“حماية المستهلك” يحاول منع الصفقة بلا جدوى.. تحالف استثماري إماراتي بـ15 مليار جنيه لاحتكار الرعاية الصحية بمصر

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/19 الساعة 18:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/22 الساعة 10:49 بتوقيت غرينتش

اقتحمت الشركات الإماراتية قطاع الرعاية الصحية واستحوذت على العديد من المستشفيات الخاصة الكبيرة، وامتدت عمليات الاستحواذ لتشمل معامل التحاليل الطبية ومراكز الأشعة، التي تنتشر فروعها في جميع المحافظات المصرية، إلى جانب اقتحام استثمارات سوق الدواء.

لكن الاستثمار بدأ يأخذ منحى مختلفاً ويتحول إلى احتكار وسعي دؤوب لتأسيس كيانات جديدة، إذ أعلنت مجموعة مستشفيات كليوباترا الإماراتية عن دخولها في اتفاقية مشروطة للاستحواذ على مجموعة ألاميدا الطبية الإماراتية. 

وفي تحدٍّ لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الذي أعلن رفضه لصفقة الاندماج قالت المجموعة في بيان لها: إنه من المتوقع إتمام الصفقة وبدء عملية التشغيل في النصف الأول من 2021، بعد استيفاء الشروط والموافقات المطلوبة من الجهات الحكومية والرقابية من بينها وزارة الصحة والسكان وجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والهيئة العامة للرقابة المالية، وكذلك موافقة الجمعية العامة العادية للشركة، وتحقق الشروط المسبقة لتنفيذ الصفقة.

قدرت مصادر تحدثت إليهم "عربي بوست" نسبة "ألاميدا" في الصفقة 

بـ7 مليارات جنيه تقريباً، في حين تبلغ القيمة السوقية لشركة كليوباترا في البورصة نحو 8 مليارات جنيه، وبذلك تعد الصفقة الأكبر في تاريخ قطاع الرعاية الصحية في مصر والشرق الأوسط لما سينتج عنها من كيان ضخم تصل قيمته السوقية لأكثر من 15 مليار جنيه.

خطورة الاندماج..

 يحاول جهاز حماية المنافسة عرقلة الاندماج بين الشركتين باعتبارهما من عمالقة الرعاية الصحية بالقطاع الخاص في مصر، فبعد الإعلان عن توقيع الصفقة أصدر قراراً مبدئياً بعدم الموافقة على صفقة الاستحواذ لأنها تساهم في رفع أسعار الخدمات الطبية وانخفاض جودتها وطالب وزارة الصحة بوقف صفقة الاندماج بين المجموعتين.

وذكر بيان مجلس إدارة الجهاز أن الاستحواذ المذكور يؤدي إلى خلق كيان احتكاري في سوق الرعاية الصحية في نطاق محافظتي القاهرة والجيزة، من خلال تعزيز هيمنة شركة كليوباترا على مستشفيات الدرجة الأولى والثانية في نطاق 80 كيلومتراً أو نطاق محافظتي القاهرة والجيزة على أقصى تقدير باعتباره سوقاً معنية منفصلة، مشيراً إلى أنه من شأن ذلك أن يؤدي إلى "التأثير بالسلب على قطاع الرعاية الصحية الخاصة في مصر وإضعاف فرص الاستثمار المحتملة أو المرجوة في هذا القطاع".

ومن الآثار السلبية المحتملة "سيطرة شركة كليوباترا على الكفاءات الطبية من الأطقم الطبية المختلفة، واحتكار تخصصات بعينها، والتحكم في أجورهم لعدم وجود بديل أو منافس قوي يمكن الاستعاضة به".

لذلك خاطب وزارة الصحة لتفعيل المادة رقم 2 من قرار وزير الصحة رقم 497 لسنة 2014، والذي ينص على أنه "يحظر التصرف في المستشفيات الخاصة ومصانع الأدوية بأي نوع من التصرفات القانونية، إلا بعد الرجوع للإدارة المختصة بوزارة الصحة والحصول على موافقة كتابية منها بإجراء التصرف، بعد التأكد من عدم المساس بحقوق المرضى وعدم التأثير على توفير الدواء اللازم لعلاجهم وكذلك التأكد من حقوق الأطباء والعاملين بالمنشأة".

