أسئلة كثيرة غابت عن سياق الجدل الواسع الذي شهدته مصر خلال الأيام الأخيرة حول الأحاديث التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن تورط وزير الإعلام الراحل صفوت الشريف، أحد أبرز رجال عصر مبارك، في حادثة وفاة عازف الغيتار المصري الراحل عمر خورشيد، قبل 40 عاماً.
أهم تلك الأسئلة هو سبب تأخر الأخ غير الشقيق للفنان الراحل في توجيه الاتهامات لصفوت الشريف حتى وفاة الأخير، رغم أن الوقت كان مناسباً جداً لذلك عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
فهل كان الهدف انتظار وفاة الشريف حتى لا يكون قادراً على الرد على ما كيل له من اتهامات؟! ثم السؤال الأهم: لماذا كل هذا التاريخ الطويل من العداء بين الشريف وعائلة خورشيد والذي يبدو أنه عداءاً شخصياً وليست له علاقة بالدولة أو قسم السيطرة الذي كان الشريف يرأسه خلال عمله في المخابرات العامة بين عامي 1957 و1967؟!
توقفنا عند هذه الأسئلة لنبحث عن دور صفوف الشريف في احتمالية وفاة عمر خورشيد، الذي كان يلقب في زمنه بـ"ألفيس بريسلي" العرب؛ نظراً إلى التشابه في الشكل والجسم بينه وبين المغني الأمريكي الشهير الذي توفي قبل وفاة خورشيد بأربع سنوات فقط.
عداء صفوت الشريف لعائلة خورشيد بدأ بالوكالة قبل سنوات طويلة بسبب فتاة يهودية
وفقاً لمصادر قريبة من العائلة، قالت إن عداء الشريف لعائلة خورشيد قديم للغاية، وهو ليس عداءاً شخصياً، وإنما هو عداء "بالوكالة" بدأ حين كان صفوت الشريف أحد الضباط المقربين من صلاح نصر رئيس المخابرات العامة السابق، ويقوم بتنفيذ خططه "غير الأخلاقية"، كما يتداول ويعرف الجميع.
كان من شروط صلاح نصر، الولاء والخضوع التامَّين، بمعنى أن يكون أعداء صلاح نصر هم أعداء المقربين منه وأصدقاؤه أصدقاءهم.
كان صلاح نصر يكنُّ لأحمد خورشيد (والد عمر خورشيد) عداءاً وحقداً شخصياً بالغَين منذ أيام الشباب، لأن أحمد كان شاباً وسيماً من عائلة ثرية، بينما كان نصر غير وسيم ومُعدماً، نجح في الالتحاق بالكلية الحربية.
وكما عُرف فيما بعد، فإن صلاح نصر كان يحب فتاة يهودية حسناء في شبابه، لكنها رفضته لأنها كانت مُتيمة بحب أحمد خورشيد، وهكذا بدأ الحقد لدى نصر، ومن ثم صفوت الشريف ضد أحمد خورشيد وكل من ينتمون له.
وحول أسباب تأخر الأسرة في توجيه اتهامات لصفوت الشريف بالتورط في مقتل عمر خورشيد، رغم إزاحته من مناصبه ومحاكمته عقب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، وما إذا كان الهدف انتظار وفاته حتى لا يكون قادراً على الرد، تقول مصادر من العائلة، إن الكلام في حياة صفوت الشريف لم يكن مأمون العواقب، حتى وإن كان بعيداً عن السلطة، خصوصاً بالنسبة لأسرة عانت طوال 50 عاماً، من القهر والظلم والتنمر، على حد تعبيرها، بسبب شهادة والدته ضد صلاح نصر وصفوت الشريف في المحاكمة الشهيرة التي عُرفت بـ"محاكمة انحراف جهاز المخابرات" عام 1968.
مكالمة هاتفية واعتداء من 4 بلطجية يكشفان أن نفوذ صفوت الشريف لم ينحسر بعد ثورة يناير كما ظن البعض
وكان إيهاب خورشيد، شقيق الفنان الراحل عمر خورشيد، فجَّر الجدل قبل أيام بعد إعلانه الاتهامات لصفوت الشريف وكذلك إقدامه على إقامة عزاء لشقيقه عازف الغيتار الراحل، بعد 40 عاماً من وفاته عام 1981.
