ديتمار كوستار، سياسي ألماني، سطَّر لنفسه مسيرة قوية داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (SPD)، أعرق الأحزاب السياسية في ألمانيا وأكبرها من حيث عدد الأعضاء، وفي الوقت نفسه هو عضو اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان ولجنة الشؤون الخارجية داخل البرلمان الأوروبي.
تمكن ديتمار كوستار منذ 2014 من الانضمام لمجموعة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين داخل البرلمان الأوروبي، وخلال اشتغاله داخل اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان استطاع بسط الوضعية الحقوقية في عدد من الدول العربية، من بينها مصر التي أصدر عنها قراراً حول الأوضاع الحقوقية في البلاد.
من خلال هذا اللقاء الحصري مع "عربي بوست"، يجيب ديتمار كوستار عن أسئلة تتعلق بملف حقوق الإنسان بمصر، وما مدى إمكانية أن يغير الضغط الدولي من الأوضاع الحقوقية تحت حكم نظام عبدالفتاح السيسي؟
نصّ قرار البرلمان الأوروبي الذي تم إقراره الشهر الماضي بأغلبية 434 عضواً على أن وضع حقوق الإنسان في مصر "يتطلب إعادة النظر في الدعم المادي والتنموي المقدم من قبل دول الاتحاد إلى مصر"، هل يعني ذلك أن عقوبات قاسية في انتظار مصر؟
لا يملك البرلمان الأوروبي سُلطة لفرض عقوبات على الدول الأجنبية، لكن من حقه أن يطلب من السلطات المختصة والمجلس والحكومات الوطنية للدول الأعضاء اتخاذ تدابير تقييدية، بما في ذلك دعوات لفرض عقوبات.
أما بخصوص القرار الخاص بوضع حقوق الإنسان في مصر، الذي تم تمريره في ديسمبر/كانون الأول 2020، فهو يدعو إلى التدقيق الصارم في الدعم المالي المقدم لمصر من قبل المؤسسات المُمولة من طرف الاتحاد الأوروبي.
فاليوم البرلمان الأوروبي يُقر بتدهور الوضع الحقوقي في مصر، هذا الوضع الذي يتطلب مراجعة الأموال الأوروبية، لكنه لا يدعو أو يهدد بفرض عقوبات اقتصادية، بل إنه يُطالب بأن يكون المستفيد من مساعدة الاتحاد الأوروبي القوى الديمقراطية المصرية والمجتمع المدني، وليس الحكومة القمعية الممارسة للسلطوية.
يتضمن قرار البرلمان الأوروبي الدعوة إلى إطلاق سراح سجناء الرأي، وإيقاف الإعدامات المتزايدة. هل تقارير المنظمات الحقوقية الدولية هي سبب هذه القرارات المتعلقة بمصر؟
إن التقارير المتعلقة بالاعتقالات السياسية، والاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، والكثير من انتهاكات حقوق الإنسان مقلقة للغاية. فالمُنظمات الدولية لحقوق الإنسان تلعب دوراً أساسياً في التوثيق والإبلاغ ورفع الوعي بهذه القضايا.
وما يُثير القلق أن الحكومة المصرية تستهدف منظمات حقوق الإنسان والناشطين والصحفيين، كما أن قمع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هو مجرد مثال واحد على السياسات القمعية للحكومة تجاه المنظمات غير الحكومية ونشطاء حقوق الإنسان، كما أنّ قلة التقارير الصحفية وترهيب الصحفيين والناشطين تقلل من إمكانية مساءلة النظام، ما يمهد الطريق لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان.
رصد التقرير "انتهاكات حقوق الإنسان في مصر واعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني"، وطالب بـ"ضرورة الإفراج الفوري عن عدد من المعتقلين السياسيين". هل ترون أن مصر ستلتزم بكل هذه التوصيات خوفاً من العقوبات؟ وهل من شأن العقوبات ردع النظام المصري على الاستمرار في نهجه القمعي؟
الحكومة المصرية تتعرض لضغوط من المجتمع الدولي، لكن من الصعب توقع رد فعلها، فحتى الآن، جاء رد الفعل متردداً ومعارضاً، والمعتقلون الذين تم الإفراج عنهم ليسوا مدافعين عن حقوق الإنسان أو نشطاء، بل كانوا أشخاصاً محتجزين بشكل تعسفي.