كما أكد على أن "الجهاز قام بالتنبيه على الشركات بضرورة موافاته بأوراق الاندماج قبل إتمامه لفحصها في ضوء اختصاص الجهاز الوارد في المادة 6 فقرة 2 من قانون حماية المنافسة".

أصل الشركتين.. 

بالبحث عن جنسية الشركتين وجدنا أن مجموعة كليوباترا المدرجة في البورصة المصرية تشكلت من اندماج عدة شركات بقيادة شركة الاستثمار المباشر السابقة "أبراج" الإماراتية، وتعد شركة "كير هيلث كير" أكبر مساهميها بحصة 37.73%. وتمتلك المجموعة 6 مستشفيات كبيرة في القاهرة والجيزة، منها مستشفى كليوباترا بمصر الجديدة، والنيل بدراوي، والشروق، والقاهرة التخصصي، وكوينز وقد استحوذت على مستشفى الكاتب بالدقى في نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٩. 

أما شركة "ألاميدا" فالمسيطر الرئيسي عليها هم مجموعة من المستثمرين الإماراتيين ومقرها أبوظبي، وكانت المنافس الأساسي لكليوباترا، وينقسم هيكل ملكيتها مناصفة بين الرئيس التنفيذي دكتور فهد خاطر ومجموعة KBBO الإماراتية، وتمتلك وتدير من خلال شركاتها التابعة أربعة مستشفيات وعدداً من المراكز الطبية، فهي تمتلك حصصاً مؤثرة بمستشفي السلام الدولي في المعادي وفي القطامية (ستعمل خلال النصف الأول من 2021)، ومستشفي دار الفؤاد في السادس من أكتوبر، ومدينة نصر، إلى جانب معامل يوني لاب للتحاليل الطبية وشركة إلكسير للمناظير ومجموعة عيادات طبيبي والمركز الألماني لإعادة التأهيل.

يؤكد مصدر بوزارة الصحة لـ"عربي بوست" أن الكيان الجديد ينضوي تحت مظلته الأسماء الأهم والأبرز للمستشفيات لتحتكر مجموعة  كليوباترا الرعاية الطبية الخاصة في القاهرة الكبرى بلا منازع، موضحاً أن الطاقة السريرية للكيان الجديد ستصل إلى 1450 سريراً، حيث تضم مستشفيات ألاميدا نحو 671 سريراً طبياً مجهزاً، بينما تضم كليوباترا 779 سريراً، وبذلك تضع الاتفاقية تحت قبضته نحو 15% من إجمالي عدد الأسرة المتواجدة في المستشفيات الخاصة بالقاهرة الكبرى.

وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2018 والمنشورة في إبريل/نيسان 2020 فهناك نحو 131 ألف سرير منها 95680 تملكها الدولة، و35320 يملكها القطاع الخاص في جميع المحافظات. وبعد الصفقة المذكورة آنفاً ستمتلك كليوباترا نحو 4% من إجمالي عدد الأسرة التي يملتلكها.

ويحذر من أن الصفقة في حال إتمامها ستؤثر على أكثر من أربعة ملايين مريض، مبيناً أنه وفقا للإحصائيات الأخيرة، هناك 3.5 سرير لكل عشرة آﻻف نسمة، أي أن عدد الأسرة الموجودة بالكيان الجديد ستتحكم في أرواح 4.142.857 مصرياً.

وسبق أن حذر تقرير صادر عن هيئة الرقابة الإدارية، نشرته صحيفة "المصري اليوم" (خاصة)، في 2016، من أن هيمنة الإمارات على القطاعات الطبية في مصر تشكل "تهديداً للأمن القومي المصري". كما حذرت من وجود شبهة "غسيل أموال" ووجود شبهات حول الغرض من الشراء والاستحواذ على عدد كبير من المنشآت الصحية، لكن التقرير الذي حمل صفة "سري" دخل الأدراج المغلقة تاركاً رقبة المرضى تحت مشرط أسعار المستشفيات.