وقال إن والدته طلبت منه الابتعاد عن المشاكل، لأن صفوت "إيده طايلة" وهو تعبير عامي مصري يعني قدرة الشخص على إيذاء من يريد دون أن يفعل ذلك بشكل علني أو أن يكون في منصب رسمي، وقد جربوا كأسرة، هذا الأمر بشكل عملي، حين أدلت اعتماد خورشيد بحوار صحفي لمجلة الإذاعة والتلفزيون عقب تنحي مبارك، كان عنوانه (اعتماد خورشيد شاهدة على انحرافات صفوت الشريف).
بعد نشر الحوار، تعرض الصحفي الذي أجراه، للاعتداء من قِبل 4 بلطجية أبرحوه ضرباً، كما تلقت هي شخصياً مكالمات هاتفية هددتها بالقتل إن واصلت الكلام عن رئيس مجلس الشورى ووزير الإعلام الراحل، ما اضطرها إلى التوقف بالفعل، خصوصاً بعدما أبلغت الشرطة بفحوى مكالمات التهديد دون أن يحدث شيء.
ومن يومها أدركت الوالدة- والكلام لإيهاب- أن نفوذ صفوت الشريف لم ينحسر كما كان الجميع يظنون.
يُذكر أن صفوت الشريف كان قد أبدى انزعاجه من تطرق السيدة اعتماد خورشيد، المعروفة بإثارتها للجدل، إلى الحديث عنه بشكل مسيء، وذلك في تصريحات صحفية نُشرت عام 2012، قائلاً إن ما سمعه عن نية خورشيد إصدار كتاب عما تزعم أنها انحرافاته، دفعه إلى الإسراع بكتابة مذكراته، حيث يقوم بتلك المهمة صحفي كبير، بحسب وصفه.
وكان من المقرر أن تحمل المذكرات عنوان "شهادتي للمصريين"، لكن هذه المذكرات، وكذلك كتاب السيدة اعتماد خورشيد عن انحرافات صفوت الشريف، لم يريا النور حتى الآن، رغم تداول صور لأغلفة كتاب خورشيد المزعوم حول انحرافات الشريف.
مقتل عمر خورشيد سببه تهديده لصفوت الشريف لمنعه من مضايقة سعاد حسني
تقول الحكايات التي رُويت عن مقتل عمر خورشيد وأسباب تورط صفوت الشريف في مقتله، إن الأخير كان مستمراً في مضايقة النجمة الراحلة سعاد حسني حينما كان رئيساً للهيئة العامة للاستعلامات، في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، رغم ابتعاده عن المخابرات وقسم السيطرة الذي كان يقوم بأعمال تجنيد الفنانات والفتيات لتقديم خدمات جنسية لكبار زوار مصر من زعماء ورؤساء دول العالم وكذلك كبار المسؤولين الأجانب الزائرين لمصر، وكانت سعاد حسني واحدة من الفنانات اللاتي أُجبِرن أو شاركن في أعمال قسم السيطرة.
ونسب البعض، ومنهم إيهاب خورشيد نفسه، إلى مذكرات سعاد حسني التي لم ترَ النور بدورها إلا في حلقات غير موثقة ببعض الصحف المصرية، أن عمر خورشيد ذهب الى مكتب الشريف، في نهاية السبعينيات، ليطلب منه بحزمٍ أن يترك سعاد حسني في حالها، وهدده بكلمات واضحة: "سعاد تاني لأ.. فاهم يا صفوت".
وكان هذا الموقف سبباً في اشتعال كراهية صفوت الشريف لعمر نجل أحمد خورشيد الذي يكنَّ له الشريف حقداً قديماً (بالوكالة)، فدبَّر الرجل خطة مُحكمة للإيقاع بالعازف الشهير الذي كان يعيش أيام مجده الفني والاجتماعي، بعدما رافق الرئيس الراحل أنور السادات إلى منتجع كامب ديفيد خلال مفاوضات السلام مع إسرائيل (تم توقيع المعاهدة في سبتمبر/أيلول من عام 1979)؛ لعزف بعض الألحان المصرية في الحفل الذي تلا توقيع المعاهدة، وذلك بحسب الروايات المنشورة في بعض وسائل الإعلام دون تأكيد قاطع بشأنها.
