيا. وفي هذه الدولة يوجد قيصر واحد لا يتغير: إنه بوتين". فيما تعادل أراضي القصر 39 ضعف مساحة موناكو.
لكن الكرملين نفى كل هذه الرواية نفياً قاطعاً، وقال إن بوتين لا يمتلك أي قصور.
يشار إلى أن الحالة الصحية للمعارض الروسي تدهورت خلال رحلة جوية في 20 أغسطس/آب 2020، ما أجبر الطائرة على الهبوط اضطرارياً في مدينة أومسك الروسية.
من جانبه يتهم المعارض نافالني (44 عاماً) السلطات الروسية بإصدار أوامر لقتله عبر تسميمه بمادة نوفيتشوك في أغسطس/آب 2020، إلا أن موسكو تنفي أن تكون ضالعة في عملية كهذه.
كذلك أعلنت الحكومة الألمانية حينها أن نافالني تعرض للتسميم بغاز الأعصاب "نوفيتشوك"، بعد نقله إلى برلين لتلقي العلاج.
في المقابل دعت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، موسكو إلى فتح تحقيق في "تسميم" نافالني، وأبدت الأخيرة استعدادها لإجراء تحقيق شامل وموضوعي.
في حين نجا نافالني من التسمم المفترض، بعد فترة استشفاء في ألمانيا لمدة خمسة أشهر.