قانون الاستثمار ليس به بند لحماية الخدمة الصحية من الاحتكار

يذكّر المصدر بتجربة المرضى السيئة مع تجاوزات المستشفيات الخاصة في ظل أزمة كورونا، وطلب المستشفيات مبالغ باهظة لاستقبال المصابين خاصة في وحدات العناية المركزة، وحدد بعضها سعر الرعاية الطبية بـ30 ألف جنيه في الليلة الواحدة لمرضى كورونا، ووصل الأمر إلى أن أحد المستشفيات قام باحتجاز مريض بسبب عدم قدرته على سداد تكلفة الخدمة الصحية.

وعندما تصدت وزارة الصِّحة المصرية للأسعار ووضعت حداً أقصى قيمته 10 آلاف جنيه كسعر لليلة الواحدة بالرعاية المركزة رفضت المستشفيات الخاصة تقديم الخدمة العلاجية لمصابي "كورونا" وفق الأسعار المعلنة.

وأضاف أن قانون الاستثمار ليس به بند لحماية الخدمة الصحية من الاحتكار، مرجعاً السبب إلى أن عملية البيع والشراء، تتم من مؤسسات خاصة لمثيلتها، ويتوقع أن الاندماج سيدفع المحتكر إلى فرض سطوته والتحكم في رفع أسعار الخدمة دون أي معوقات قانونية.

 يشير المصدر إلى أن السيناريو الأسوأ لصفقة الاستحواذ ستتضح معالمه بعد فترة قصيرة وهو تمركز الكوادر الطبية ذات الكفاءة في الكيان الأكبر، مما سيؤدي إلى تراجع جودة الخدمات الصحية في المستشفيات الأخرى.

ويبدي دكتور محمود مدير أحد المستشفيات الخاصة بمنطقة الزيتون بالقاهرة تخوفه من احتكار الطب من خلال رؤوس أموال متعددة الجنسيات، ويشير إلى أن وجود تمركز صحي كبير في منطقة ما تحت مسميات مختلفة استحواذ أو اندماج من شأنه أن يسيء لمناخ الاستثمار، لأنه سيضر المستشفيات الصغيرة ويعجزها عن تقديم عروض تنافسية، فضلاً عن أنه  يوصد الباب أمام أي استثمارات طبية في النطاق الجغرافي المسيطر عليه والنهاية تكون لغير صالح المريض ووقتها سيصبح فريسة سهلة تتلقفه تلك المستشفيات.

ويؤكد الطبيب الخمسيني أن استحواذ شركة على أخرى قائمة بالفعل ليس استثماراً لكنه نوع من المضاربة، فالمستشفيات بعدما كانت تعمل جاهدة لمنافسة مستشفيات أخرى من خلال تقديم خدمة صحية أفضل وأسعار تنافسية بمرور الوقت بعد انفرادها بالكعكة سيتغير الوضع وتنشغل بجني الأرباح ووضع بنود إضافية تصل من خلالها لجيوب المرضى، فالاستثمار لا يعرف سوى الربح، وفي مجال الرعاية الطبية لا ينظر إلى الطب كمهنة إنسانية سامية ونبيلة بل صفقة غير قابلة للخسارة. 

وحذر من تأثير الصفقة على قانون التأمين الصحى الشامل وخدمات الطوارئ الإلزامية التي بدأت الدولة تطبيقها بشكل تدريجي في عدد من المحافظات، ويشمل باقي الجمهورية خلال السنوات العشر القادمة.

