يسجّل لبنان مؤخّراً، وخصوصاً بعد ليلة رأس السنة، أعداداّ قياسية لمصابي كورونا حيث تعدّت عتبة 5000 مصاب يومياً.
زيادة الأعداد بهذا الشكل الملحوظ أدّت إلى انهيار القطاع الطبّي الذي لطالما حذّر من تداعيات عدم الإغلاق التام فترة الأعياد أي الفترة الممتدّة من آخر كانون الأوّل/ديسمبر ولغاية الأول من كانون الثاني/يناير.
المستشفيات: لا أسرّة، والأصغر قبل الأكبر!
بلغت المستشفيات سعتها القصوى، وبالأخص المستشفيات الحكومية التي كانت أساساً تعاني من مشاكل عديدة قبل جائحة كورونا، فلا أسرّة شاغرة في العناية الفائقة، ما أدّى إلى امتلاء أقسام الطوارئ حتى أصبح الوضع لا يحتمل استقبال مرضى غير الكورونا، أي أولئك الذين قد يتعرّضون إلى أزمة قلبية أو حادث سير أو أي شيء طارئ.
أشار المدير الطبّي في المركز الطبّي للجامعة اللبنانية الأمريكية-مستشفى رزق الدكتور جورج غانم إلى أن الوضع ليس فقط في مستشفى رزق بل معظم المستشفيات، كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
أوضح غانم أن المرضى يتلقّون العلاج على باب المستشفى إلى حين إيجاد سرير فارغ، ولأن الصليب الأحمر يبذل جهداً أيضاً لإيجاد مستشفى يستقبل المرضى، أصبحوا يضعون المريض على الأرصفة وعلى باب المستشفى كي لا يموت معهم في السيارة، لأن إمكانات سيارة الإسعاف محدودة مقارنة بحالة المريض.
أضاف الدكتور: "ما زال لدينا لائحة انتظار فوق 40 شخصاً، وعندما نجد سريراً نتّصل مع المريض الأصغر لا الأكبر، نعم وصلنا إلى هذا الحدّ". وأكّد أنه في الأيّام المقبلة سيضعون خياماً خارج المستشفى وسيحاولون إيصال الأوكسجين بجدران المستشفى كي يتمكّنوا من إيصال الأوكسجين للمرضى. وأشار د. غانم إلى أن معظم المرضى الماكثين في الطوارئ تتراوح أعمارهم بين الأربعين والتسعين سنة.
الحال لا يختلف في مستشفى رفيق الحريري الحكومي وما يعرف أيضاً بمستشفى بيروت الحكومي، هناك حيث الناس تنتظر بالطوابير كي تخضع لفحص الـ"بي سي آر"، أمّا قسم الطوارئ فقد بلغ حدّه الأقصى، حيث قالت الممرّضة في قسم الطوارئ تيريز غبار إنّ المريض الذي يصل إلى الطوارئ ولدية نقص حاد في الأوكسجين إمّا يرسلونه إلى مستشفيات أخرى أو يضعونه على لائحة الانتظار إلى حين تأمين سرير.
تابعت: "تحويل المستشفيات الحكومية إلى مستشفيات كورونا فقط سيف ذو حدّين، لأنّ هناك مرضى سرطان ومرضى غسيل كُلى على سبيل المثال وهذه مستشفيات الفقير، فأين يذهبون؟".
أمّا من جهة الصليب الأحمر اللبناني، فإنهم يتلقّون أكثر من 4000 اتّصال يومياً لنقل مرضى كورونا، كما أنهم من بداية الشهر الحالي -كانون الثاني/يناير- نقلوا أكثر من 1200 حالة إلى المستشفيات عدا الذين يحاولون نقلهم من مستشفى إلى آخر.
البحث عن سرير فارغ: جهاد
عائلات المصابين بكورونا ويحتاجون إلى دخول مستشفى يعانون الأمرّين، ينتقلون عبر سيارات الصليب الأحمر والردود سلبية: "عفواً ما في محل، ما فينا نستقبل".
هذا ما حدث مع ديما ديب، عندما أدركت أن حال والدتها الصحيّة تدهورت وهي بالطبع مصابة بالفيروس. شرحت ديما: "بداية، انزعجت أمّي من نفسها وبدأت تتعب، ومن ثمّ أصبح مستوى الأوكسجين في الدم يلامس السبعين، وهنا أدركت خطورة الأمر." "أصبحت حرارة جسم أمي منخفضة جدّاً وشفتاها زرقاوين، كان الوضع مخيفاً".