قصة حب أحمد خورشيد وجيهان السادات ليست أكثر من شائعة..
تمثلت خطة صفوت الشريف -كما قيل- في إطلاق شائعة عن قصة غرام جمعت خورشيد بجيهان أصغر بنات السادات التي كان يطلق عليها اسم "نانا" للتدليل، والتي كانت متزوجة، بالفعل، بمحمود نجل رجل الأعمال الشهير في ذلك الوقت عثمان أحمد عثمان، أحد المقربين من السادات وصاحب النفوذ الكبير في عهده.
علِم السادات بالشائعة وغضب منها بشدة، فعرض عليه صفوت الشريف -حسبما جاء في مذكرات سعاد حسني، أن يتصرف في الأمر فوافق الرئيس الراحل، على أن يكون تصرفه قانونياً.
وبالفعل دبَّر صفوت عدداً من الحوادث لعمر خورشيد، أولها قبل وفاته بأربعة أشهر حين اصطدمت سيارته بسيارة نقل، فتهشمت تماماً، ولكنه نجا هو وزوجته من الحادث. وقبل وفاته بعشرة أيام، انتشرت شائعة بأن الطائرة التي أقلَّته مع بعض الفنانين إلى أستراليا، سقطت بهم، فبدأ يشعر بأنه مستهدف، خاصةً مع التهديدات التي كانت تصل إليه من بعض عناصر المقاومة الفلسطينية، بسبب اشتراكه في حفل البيت الأبيض وحضوره توقيع معاهدة كامب ديفيد التي كانت غالبية الدول العربية تعارضها وقطعت علاقاتها مع مصر آنذاك لهذا السبب.
ثم جاء موعد النهاية في 29 مايو/أيار من عام 1981، بعد خروج عمر خورشيد من كازينو رولاند في شارع الهرم حيث كان يحضر حفلاً مع زوجته والفنانة الراحلة مديحة كامل، وخلال قيادته سيارته فوجئ بثلاثة أشخاص يركبون عربة "بويك فان" خضراء اللون نُزعت منها اللوحات المعدنية، يسبونه هو وزوجته بأفظع الألفاظ وتقدموا أمامه كأنهم يستفزونه، فطاردهم بطول شارع الهرم على سرعة بلغت 130 كيلومتراً في الساعة حتي بلغت السيارتان نهاية الشارع الذي كان ينحرف يميناً، وفي هذا المنعطف الخطر ضايقته السيارة الخضراء، لتختل عجلة القيادة في يديه ويصطدم بالجزيرة المتوسطة بعنف ويطير جسده من الزجاج الأمامي الذي تسبب في جروح ذبحية ثلاثية بالرقبة والصدر، واصطدم جسده بعدها بعمود الإنارة فحدث به عدد من الكسور، كما جاء بتقرير الطبيب الشرعي، ومات عمر في مستشفى المواساة.
كاتب مصري: ما يقال عن تورط صفوت الشريف في حوادث قتلٍ كلامٌ مرسل هدفه الشهرة
كاتب كبير بإحدى الصحف القومية المصرية، الذي رفض التصريح باسمه، علَّق على ما قاله إيهاب خورشيد وما نُسب إلى مذكرات الفنانة الراحلة سعاد حسني حول تورط صفوت الشريف في مقتل عازف الغيتار الراحل، بقوله إن كل ما يقال ليس سوى كلام مرسل.