 ويوضح أن الجودة العالية شرط أساسي للتعاقد مع المستشفيات في قانون التأمين الصحي الجديد بغض النظر عن طبيعتها حكومية أو خاصة، ولا شك أنه يتربع على القائمة المستشفيات الخاصة بالإمارات والسعودية ومستشفيات الجيش لما تمتلكه تلك المستشفيات من بنية تحتية قوية، ومعايير مطابقة لقانون التأمين الصحي، وذلك سيجعلها في مقدمة المستشفيات المستهدفة، ووجود تكتلات وكيانات مندمجة من المستشفيات سيضعف القدرة على التسعير المناسب للمواطن وسيرفع أسعار الخدمات الطبية عليه وبعد فترة ستجد وزارة الصحة نفسها عاجزة عن التحكم في مجريات الأمور، بعدما يصبح الكيان المنبثق عن الاستحواذ كياناً اقتصادياً لا غنى عنه في تقديم الخدمات الصحية. 

لماذا لم يتولّ جهاز حماية المنافسة وقف الصفقة مباشرة دون الطلب من وزارة الصحة؟

يجيب عن ذلك عضو بالجهاز قائلاً لـ"عربي بوست": "القوانين والتشريعات التي تحكم مصر من الخمسينيات لا تمنحنا صلاحيات لمراقبة الاندماجات والاستحواذات، مما يؤثر بالسلب على دورنا في منع الممارسات الاحتكارية، والمشكلة الأكبر أن الجزء الأكبر من الاقتصاد المصري قطاع غير رسمي والحصول على البيانات والمعلومات اللازمة لأداء عملنا سواء من جهات حكومية أو سيادية أو شركات قطاع خاص مسألة شديدة الصعوبة إن لم تكن مستحيلة وكل ذلك يؤثر على الاقتصاد الوطني والمستهلك والحكومة هي من تدفع الفاتورة وظهر ذلك جلياً في أزمة كورونا".

ويرى المصدر أن المادة 19 من القانون رقم 3 لسنة 2005 المنظم لعمل الجهاز والتي تنص على "يقوم أي شخص أو كيان يتجاوز رقم أعماله السنوي 100 مليون جنيه مصري بإخطار الجهاز بأي عمليات للاندماج والاستحواذ يقوم بها خلال 30 يوماً من التاريخ المحدد لدخول عملية الاندماج أو الاستحواذ حيز التنفيذ" لا تمنح الجهاز سلطة التصديق أو الموافقة المسبقة على عمليات الاندماج ولا يمنعها ولا يعاقب عليها حال تمامها بأي شكل من الأشكال، لأن كل ما على الجهة المقصودة هو فقط إخطار الجهاز بالصفقة!.

ويحذر المصدر من آثار الصفقة على الاقتصاد المصري وحقوق المواطنين والمرضى، فضلاً عن خلق كيان مسيطر داخل الدولة المصرية، يمثل عائقاً أمام دخول استثمارات جديدة في قطاع الخدمات الطبية، ذات كفاءة عالية، كما أنه يقيد استثمارات قطاع التأمين الطبي، بما يزيد من معدلات التضخم، الأمر الذي يترتب عليه الإضرار بحرية المنافسة في السوق المصرية بشكل لا يمكن تداركه.

خرق للقانون

ويلمح المصدر إلى أنه في حالة موافقة وزارة الصحة على إتمام الصفقة  سيكون على الجهاز إثبات أن الاندماج يشكل خرقاً لقانون حماية المنافسة ويستخدم صلاحياته ويفرض غرامات ويضع اشتراطات لما بعد الاندماج.

تأتي صفقة مجموعة كليوباترا بالرغم عن تقرير صادر عن جهاز المنافسة والأسواق الإنجليزية (CMA) بأن عمليات الاندماج بين مستشفيين يقدمان خدماتهما لنفس مناطق التركز السكاني، تؤدي إلى زيادة معدلات الضرر على المرضى، بنسب تصل إلى 41% ممثلة في ارتفاع معدلات الأخطاء الطبية والعلاجية والوفيات، ما لم يكن وراء ذلك الاندماج فوائد طبية معينة وأنه كلما زاد عدد الكيانات المتنافسة التي تقدم خدمات الرعاية الصحية للمرضى كان أفضل على صعيد جودة الخدمة لأن هناك علاقة عكسية- إلى حد ما- بين تركز الخدمات والجودة.

