بعد أسابيع من الترقب كشف هشام المشيشي، رئيس الحكومة التونسي، عن التعديل الوزاري في تونس، شمل نحو نصف حقائب حكومته، فاتحاً بذلك باب التساؤلات حول حقيقة خضوعه لمطالب عدد من الأحزاب من جهة، واستجابته لتوجيهات رئيس الجمهورية من جهة أخرى.
وشمل التعديل الوزاري في تونس 11 حقيبة من أصل 25، وسد الشغور في ثلاث وزارات وهي: الداخلية والبيئة، والثقافة، وذلك بعد إعفاء وزرائها في فترة سابقة، وتعيين ثمانية وزراء جدد في 8 حقائب وزارية.
وشمل التعديل الوزاري في تونس كلاً من وزارات العدل، وأملاك الدولة والشؤون العقارية، والصحة، والصناعة، والطاقة، والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، والفلاحة والصيد البحري، والموارد المائية، والتكوين المهني، والتشغيل، والشباب والرياضة.
قلب تونس يتراجع
في الوقت الذي تنبأ فيه مراقبون بأن يواجه رئيس الحكومة، هشام المشيشي صعوبة كبيرة في تمرير التعديل الوزاري في تونس بعد رفض حزب قلب تونس، على لسان النائب عياض اللومي قبل أيام التصويت لفائدة التعديل، يبدو أن الساعات الأخيرة التي سبقت الإعلان عن التعديل عرفت تطورات كبيرة.
وفي هذا السياق كشف النائب عن حزب قلب تونس فؤاد ثامر لـ"عربي بوست" أن الكتلة والحزب ينظران بارتياح إلى التعديل الوزاري الذي اقترحه رئيس الحكومة قائلاً: "أغلب الوزراء المقترحين نعرفهم جيداً ويشهد لهم التونسيون بالاستقلالية والكفاءة".
وأوضح ثامر أن حزب قلب تونس سيمنح الثقة لهذا التعديل الوزاري في البرلمان، خاصة أن رئيس الحكومة هشام المشيشي وافق على جزء كبير من مطالب قلب تونس، وخاصة إضافة وزارة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني وإلحاقها بوزارة التشغيل.
من جهته أوضح النائب عن حركة النهضة نوفل الجمالي أن التعديل الوزاري كان ضرورة لسد الشغور في عدد من الوزارات، وتغيير وزراء ثبت لرئيس الحكومة أنهم لم يكونوا في مستوى المسؤولية التي كُلفوا بها، مؤكداً أن موقف الحركة من هذا التعديل سيتحدد بعد اجتماع هياكل الحزب خلال الأيام المقبلة.
وشدد الجمالي في حديثه مع "عربي بوست" على أن حكومة "الكفاءات المستقلة" مجرد أسطوانة مشروخة، ذلك أن أي شخص متحزب أو غير متحزب يحمل ويدافع عن مواقف وأفكار بالضرورة، لذلك فلا معنى للحديث عن استقلالية وزراء أو حكومة مستقلة، أو عن تغيير شكل الحكومة من مستقلة إلى حزبية.
أزمة الكرامة والنهضة
وفي سياق متصل استبعد النائب عن حزب قلب تونس فؤاد ثامر تأثر التصويت لفائدة التعديل الوزاري الذي اقترحه رئيس الحكومة بالأزمة بين كتلة ائتلاف الكرامة وحركة النهضة، إثر إعلان الائتلاف أنه حلّ كل تحالف أو تنسيق برلماني مع النهضة.
وبدأت الأزمة بين ائتلاف الكرامة وحزب النهضة بعد بيان رئاسة مجلس نواب الشعب، الذي يترأسه رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، والذي أدان نواباً من ائتلاف الكرامة في حادثة اعتداء بالعنف على نواب من حزب التيار الديمقراطي.
وأوضح المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "الحزام الداعم للحكومة لا يعول أصلاً على ائتلاف الكرامة لتمرير التعديل الوزاري، رغم أن عدداً من نواب هذه الكتلة منحوا ثقتهم لفائدة حكومة المشيشي الأولى"، مشدداً على أنه "على ثقة بأن هذا التعديل سيمر في البرلمان، وبأن لدى رئيس الحكومة حزاماً برلمانياً قوياً ووزناً".
ونفى النائب عن حزب قلب تونس أن يكون هدف الحزب من خلال رفض التعديل الوزاري في المرة الأولى، الضغط على رئيس الحكومة للإفراج عن رئيس ومؤسس الحزب نبيل القروي الموقوف في السجن بتهم غسيل أموال.