وللمثال فقد تم الإفراج عن سيف بدور، الذي ورد اسمه في قرار البرلمان الأوروبي، ونازلي كريم أيضاً، اللذين كانا في السابق محتجزين بشكل تعسفي لأسباب لا أساس لها، رغم أن هذه الإفراجات ليست كبيرة كما هو مأمول، إلا أنها تُشير إلى أن الضغط الدولي على قضايا حقوق الإنسان يمكن أن يؤدي إلى بعض النتائج ويجب أن يستمر.
أيضا، يُمثل الإفراج عن المؤثرتين في تطبيق "تيك توك" مودة الأدهم وحنين حسام، مؤخراً، وما تلاه من إعادة اعتقال لاحقاً، مثالاً على كيفية استجابة النظام المصري على مضض للضغوط الدولية.
ولقد تمت تبرئة المرأتين في البداية بعد دعوة البرلمان الأوروبي لوقف أي نوع من الاضطهاد ضد المرأة على أساس "انتهاك الأخلاق"، ثم أعيد اعتقالهما، وهذا النوع من العمل يُعتبر نموذجاً للأنظمة الاستبدادية، إذ إنها تستسلم للضغط الدولي للحظات قبل إعادة اعتقال الأشخاص المعنيين بتهم جديدة لا أساس لها.
وبشكل عام، يمكن أن تكون العقوبات أداة سياسية فعالة ومفيدة، لكن هذا يعتمد بشكل كبير على نوع العقوبات التي يتم تبنيها وضد من وكيف يتم تطبيقها، ويمكن للعُقوبات الموجهة ضد أفراد قريبين من النظام، على سبيل المثال، أن تكون أيضاً إجراءً فعالاً دون التأثير سلباً على السكان المدنيين، وإذا قرر الاتحاد الأوروبي فرض مثل هذه الإجراءات فيجب عليه أن يتابعها، لأن التهديد بالعقوبات بالتزامن مع تصدير الأسلحة لا يمكن أن يكون استراتيجية ناجحة.
وبدل التركيز على الإجراءات السلبية، مثل الإجراءات العقابية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، دعا البرلمان الأوروبي الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إلى معالجة انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، من خلال القنوات الدبلوماسية الأخرى.
بخصوص قضية ريجيني، وجّه البرلمان اتهاماً لمصر باللجوء إلى "تضليل وتعطيل" التحقيقات المرتبطة بقتل الباحث الإيطالي عام 2016، كما اتهمها أيضاً بـ"عدم الوفاء بالتزاماتها الدولية". هل من شأن القضية أن تصنف مصر في القائمة السوداء، وتحد من أي تعاون مستقبلي معها؟
يجب على الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي والدول الأعضاء مواصلة التعاون مع مصر، لكن هذا التعاون يجب أن يكون مع الجهات الفاعلة الديمقراطية والمجتمع المدني فقط، إن كان عبر الأموال أو أي شكل من أشكال الدعم التي يقدمها الاتحاد الأوروبي، ولا يجب أن يمكّن هذا التعاون أو يشجع الحكومة على المضي قدماً في سياسات القمع العنيفة وغير العادلة، وبدلاً من ذلك يجب أن يعمل الاتحاد الأوروبي على ردع السلطات المصرية عن إساءة استخدام سلطتها.
ولسوء الحظ، لا يكون الحال هكذا دائماً، حتى على ضوء قضية مقتل باحث إيطالي عام 2016، فإن الحكومتين الإيطالية والمصرية على وشك إبرام صفقة أسلحة مثيرة للجدل.
هذه ليست المرة الأولى التي يناقش فيها البرلمان الأوروبي انتهاكات حقوق الإنسان في مصر منذ تولي الرئيس السيسي الحكم، لكنها المرة الأولى التي تتخذ فيها أعلى سلطة تشريعية في أوروبا قراراً شاملاً بشأن الملف الحقوقي ويصدر من خلاله توصيات محددة. هل وصل الوضع في نظركم إلى مستوى غير مسبوق؟
منذ صعود عبدالفتاح السيسي إلى السلطة في يوليو/تموز 2013، تصاعدت انتهاكات حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية في مصر بشكل كبير، وذلك بهدف إطالة فترات الرئاسة، وتوسع الإصلاح الدستوري، وتعزيز حكم النظام في مصر.
فالكثير من ممارسات انتهاكات حقوق الإنسان، التي ارتكِبت في عهد مبارك، ارتكبت بشكل أفظع، في ظل حكم النظام الحالي، من حيث التعذيب، والاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والمعاملة السيئة للمعتقلين كلها تُظهِر تطاولاً صارخاً على حقوق الإنسان.