لكن عمرو. ص باحث اقتصادي بوزارة الاستثمار أكد لـ"عربي بوست" أن الجهاز يفتقد الأدوات الرقابية والتنفيذية التي تمكنه من القيام بدوره المنصوص عليه في القانون الحالي، مما يجعل قرارات الجهاز مجرد حبر على ورق وليس لها أهمية إلا إذا تبنتها جهات أخرى أهمها وزارة الصحة.  

وأوضح أنه على الرغم من سماح القانون بفرض غرامات مالية بنسب محددة من إيرادات الشركة المخالفة، إلا أن القانون لا يسمح للجهاز بفرض هذه الغرامات بنفسه ولكن بحكم المحكمة بناء على دعوى جنائية يحركها الجهاز وتستغرق القضية ما يقرب من خمس سنوات وهي فترة طويلة تسلب الجهاز قدرته على وقف الممارسات الاحتكارية الضارة، وطالما استمر قانون المنافسة بطبيعة جنائية فإنه لن يحقق الردع المطلوب، ومن الضروري إضافة مادة تنص بوضوح على وجوب اعتماد الجهاز لعمليات الدمج وموافقته قبل إجراء عملية الاندماج أو الاستحواذ بمدة زمنية لا تقل عن سنة.

لم تكن صفقة الاستحواذ الحالية جديدة على القطاع الطبي وتمت إثارتها في فبراير/شباط 2020، حيث تفاوضت مجموعة كليوباترا وألاميدا بشأن صفقة استحواذ الأولى على الثانية عبر سداد %50 نقداً، والباقي في صورة أسهم يمتلكها مساهمو ألاميدا، وقد أبدى جهاز حماية المنافسة تحفظه على الصفقة وذكر في بيان له "إن إتمام الصفقة يترتب عليه وقوع ضرر جسيم على المنافسة، وعلى الفرص الاستثمارية في هذا القطاع الحيوي والمهم للمواطنين، والتي ينبغي أن تظل تقدم بصورة تنافسية لضمان جودة تقديم الخدمة بأسعار ملائمة، وضمان عدم تأثر خدمات التأمين الطبي وغيرها من الخدمات والأطراف المعنية".

لكن صفقة الاستحواذ المزمعة توقفت بسبب تعرض بعض المستثمرين لأزمة مالية؛ بعدما أعلن 15 بنكاً و12 شركة إماراتية أنهم غير قادرين  على سداد التزامات تزيد قيمتها على 10 مليارات درهم.

هل تساعد الأجهزة السيادية على إتمام الصفقة رغم اعتراض جهاز حماية المنافسة؟!

إلى لحظة كتابة التقرير لم يكن هناك رد حكومي على ما قاله جهاز حماية المستهلك إزاء تلك الصفقة الضخمة، وهل تعتبرها ضمن الاحتكار الطبي في مصر أم لا؟!

على الجانب المقابل أعلن الرئيس التنفيذي لمجموعة مستشفيات كليوباترا في مؤتمر هاتفي مع المستثمرين عن اتفاق الاستحواذ وأنهم بانتظار الحصول على موافقة الجهات التنظيمية، مع التوقعات بإتمام الصفقة قبل نهاية النصف الأول من 2021 وأنهى مسؤولو كليوباترا المؤتمر دون الرد على سؤال بشأن إمكانية الحصول على إقرار اتفاق الاندماج من جانب جهاز حماية المنافسة، والذي عبر مؤخراً عن معارضته للصفقة المزمعة.

