قتل وخطف وجثث على قارعة الطريق، حتى تحولت مدينة بنغازي لما يشبه حرب العصابات، وكل يوم يستيقظ فيه أهالي المدينة ليجدوا أنفسهم أمام خبر جديد لضحية جديدة.
شارع الزيت يبدو أنه أصبح مسرحاً لتلك الجرائم، ففي يوم الأربعاء 20 يناير/كانون الثاني 2021، عثرت الداخلية على 4 جثامين مجهولة الهوية، مكبلة اليدين، عليها آثار تعذيب ملقاة بشارع الزيت، قالت مصادر محلية لعربي بوست إنه وبمجرد نقل الجثث إلى مركز بنغازي الطبي تم التعرف على أحدهم، وهو تاجر يدعى كمال العمامي، كان قد اختُطف من أمام محله بسوق فينيسيا، منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
احتراب بين تشكيلات مسلحة
تشهد بنغازي حالةً من الاحتراب بين كتائب مسلحة موالية لنجل العقيد الراحل معمر القذافي، وكتائب موالية لحفتر، على رأسها كتيبة طارق بن زياد، واللواء 106، الذي يترأسهما نجلا خليفة حفتر خالد وصدام.
زادت الخلافات بين الجماعات المسلحة بعد إعلان جماعة تابعة لنجل القذافي بفتح مكاتب للعمل السياسي بالمنطقة الشرقية، الأمر الذي قوبل من قبل خليفة حفتر وأبنائه بالقمع والاعتقال والاختطاف والقتل لكل من يحاول ممارسة مثل هذه الأعمال، والتي كان آخرها اختطاف الناشط السياسي الموالي لسيف الإسلام القذافي كنان الفيتوري، القادم من ألمانيا، وبحوزته قرابة العشرة ملايين دولار لفتح تلك المكاتب بالمنطقة الشرقية مطلع الشهر الجاري.
مصدر أمني من بنغازي قال إن عمليات الخطف والتصفية خارج إطار القانون والجثث التي ترمى على قارعة الطرق في مدينة بنغازي يعود جزء منها لأشخاص لهم علاقة بطرفين عسكريين تابعين للقيادة العامة بالرجمة، وجرائم أخرى مرتبطة بحالات سطو مسلح وجرائم جنائية، وأن البحث الجنائي توصل إلى العديد من الحقائق حول تلك الجرائم وتتلخص في الآتي:
1. جثث يعود أصحابها لتجار وأصحاب عقارات تندرج تحت جرائم الحرابة والمقايضة يقوم بها بعض المسلحين الخارجين عن القانون، ينتمون لكتائب مسلحة توفر لهم الحماية.
2. جثث يعود أصحابها لعناصر عسكرية أو عناصر مسلحة مساندة للقوات المسلحة التابعة للقيادة العامة، إضافة إلى بعض الناشطين والمدونين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه الجرائم عبارة عن تصفية حسابات شخصية بين أطراف عسكرية، كل منها يحمل توجهاً مخالفاً للآخر، وهي الأخرى تتمتع بحصانة قيادات عسكرية وكتائب مسلحة.
3. بعض الجثث التي وجدت لم يتم التعرف عليها حتى هذه اللحظة، لعدم وجود أية أوراق ثبوتية معها، وتعمل المديرية على معرفة هويتها.
وأشار المصدر الأمني أن وحدة التحقيق والتحري بمديرية أمن بنغازي لا تملك الإمكانات اللازمة للقبض على تلك المجموعات التي تم رصد عدد منها في مناطق القوارشة وبوعطني وسيدي منصور، وأن غرفة السيطرة التابعة للقيادة العامة نبهت الجهات الأمنية بعدم نشر المعلومات حول تلك الجرائم حتى استيفاء التحقيقات والقبض على الجناة، وكي لا تنتشر الفوضى في المنطقة بحسب المصدر.
ظاهرة متكررة في بنغازي
المحلل السياسي عمر التهامي يرى أن مشاهد الجثث الملقاة على الطرقات لا تعد ظاهرة غريبة، بل هي مشاهد متكررة منذ حرب خليفة حفتر على بنغازي على مدى الأعوام الستة الماضية.
وأكد أن قضية اختطاف كنان الفيتوري، والذي لا يزال مصيره مجهولاً حتى هذه اللحظة كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير ببنغازي، فبعد أن كشفت الأجهزة الأمنية التابعة لصدام حفتر تورط بعض من القيادات العسكرية الموالية لحفتر في قضية التسويق لنجل العقيد الراحل معمر القذافي سيف الإسلام، باشرت الكتيبة 106 وبعض التشكيلات الموالية لها باختطاف كل من هو موالٍ للنظام السابق، خصوصاً من كان لهم دور في حل بعض المشكلات بين تلك التشكيلات.
وبالمقابل قامت التشكيلات المسلحة الموالية لسيف الإسلام بالرد بنفس الطريقة، والنتيجة هي ما نراه اليوم من أعمال خطف وجثث ترمى على قارعة الطرق.
