أدى توقف التدريس في المدارس، منذ منتصف مارس/آذار 2020، إلى التحاق الآلاف أطفال الأردن بسوق العمل، خصوصاً مع فقدان كثير من الأسر مصادر دخلها المعتادة بسبب تأثير تدابير الإغلاق على الوضع الاقتصادي.
وكالة الأنباء الفرنسية قالت السبت، 23 يناير/كانون الثاني 2021، إن هؤلاء الأطفال انضموا لنحو 76 ألف طفل عامل في الأردن، وفقاً لأرقام رسمية نشرت عام 2016، رغم أن القوانين تحظر عمل الأطفال تحت سن 16 عاماً.
جائحة كورونا تدفع أطفال الأردن للعمل
يشعر عمر ذو الـ14 عاماً، الذي عطلت جائحة كوفيد-19 حلمه بأن يصبح طياراً، بحسرة كلما مرّ صباحاً أمام مدرسته المغلقة في إحدى مناطق عمان الشعبية، وهو في طريقه إلى عمله في محل لإصلاح المدافئ.
يعمل عمر في محل لإصلاح مدافئ الجاز والغاز في منطقة الأشرفية الشعبية في عمان الشرقية، منذ نحو أربعة أشهر قرابة 12 ساعة يومياً، خصوصاً في ظل عدم فتح المدارس.
يقول الفتى أحد أطفال الأردن الذي اتسخت ملابسه ويداه بالسواد مبتسماً "آمل أن تنتهي هذه الجائحة لأعود لإكمال دراستي وتحقيق حلمي كي أصبح طياراً أجوب العالم".
لكن على التلميذ في الصف السابع الانتظار، فقد قررت الحكومة إعادة فتح دور الحضانة والمدارس للصفوف الثلاثة الأولى والثانوية العامة في السابع من الشهر المقبل، ولباقي الطلاب في الشهر الذي يليه.
يقول عمر بفخر "أنا أعمل كي أساعد أهلي في مصروف البيت"، فيما لا تزال مدافئ الجاز والغاز وسيلة تدفئة قليلة الكلفة وواسعة الانتشار في الأردن، وسط غلاء تكاليف المعيشة.
في ظروف قاسية وبمبالغ زهيدة
يشكو عمر من اتساخ ملابسه الدائم، وتطاير رائحة الجاز منها، قائلاً "عند عودتي إلى المنزل أغتسل وأستحمّ، لكن رغم ذلك تبقى رائحة الجاز تفوح من يديّ". ويشير الطفل البشوش إلى أنه بالكاد يجد وقتاً في المساء ليجلس مع شقيقته الصغيرة ووالديه، إذ ينام باكراً ليصحو باكراً.
يحصل عمر على ثلاثة دنانير يومياً، تساعد أسرته في إيجار البيت البالغ 130 ديناراً (نحو 183 دولاراً)، خصوصاً أن والده عامل باليومية، لم يعد يجد فرص عمل مثل عشرات الآلاف غيره منذ تفشي فيروس كورونا المستجد.
فيما ارتفع عدد أطفال الأردن العاملين من نحو 33 ألفاً عام 2007 إلى قرابة 76 ألفاً عام 2016، ويعمل نحو 45 ألفاً منهم في أعمال تصنف خطرة، وفقاً لأرقام رسمية.
بل ويعملون في أعمال لا تلائم أعمارهم
تقول ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في الأردن، تانيا شابويزات، لوكالة الأنباء الفرنسية "ليست لدينا أرقام جديدة محددة عن أطفال الأردن العاملين، لكننا نعلم أن الأرقام تضاعفت بين عامي 2007 و2016، ونعتقد أنه مع الجائحة ستكون الأرقام أسوأ".
تضيف "نشعر بالقلق من أن الأرقام في ارتفاع… من المنطقي أن ترتفع لأننا نعلم أن معدلات الفقر في ارتفاع".
بينما يقول خضر أبو زيد (58 عاماً)، الذي يؤجر عشرات العربات يومياً منذ نحو 24 عاماً في السوق الشعبي في منطقة الوحدات المكتظة بالسكان في عمان، إنه منذ إغلاق المدارس "زاد عدد أطفال الأردن الذين يستأجرون العربات".
يضيف أبو زيد "الآن الذين يقومون بالتحميل في السوق هم صغار بين 12 و17 عاماً"، ويجني كل منهم نحو 5 دنانير يومياً (نحو 7 دولارات) وأحياناً أكثر.
هذا ينطبق على مصطفى (12 عاماً)، الذي يصحو باكراً يومياً ليستأجر عربة ينقل عليها البضائع في السوق.
يقول مصطفى وهو ينتظر تسلم عربة استأجرها بعد أن تم إصلاحها "لا توجد مدارس الآن. أعمل منذ أشهر بشكل يومي، أنقل الخضراوات والدجاج في السوق". ويضيف وهو يدفع العربة "أعمل من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساء تقريباً".
ارتفاع مستويات الفقر
يجني مصطفى يومياً نحو 5 دنانير يدفع منها ديناراً واحداً إيجاراً للعربة، ويعطي النقود لأهله ليساعدهم، فشقيقاه ووالده عمّال باليومية لا يجدون عملاً كل الوقت.
بلغ معدل الفقر وفق الأرقام الرسمية في الأردن في خريف 2020، نحو 15,7%، بينما توقع البنك الدولي زيادة معدلات الفقر في المدى القصير 11%.
فيما ارتفع معدل البطالة في المملكة عام 2020 ليصل إلى نحو 23%، في بلد تجاوز دينه العام 102% من الناتج الداخلي.
إذ يقول مدير "المرصد العمالي الأردني" (غير حكومي)، أحمد عوض، إن "العاملين الأساسيين المؤثرين على زيادة أو نقصان عمل أطفال الأردن هما مستوى الفقر وفاعلية نظام التعليم في المرحلة الأساسية، والمساران تأثّرا سلباً" خلال الجائحة.
كما يوضح أن معدلات الفقر زادت بشكل ملموس مع انخفاض مستويات الأجور، نتيجة اختلال العرض والطلب والإغلاقات والإجراءات الحكومية، وهناك من سرّح من عمله. والجانب الثاني الأساسي هو التعليم، وكما تعلم في الفصلين الدراسيين لم يكن هناك تعليم وجاهي.
فشل نظام التعلم عن بعد
ترى منسقة منظمة العمل في الأردن، فريدة خان، أن وضع عمالة أطفال الأردن "مقلق"، خصوصاً مع عدم كفاءة نظام التعليم الإلكتروني. وتضيف: "معظم العائلات لديها مستوى بسيط من التعليم، ولا تتمكن من مساعدة أطفالها في التعلم عن بعد"، ناهيك عن تشتت ذهن الأطفال في المنزل.
كما تشير إلى أن الأهالي الذين يفقدون دخلهم يواجهون خيارات صعبة، فيدفعون أبناءهم إلى سوق العمل لتعويض الدخل المفقود، خصوصاً مع استمرار إغلاق المدارس.
تقول شابويزات "نعلم أن واحداً من كل أربعة أطفال الأردن لا يدخل إلى منصات التعلم عن بعد، وفقط 31% من مجموع الأطفال لديهم إنترنت". وتضيف "قد يكون نظام التعلم عن بعد فعالاً لبعض الأردنيين، ولكن يهمنا من هم الأكثر ضعفاً. وبالنسبة إلى هؤلاء القضية معقدة للغاية". بينما تسعى منظمة العمل الدولية لجعل العام 2021 عام القضاء على عمالة الأطفال.