أخذت ديما والدتها إلى مستشفى رزق، وأكّدت أنّ أعداد الناس المنتظرة في الخارج كبيرة جدّاً وهي كانت من المنتظرين. طلبت بإلحاح من الممرضين إدخال والدتها، لكن لم يكن هناك ولا سرير فارغ. في هذا الوقت كانت ديما ومن تعرفهم يتّصلون ويبحثون عن مستشفيات أخرى لكن دون جدوى.
للوزير ونجله سرير "على الباب المستريح"
أصيب أمس وزير الصحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن ونجله بفيروس كورونا، وسرعان ما انتقل إلى مستشفى السان جورج الخاصّة.
في حين يبحث المواطنون على سرير واحد إن كان في بيروت أو ضواحيها أو في الشمال والجنوب، ويتلقّون العلاج على الطرقات وأرصفة المستشفيات أو يتوفّون في منازلهم، الوزراء يدخلون إلى المستشفى دون عذاب ودون تعب.
الوزير الذي لطالما أشاد بعمل المستشفيات الحكومية، اختار مستشفى خاصاً تابعاً لحزبه رغم أن حسب تقرير المستشفى حالة الوزير جيّدة جيّداً. لذا، أليس من هم بحالة خطرة وغير مستقرة أولى بهذا السرير؟
مَن يلام.. الشعب أم الدولة؟
بعد ارتفاع الأعداد بشكل كارثي بعد رأس السنة حيث بقيت المطاعم والفنادق وأماكن السهر مفتوحة ومتاحة للجميع، ظهر جدلاً حول إذا ما كانت الدولة السبب الأساسي بهذه الكارثة أم الشعب.
يعتقد الدكتور جورج غانم أن المسؤولية تقع على عاتق الدولة والمسؤولين ولا سيّما الوزارة التي تلاشت عن مسؤولياتها في الفترة الأخيرة. وأشار د. غانم إلى أن الوزير كما اللّجان كانوا يعطون الشعب "أملاً بلا ثقة" لأنّه لم يكن هناك وجود لأي خطّة فعّالة وناجحة.
وتابع المدير الطبّي في مستشفى رزق أنّ هذ الكارثة تحتاج إلى لجان مصغّرة تستطيع إدارة الأزمة بحرفية، أمّا في لبنان فتوجد العديد من اللّجان غير المتناسقة وغير المتجاذبة وذلك لأسباب سياسية. لذا، الخطط كانت دائماً غير فعّالة وغير مجدية ولم تحضّر لما بعد الإقفال بالشكل المناسب. وأكّد أن هذا الإقفال التام يجب أن يمتدّ لثلاثة أسابيع وليس لعشرة أيام فقط.
كما أنه قال إن الشعب لا يلام، فهذا شعب يائس لا يهمّه أي شيء مع العلم أن ذلك لا يبرّر نهائياً سهرات رأس السنة التي كانت مكتظّة بشكل غير مقبول.
أما الممرّضة غبار فأوضحت أنه إمّا يكون التسكير على الجميع، أو يفتح البلد بأكمله دون هذه الاستثناءات، لأن بهذه السياسة التي يستثنى فيها عدد كبير من الشعب، فلن يزيد الطين إلاّ بلّة.
اللّقاح: الصحوة المتأخّرة
ما زالت الدفعة الأولى من اللقاح لم تصل إلى لبنان، وقد أتت الصحوة متأخّرة أنّه يجب على مجلس النّواب إقرار قانون استيراد اللّقاح من شركة "فايزر" الخاصّة. اللجنة الخاصة لمتابعة كورونا لم تكن على دراية بهذا الموضوع أيضاً.
رغم أنّ هذه الصحوة أتت متأخّرة فإن مدير مستشفى رفيق الحريري الدكتور فراس أبيض أكّد عبر موقعه على تويتر أن هذا لن يؤخّر في وصول اللقاح إلى لبنان، لأن الموعد المحدّد من قِبَل وزارة الصحّة هو شباط/فبراير.
ومع ذلك، فإن معظم دول العالم بدأت باللقاح، أقلّه للطاقم الطبّي وكبار السّن، أمّا في لبنان عندما يأتي ستتلقّاه الطبقة السياسية أوّلاً، والشعب اللبناني آخراً ليستمر سيناريو إهمال الشعب وتصنيفه كمواطنين فئة ثانية، لا بل ثالثة.