ففي مصر يُحاول نظام عبدالفتاح السيسي عبر القوانين الجديدة والتعديلات القانونية التي تم سنها في ظل النظام الحالي تبرير الممارسات غير العادلة، إذ إن الانتهاكات القمعية والسلطوية للنظام الحالي تجاوزت مثيلاتها في عهد مبارك الوحشي، كما أن مراقبي حقوق الإنسان في مصر يشبهون سنوات حكم السيسي بالسنوات المظلمة لنظام جمال عبدالناصر، الذي اتسم بمثل هذا القمع الحكومي الوحشي.
هل تجدون أن الدعوة إلى عدم منح أي من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي جوائز إلى القادة المسؤولين عن الانتهاكات الحقوقية في مصر كفيلة بردعهم؟ وهل يمكن أن تصدر في حقهم عقوبات؟
من المؤسف فعلاً أن نُذّكر بمثل هذه الأمور، فلا ينبغي منح الأوتوقراطيين والديكتاتوريين وزعماء الأنظمة القمعية جوائز أو تكريماً من قبل الدول الأعضاء، لأن مثل هذه الخطوات تعمل على استقرار حكمهم الظالم وإضفاء الشرعية عليه، لكن البرلمان الأوروبي يمكنه إدانة هذه الأفعال فقط، لكن لا يمكنه أن يفرض على الدول الأعضاء تطبيق ذلك.
النظام المصري استبق عقوبات البرلمان الأوروبي برفع الحظر عن جمعيات تأكد من بعد أنها "جمعيات لم تكن محظورة"، هل ترى أن هذه الخطوة من شأنها أن تُثني عن فرض هذه العقوبات؟
اليوم في مصر يتم تقييد حرية التعبير والحق في التجمع والأنشطة المرتبطة بحقوق الإنسان بشكل منهجي، وقانون المنظمات غير الحكومية لعام 2019 مسيء للغاية، والبرلمان الأوروبي في قراره حثَّ الحكومة المصرية على إلغائه.
كما أن النظام المصري يستخدم قوانين مكافحة الإرهاب لاعتقال واحتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان بشكل تعسفي، وكل هذه التطورات هي جزء من قمع أوسع للمجتمع المدني والديمقراطي.
ما العقوبات التي من المنتظر أن تُفْرَضَ على النظام المصري؟
يدعو قرار البرلمان الأوروبي إلى فحص أكثر صرامة للأموال أو أشكال الدعم الأخرى التي تقدمها مؤسسات الاتحاد الأوروبي لمصر، ويجب أن يفيد هذا الدعم المجتمع المدني، من خلال دعم القضايا الديمقراطية، وليس النظام القمعي.
بعد هزيمة ترامب المساند لأنظمة عربية ديكتاتورية، هل يمكن أن يضغط بايدن على البرلمان الأوروبي ويؤثر عليه من أجل التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في الدول العربية؟
من المرجح أن تجلب الإدارة الأمريكية القادمة معها تحولاً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لكن إلى أي مدى ستتغير سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالشرق الأوسط واستجابة الاتحاد الأوروبي لذلك؟ هذا أمر ليس من السهل التنبؤ به، وما علينا سوى الترقب.
هل تعتقد أن لهذه الضغوط دوراً في تخفيف انتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي؟
كما يتضح من الإفراج عن بعض المعتقلين المذكورين في قرار البرلمان الأوروبي، فإن ضغط المجتمع الدولي يمكن أن يؤدي إلى بعض التحسينات، وإن كانت تدريجية. لذا يجب على الاتحاد الأوروبي الاستمرار في مراقبة الوضع في مصر والرد وفقاً لذلك، وعلى البرلمان الأوروبي أن يستمر في تقوية المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية، وألا يصبح متواطئاً في السياسات القمعية للأنظمة الاستبدادية من خلال تصدير الأسلحة إليها أو مساعدتها بطريقة أخرى.
الدول الأوروبية متهمة بالنفاق السياسي، تُهاجم انتهاكات الأنظمة العربية الاستبدادية ثم تدعمهم بالسلاح الذي يستخدم في انتهاك حقوق الإنسان. ما قولكم في هذا الموضوع؟
النفاق السياسي مشكلة في سياسة الاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بسياسة اللجوء والهجرة، ويجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء العمل بشكل أكبر بناءً على المبادئ الديمقراطية. فمن من غير المقبول أن تُدين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي انتهاكات حقوق الإنسان وتمكن الأنظمة الاستبدادية في الوقت نفسه من تجاهل حقوق الإنسان بشكل صارخ من خلال تصدير الأسلحة، ويجب إدانة هذا بشكل قاطع ووقفه.