وأضاف الكاتب أن "قصة غرام عمر خورشيد مع جيهان ابنة السادات، هي الأخرى قصة مختلقة، وكنت شاهداً عليها وقت حدوثها بحكم عملي مسؤولاً عن التحرير في ذلك الوقت، فعمر كان متزوجاً بالسيدة دينا وأيضاً المطربة مها أبو عوف، وكانتا زوجتيه الثالثة والرابعة، أي إنه كان يملك حياة عاطفية حافلة، وفي المقابل كانت السيدة جيهان السادات متزوجة بالمهندس محمود عثمان في عام 1977، وبالتالي فإنَّ تخيل وجود علاقة عاطفية بين الاثنين أمر غير معقول ولا مقبول، خصوصاً مع التربية الريفية المنضبطة التي كان السادات يفرضها على بناته.
وحتى لو افترضنا جدلاً أنها صحيحة، فلماذا ترك السادات، صفوت الشريف يقتل العازف رغم أنه في مرات أخرى، تصرَّف بشكل طبيعي وعقلاني مثلما فعل حين طلب من ابنته كاميليا الطلاق من زوجها السوري، لأنه يستغل نسبه معه في التربح، وإذا سلمنا بأن صفوت تصرَّف دون علمه، ألم يساور الشك الرئيس -ولو للحظة واحدة- أن حادث السيارة يمكن أن يكون مدبراً؟! ثم إن شهادة زوجة عمر خورشيد لم تشِر إلى أن الحادث مدبر".
ويختم الكاتب تصريحه، بالإشارة إلى أن صفوت الشريف في ذلك الوقت لم يكن على صلة بجهاز المخابرات نهائياً، بعدما تم فصله منه عقب قضية انحراف جهاز المخابرات، فكيف دبَّر الحادث؟!
الفنانة شريهان آخر ضحايا صفوت الشريف "المفترضين" من عائلة خورشيد
الغريب أن علاقة صفوت الشريف الدامية مع عائلة خورشيد لم تتوقف عند الاتهامات الموجهة له بإجبار السيدة اعتماد خورشيد على تقديم خدمات جنسية من خلال قسم السيطرة التابع له، ولا التورط في مقتل عمر خورشيد، وإنما امتدت إلى الفنانة شيريهان وهي أخت عمر من والدته السيدة عواطف هاشم، التي تزوجت بعقد عرفي بعد طلاقها من أحمد خورشيد وأنجبت طفلة واحدة هي شريهان.
وبعد ذيوع نجومية الفنانة الشابة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، عقب نجاحها في تقديم فوازير رمضان على التلفزيون المصري، ربطتها شائعات متعددة بعلاقة غرامية مع علاء نجل الرئيس الراحل حسني مبارك، ثم فجأة تعرضت لحادث سيارة عنيف في عام 1989 تسبب في إصابتها بكسور متعددة في عمودها الفقري، ووُضعت في قميص من الجص لمدة زادت على عامين، ما اضطرها إلى اعتزال الفن مؤقتاً والابتعاد عن الأضواء.
اللافت في الأمر أن الحادث وقع في الشهر نفسه (مايو/أيار) الذي لقي فيه أخوها عمر خورشيد حتفه في حادث سيارة، لكن بفارق أيام بسيطة، حيث وقع حادث شريهان في الرابع والعشرين من الشهر، فيما وقع حادث عمر في التاسع والعشرين منه.
وظهرت في ذلك الوقت شائعة بأن الفنانة الشابة لم تصب في حادث سيارة، وإنما تم إلقاؤها من شرفة بالدور السابع لأحد فنادق القاهرة الفخمة، حيث كان يُفترض أن تلتقي علاء مبارك، وقيل إن المسؤول عن تدبير محاولة قتلها هو صفوت الشريف الذي كان مقرباً من السيدة سوزان مبارك، زوجة الرئيس الراحل، فطلبت منه أن يريحها من تلك "الدوشة" فدبَّر للمسألة، ثم أمر رجاله بحمل الفنانة الشابة في سيارة وتدبير حادث يؤدي إلى تهشُّمها على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي.
لكن اللافت في هذا الاتهام أن شريهان نفسها نفته، وذلك في فيديو قديم لها، حيث أكدت أنها تعرضت لحادث سيارة تسبب في إصابتها، كما أن مدير أعمالها، جمال أنور، نفى في أكثر من مناسبة، شائعة ارتباطها بعلاقة عاطفية مع علاء مبارك، وأن الحادث الذي أصيبت فيه كان مدبراً.