وأوضح ثامر أنه لا علاقة للتعديل الوزاري بملف قضية نبيل القروي، ذلك أنه لو كان بإمكان رئيس الحكومة التدخل للإفراج عن القروي لمنع دخوله السجن أصلاً، مشدداً على استقلالية القضاء وعدم تدخل رئيس الحكومة فيه.
هذا وتذهب الترجيحات إلى أن هشام المشيشي بإمكانه تمرير التعديل الوزاري بعد ضمان تصويت كل من حركة النهضة، وقلب تونس، وكتلة الإصلاح، والكتلة الوطنية، وكتلة تحيا تونس، وهي كتل بإمكانها توفير أكثر من 109 أصوات لتمرير الحكومة.
غواصات حزبية والتعديل الوزاري
فيما شدد هشام المشيشي، رئيس الحكومة التونسي خلال تقديمه للوزراء الجدد، على أنه ظل وفياً لتوجهه العام والمبدئي بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، إلا أن عدداً من الأحزاب والكتل البرلمانية شككت في هذه المسألة.
وأكد محمد المسيليني، القيادي وعضو المكتب السياسي لحركة الشعب، أن "حديث رئيس الحكومة عن استقلالية وزرائه المقترحين هو ضحك على الذقون، ذلك أن القاصي والداني في تونس يعلم جيداً بأن الوزراء المقترحين "غواصات حزبية" أي أنهم منتمون بشكل مفضوح إلى عدد من الأحزاب ويقدمون أنفسهم للرأي العام بأنهم مستقلون" وفق تعبيره.
وأوضح المسيليني في حديثه مع "عربي بوست" أن "رئيس الحكومة خضع لابتزاز الأحزاب المكونة لحزامه البرلماني في هذا التعديل، بمنحهم الوزارات التي طالبوا بها، لضمان بقائه رئيساً للحكومة"، مشيراً إلى أن "عدداً من الوزراء تتعلق بهم شُبهات الفساد، وتضارب المصالح، على غرار يوسف فنيرة الاسم المقترح لحقيبة وزارة التشغيل، إذ تم طرده سابقاً من ذات الوزارة التي كان يشغل فيها مدير عام للوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل بسبب تورطه في شبهات فساد وتضارب مصالح".
وذكر المتحدث بحالة سفيان بن تونس، الوزير المقترح لوزارة الصناعة الذي يعد عضواً مؤسساً لحزب قلب تونس، والذي يرأس شركة "Oscar Infrastructures service"، تعمل في نفس القطاع (الصناعة) مما يجعل شبهة تضارب مصالح قائمة.
هذا وتشير منظمة "أنا يقظ" إلى أن نائب رئيس هذه الشركة، وهو توفيق الزعنوني هو من أمضى عقداً للدعاية لفائدة حزب قلب تونس، مع الشركة التي يرأسها الضابط السابق في الموساد آري بن ميناشي.
عزل الرئيس!
ويبدو أن التعديل الوزاري هو المسمار الأخير الذي يدق نعش العلاقة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية قيس سعيد الذي شدد لدى استقباله المشيشي قبل إعلان التعديل الوزاري بساعات أنه يجب المحافظة على حكومة مستقلة لا تتعلق بوزرائها شبهات فساد.
وفي هذا السياق يشير محمد المسيليني، القيادي وعضو المكتب السياسي لحركة الشعب إلى أن "هناك توقعات تقول إن هدف حركة النهضة الأساسي من هذا التعديل الوزاري هو عزل رئيس الجمهورية قيس سعيد، وتوتير علاقته برئيس الحكومة هشام المشيشي، مشدداً على أن "رئيس الحكومة تسرع وخضع لابتزاز وضغوط حزامه البرلماني وبأن هذه الحكومة وإن مرت فلن تنجح في حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية، بما أنها تعمل بلا أي تصور أو برنامج واضح".
وفي ذات الاتجاه أكد المحلل السياسي، أيمن الجمال أن رئيس الحكومة كان قد قطع حبل الود مع رئيس الجمهورية منذ الإعلان عن حكومته الأولى قبل أكثر من 5 أشهر، مشدداً على أن تغيير المشيشي للفلسفة التي انتهجها في اختيار الوزراء الجدد عامل آخر سيساهم في تأزيم العلاقة بينه وبين رئيس الجمهورية الذي حذره من الخضوع للابتزازات والمقايضة.
فيما نفى الجمالي (عن حزب النهضة) أن يكون الهدف من التعديل الوزاري عزل الرئيس أو إقالة الوزراء المقربين منه.
من جهته يرى المحلل السياسي بسام حمدي أن الهدف الرئيسي من هذا التعديل الوزاري هو إجراء تغييرات جذرية على الحكومة وتحويلها من حكومة مستقلة إلى حكومة حزبية تنسجم مع تمثيلية الحزام البرلماني الداعم للحكومة.