يرجح عضو بنقابة الأطباء إتمام الصفقة على الرغم من الرفض القاطع لها من عدة جهات قائلاً بسخرية: "مستشفيات كليوباترا لها وضع خاص "جداً" لأنها مدعومة من جهات عليا"، مستكملاً "عندها واسطة يعني"، وبعيداً عن أنها استثمارات إماراتية، فأحد أعضاء مجلس الإدارة هو عوض تاج الدين وزير الصحة السابق والمستشار الحالي للرئيس المصري ويضم مجلس إدارة مستشفى "كليوباترا" أيضاً وزير التجارة المصري السابق "طارق قابيل"، ونائب رئيس جهاز المخابرات السابق "عمر قناوي"، ما يعني أن أذرعاً لأجهزة سيادية ضالعة في الأمر وستحاول الضغط على الجهات المسؤولة لتمرير الصفقة.

ويوضح المصدر- الذي رفض ذكر اسمه – أنه في إبريل/نيسان الماضي، جرى تعديل القانون 162 لعام 1958، المعروف بـ"قانون الطوارئ"، بما يمنح الرئيس المصري صلاحيات جديدة، من أبرزها إعادة توجيه المستشفيات الخاصة وأطقمها لمساعدة نظام الرعاية الصحية العامة لفترة محددة، لكنه لم يتم تفعيل هذا البند في تعديلات قانون الطوارئ، رغم شكاوى المرضى بسبب مبالغة المستشفيات الخاصة في الأسعار المقدمة لخدمات علاج مصابي "كورونا"، مرجحاً أن يكون مستشار "السيسي" شخصاً مؤثراً في اتخاذ مثل هذا القرار.

لماذا الصفقة في هذا التوقيت؟

مصدر بوزارة الصحة كشف لـ"عربي بوست" أن هناك من نصح مجموعة كليوباترا بالإسراع بإتمام الصفقة خوفاً من تعرقلها بسبب توتر العلاقة بين القاهرة وأبوظبي، فضلاً عن اتجاه البرلمان الحالي  لتعديل قانون حماية المنافسة الحالي 3 لسنة 2005 بعدما أقره مجلس الوزراء في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والذي يوسع صلاحيات جهاز منع الاحتكار لوقف مثل تلك الصفقات والتصدي لها، لذلك عجَّلت مجموعة كليوباترا بإتمام الصفقة لتخلق كياناً مسيطراً في قطاع شديد الحيوية، بطاقة سريرية 1450 سريراً من أسرة الرعاية "الفاخرة" في القاهرة الكبرى.

ويتخوف المصدر من أن يكون قرار نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة بتعيين د.محمود ممتاز رئيساً لمجلس إدارة جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بداية من الشهر الجاري وبعد الإعلان عن الصفقة بأيام قليلة واعتراض الجهاز عليها، تمهيداً للموافقة على الصفقة.

ويطرح المصدر فرضية تدخل العلاقات السياسية الإماراتية المصرية في الدفع لإتمام الصفقة تحت مبرر خلق مناخ جيد للمستثمر، ويشير إلى أن المصالح الاقتصادية مكون رئيسي في علاقات الدول، فهناك دول تدعم شركاتها على حساب دول أخرى، لكن في الحالة المصرية وفي ظل الوباء المتفشي سيزيد من من صعوبة الوضع الصحي في مصر وستكون الأرباح على جثث المرضى.

فهل تتبنى حكومة السيسي قرارات الجهاز، ويكون لها دور رقابي عن طريق وزارة الصحة لطبيعة العمل بتلك المستشفيات، وترفض الصفقة خصوصاً في ظل الأزمة التي يعاني منها القطاع الصحي في مصر حالياً، بسبب فيروس كورونا، ونقص الإمكانيات الطبية عموماً، وهل سيضع البرلمان الحالي قوانين تعطي صلاحيات رقابية لمنع الاحتكار وتضع ضوابط للربح من القطاع الصحي، أم سيترك الوضع على ما هو الآن وتصبح المستشفيات الخاصة خارج سيطرة الحكومة والدولة وتترك المرضى فريسة  لأسعار الخدمات التي تقدمها تلك المستشفيات والمختبرات التي تقع في حيازتها، ويقتصر الانتفاع على الأثرياء في ظل دخول الطبقة المتوسطة حيز العجز عن الانتفاع بالخدمات المقدمة من القطاع الخاص.

علامات:
تحميل المزيد