يعود المعارض الروسي أليكسي نافالني، الأحد 17 يناير/كانون الثاني 2021، إلى روسيا، رغم تهديد القضاء في بلاده باعتقاله، وذلك بعدما كان يتعافى منذ أشهر عدة في ألمانيا، مما قال إنها عملية تسميم تعرّض لها.
نافالني يعود إلى روسيا
ومنذ أن أعلن نافالني، خصم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الأربعاء الماضي، نيته العودة إلى البلاد، حذرته مصلحة السجون الروسية، مؤكدة أنها ستكون "ملزمة" باعتقاله لانتهاكه شروط حكم بالسجن مع وقف التنفيذ صادر في 2014، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
لكنّ نافالني (44 عاماً)، اعتبر الأمر محاولة لـ"تخويفه"، وبدلاً من ذلك دعا أنصاره للمجيء إلى استقباله في مطار فنوكوفو في موسكو، حيث من المقرر أن تحط طائرته الساعة 19,20 مساء (16,20 بتوقيت غرينتش).
في هذا الصدد، أعلن أكثر من ألفي شخص على فيسبوك، أنهم يعتزمون الحضور والترحيب بنافالني، لكنّ القضاء حذّر من المشاركة في أي "حدث عام" غير مسموح به في مطار فنوكوفو.
في حين قالت إدارة المطار إنها لن تسمح لوسائل الإعلام بالدخول إلى المدرجات، بسبب فيروس كورونا المستجد.
يرى خبراء أن عودة نافالني إلى روسيا تطرح معضلة أمام الكرملين، الذي عليه اتخاذ قرار بشأن سجنه فور رجوعه من ألمانيا أو تركه طليقاً، إذ إن ترك المعارض حراً يعرض الكرملين لخطر الظهور بمظهر الضعف، فيما إدانته بالسجن ستشكل فضيحة جديدة.
لكن الكرملين "تعب من هذه اللعبة"، وقد يختار الخيار الأكثر تشدداً، وفق ما ترى المحللة السياسية تاتيانا ستانوفايا، مضيفةً في حديثها للوكالة الفرنسية: "المواجهة مع نافالني تدور منذ وقت طويل جداً".
أما المحلل السياسي سيرغي ميدفيديف، فرأى أن عودة نافالني إلى روسيا "خطوة قوية، مهما حدث"، وأضاف في منشور على فيسبوك: "يشكل ذلك استئنافاً للحياة السياسية الروسية التي كانت مشلولة حتى الآن، بل غير موجودة".
ولا يزال نافالني الذي تتجاهله وسائل الإعلام الروسية وغير الممثل في البرلمان ولا يحق له الترشح بسبب إدانته بتهمة التهرب الضريبي التي وصفها بأنها قرار سياسي، أبرز أصوات المعارضة، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى قناته على موقع يوتيوب التي يتابعها 4,8 مليون شخص ومنظمته الخاصة بمكافحة الفساد.
اتهامات من موسكو لنافالني
من جانبها، تقول سلطات السجون الروسية إن نافالني لم يحترم -حين كان في ألمانيا- شروطَ حكم بالسجن مع وقف التنفيذ صدر بحقه العام 2014، والذي يلزمه بالتوجه مرتين في الشهر على الأقل إلى إدارة السجون.
ففي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021، فتحت السلطات الروسية في حق نافالني، تحقيقاً بتهمة حصول "احتيال واسع النطاق"، وأشارت لجنة التحقيق الروسية إلى أن شبهات تحوم حول إنفاق نافالني مبلغ 356 مليون روبل (3,9 مليون يورو حسب سعر الصرف الحالي) لأغراض شخصية.
تقول السلطات إن تلك الأموال كان مصدرها تبرعات جمعتها منظمات "عدة"، خصوصاً جمعيات تكافح الفساد أو معنية بحماية حقوق الإنسان "يديرها نافالني".
رغم تعرض نافالني مراراً لملاحقات قضائية والحكم عليه بالسجن لفترات قصيرة، فإنه نجح في تنظيم العديد من التظاهرات التي جرت متابعتها عن كثب، فيما تسببت استراتيجياته الانتخابية بخسارات محرجة عدة للسلطة في استحقاقات محلية.
لكن تبقى شهرته محدودةً خارج المدن الكبرى، فبحسب استطلاع للرأي أجراه مركز "ليفادا" المستقل، أيدت نسبة 20% فقط من الروس تحرك نافالني، في حين رفضها 50%، أما الباقون فإما لم يسمعوا قط بالمعارض، وإما رفضوا الإدلاء بآرائهم.
تسميم نافالني
كان نافالني يقيم في ألمانيا منذ أواخر أغسطس/آب 2020، بعدما أصيب بإعياء شديد خلال رحلة العودة من سيبيريا إلى موسكو، في إطار حملة انتخابية، وأدخل المستشفى في مدينة أومسك حيث بقي 48 ساعة، ثم نقل إلى برلين في غيبوبة بعد ضغط مقربين منه.
نافالني كان قد خرج من المستشفى في أوائل سبتمبر/أيلول 2020، وخلصت ثلاثة مختبرات أوروبية إلى أنه سمّم بمادة نوفيتشوك، التي طورت خلال الحقبة السوفييتية من أجل أغراض عسكرية، وهذا الاستنتاج أكدته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية رغم نفي موسكو المتكرر.
بعد ذلك قال نافالني مراراً إن أجهزة الأمن الروسية دبرت لاغتياله، بأمر مباشر من فلاديمير بوتين، بينما تنفي موسكو عملية التسميم جملة وتفصيلاً، رغم نتائج المختبرات الأوروبية، منددة بهذه الرواية التي اعتبرت أنها مؤامرة غربية وشككت في النمط الصحي لحياة المعارض.
وحتى الآن ترفض روسيا فتح تحقيق جنائي لمعرفة ما حصل لنافالني، بحجة أن ألمانيا ترفض نقل بياناتها إلى روسيا، لكن ألمانيا أعلنت أمس السبت، أنها ارسلت إلى موسكو غالبية عناصر التحقيق القضائي المتعلق بقضية تسميم نافالني.
يتضمن الملف الذي نُقل إلى السلطات القضائية الروسية على وجه الخصوص "محاضر جلسات استجواب" نافالني من قبل المحققين الألمان، فضلاً عن "عينات دم وأنسجة وقطع ملابس".
وقالت ألمانيا إنها تنتظر الآن من موسكو أن "تُلقي الضوء على هذه الجريمة".