ويضيف التهامي لـ"عربي بوست"، أنّ "الوضع الأمني في بنغازي أصبح أشد قساوة مما كان في أيام القذافي، مشيراً أن اليوم لا نستطيع نطق اسم خليفة حفتر من دون أن يكون مقروناً بلقب المشير، فالخلايا الاستخباراتية الخاصة بأمنه في كل مكان".
وتابع التهامي أن النداء الذي أطلقته مديرية أمن بنغازي بشأن حماية المناطق لم يكن بسبب عجز المديرية في الحصول على المعلومة، أو عدم درايتها بالجهة المنفذة، بل لضعف القوة الأمنية في إرساء الأمن بالمدينة وحماية المواطن أمام جهات عسكرية تمتلك نفوذاً وسلطة واسعة بالمدينة لا تستطيع المديرية مجابهتها، ولذلك أوكلت المهمة للمواطنين لتخفيف حدة الجريمة بالمدينة التي أصبحت أقرب ما يكون بمدينة الأشباح.
محاولة اغتيال آمر الكتيبة 302 في بنغازي
آمر كتيبة 302 صاعقة، عيسى القابسي، التابعة للقيادة العامة بشرق ليبيا تعرّض، الجمعة 15 يناير/كانون الثاني 2021، لمحاولة اغتيال بمدينة بنغازي، حيث أكدت مصادر صحفية ليبية نجاة القابسي من محاولة اغتيال قام بها مسلحون بمنطقة الكيش بوسط مدينة بنغازي، مشيرة إلى أن القابسي لم يتعرض إلى أي ضرر جراء الهجوم، فيما تمكن المسلحون الذين نفذوا المحاولة من الهرب.
فيما اختطف مساء الخميس، 21 يناير/كانون الثاني 2021، الشاب موسي الوادي، من قبل مجهولين ملثمين بمدينة المرج، وأوضحت الحقوقية سحر بانون، عبر صفحتها في مواقع التواصل الاجتماعي أن الوادي اختُطف من حفل زفاف شقيقه في مدينة المرج، مبينة أن الملثمين غادروا بسيارات فارهة.
ولفتت المحامية إلى أن الشقيق الأصغر لرضوان الوادي المقيم بفرنسا من سنوات يدير صفحة إلكترونية معارضة للسلطات التي تسيطر على شرق ليبيا، تختص بشؤون مدينة المرج، مؤكدة أنها نشرت هذا الخبر على صفحتها بناء على استغاثة أسرة موسى الوادي.
مديرية أمن بنغازي تعجز عن حماية مواطنيها
عياد الفسي، آمر ميليشيا أولياء الدم التابعة لخليفة حفتر، أقرّ الأحد 17 يناير/كانون الثاني 2021، بوجود انفلات أمني في بنغازي وبقية مناطق شرق ليبيا، جاء ذلك خلال كلمة للفسي عبر بثٍّ مباشر على صفحته بـ"فيسبوك"، عقب تعرّض ابنه "حمد" لمحاولة اختطاف في بنغازي.
وقال إنّ "بنغازي عادت إلى المربع الأوّل، اغتيالات سنة 2012 تحدث اليوم"، مؤكداً أن سبعة مواطنين قُتلوا في بنغازي خلال آخر ثلاثة أيام، منهم من تمّ قتله ورميه في البحر أو داخل عمارات الشركة الصينيّة.
العقيد ونيس الشكري، مدير مديرية أمن بنغازي، أطلق مناشدةً عبر صفحة المديرية بمواقع التواصل الاجتماعي بعد ازدياد وتيرة الجريمة والخطف والقتل، طالب فيها أهالي المناطق بحراسة شوارعهم وإيقاف كل سيارة غريبة عن الحي، ومعرفة سائقها وحاجته ووجهته، كما طالب أصحاب المحلات بتركيب عدسات مراقبة تغطي أكبر مساحة ممكنة، والعمل على تقديم التسجيلات التي تساعد على تعقب الجناة.
ووجه الشكري تعليمات لجميع رجال الشرطة، باعتبار كل سيارة مُعتِمة عبارة عن مشروع جريمة، ومن يتستر بداخلها عبارة عن قاتل أو هارب من العدالة حتى يثبت العكس، وأمر بالانتباه والحذر التام والغلظة والحزم في التعامل والتصويب المباشر باتجاه المركبة، استعداداً لمواجهة أي تصرف عدواني، وتفتيش المركبة ومَن بداخلها تفتيشاً شخصياً ودقيقاً، وبأن يعامل من يستقلها على أنه مجرم حتى يتم التأكد من عدم خطورته، وعدم استثناء أي مركبة، سواء كانت عسكرية أو مدنية بغض النظر عن تبعيتها وعمن يقودها.
وعلل الشكري ما يحدث من إرباك في الأداء الأمني في المدينة بأنه يعود إلى تداخل الاختصاصات وتعدد الأجهزة الأمنية بالمدينة، وأن أغلب الأجهزة تتجول بسيارات مدنية ولا تحمل اسم الجهة وتبعيتها، مشيراً أن الأمر في منتهى الخطورة، ويستدعي التنسيق التام وتناغم أداء الأجهزة الأمنية وتعاون المواطنين.