كشفت صحيفة Washington Post، الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني 2021، كواليس عن طريقة تعامل الرئيس الأمريكي التي وصفتها بـ"الفاشلة" مع حادثة اقتحام الكونغرس، وكيف ضرب بعرض الحائط بتوسلات أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الذين كانوا محاصرين من قبل أنصاره الذي ارتكبوا أعمال عنف.
الكواليس التي كشفت عنها الصحيفة قالت إنها جمعتها من مقابلات مع 15 من مستشاري ترامب، وأعضاء الكونغرس، ومسؤولي الحزب الجمهوري، وغيرهم من المقربين من ترامب، وتحدث العديد منهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمشاركة تفاصيل صريحة.
ترامب كان منغمساً في مشاهدة الاقتحام
الصحيفة الأمريكية أشارت إلى أن أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، طلبوا يوم اقتحام الكونغرس 6 يناير/كانون الثاني 2021، المساعدة الفورية لتحريرهم، لكنهم وجدوا صعوبة في الوصول للرئيس، الذي تقوقع بأمان داخل الجناح الغربي.
في تلك الأثناء كان ترامب منشغلاً بالاطلاع على المشاهد العنيفة للاقتحام، ونقلت الصحيفة عن مصادرها قولهم إن ترامب لم يُحرِّك ساكناً أثناء اقتحام الكونغرس، ولم يهتم بالاستماع لتوسلات البرلمانيين.
أحد المستشارين المقربين من ترامب قال للصحيفة: "كان من الصعب الوصول إليه. أتعرِف لماذا؟ لأنه كان يشاهد بثاً مباشراً على التلفزيون، لكن لو كان يشاهد تسجيلاً مسبقاً على TiVo لكان أوقفه واستقبل المكالمات، لكنه شاهد الأحداث كلها تدور أمامه".
بالرغم من ذلك لم يتجاوب ترامب في البداية مع رسائل المحيطين به، بأنه بحاجة لصرف الحشد الغاضب الذي حرضهم قبل ساعات قليلة، وإلا ستُزهَق أرواح.
أما السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام، فقال في مقابلة: "استغرق الرئيس بعض الوقت لإدراك فداحة الموقف. فقد كان يعتبر هؤلاء الناس حلفاء له في رحلته، ومتعاطفين مع فكرة أنَّ الانتخابات سُرِقَت منه".
في النهاية، حث ترامب -على مضض- داعميه على "العودة إلى منازلهم بسلمية"، لكن الست ساعات الفاصلة بين اقتحام الكابيتول، ودعوة ترامب لأنصاره "كشفت عن رئيس عاجز ومتفرج سلبي أكثر منه قائداً حازماً، بعد فشله مرة أخرى حتى في أداء المهام الأساسية التي تُحتّمها وظيفته"، وفقاً للصحيفة الأمريكية.
ما قبل اقتحام الكونغرس
كان ترامب وقبل وقت قصير من بدء اقتحام الكونغرس قد التقى بأنصاره في واشنطن، وقبل ذلك بوقت قصير نظّم أنصاره مسيرةً بشعار "أنقذوا أمريكا" في شارع إيلابس -الواقع إلى الجنوب من البيت الأبيض- تكريساً لمزاعم ترامب التي لا أساس لها بأنَّ انتخابات 2020 سُرِقَت منه بطريقة ما.
قبل خطاب ترامب، وجّه العديد من أفراد عائلته للحشد خُطباً تشترك جميعها في موضوع محوري، وهو القتال. فقد حث إريك ترامب الجماهير الغاضبة على "توجيه المسيرة إلى مبنى الكابيتول اليوم". فيما حثّ دونالد ترامب الابن، وهو أحد أبناء الرئيس، جميع "الأمريكيين الأقوياء والوطنيين" على "القتال من أجل ترامب".
مع ذلك، لم ينضم ترامب إلى الحشد الغاضب المتجه نحو مبنى الكابيتول، وعاد بدلاً من ذلك إلى البيت الأبيض، ونشر تغريدة غاضبة ضد نائبه مايك بنس، لأن الأخير لم يوافق على طلب الرئيس بإيقاف التصديق على فوز جو بايدن بالانتخابات.
بحلول ذلك الوقت، تقول الصحيفة الأمريكية إن القلق انتاب موظفي الجناح الغربي، بعد مراقبتهم الفيديوهات الأولية للمحتجين على التلفزيون والشبكات الاجتماعية أثناء اقتحام الكونغرس، وشعروا أنَّ تغريدة ترامب التي هاجم فيها بنس غير مجدية.
بعد ذلك، بدأ المسؤولون الصحفيون مناقشة إعداد بيان لترامب في نحو الساعة 2 بعد الظهر، عندما اخترق المتظاهرون مبنى الكابيتول، واتصل أحد المساعدين بترامب جونيور، واقترح عليه إصدار بيان على الفور يحث مثيري الشغب على التوقف.
وفي الساعة 2:17 مساءً نشر ترامب جونيور تغريدة: "هذا خطأ، كونوا سلميين واستخدِموا الحقوق المنصوص عليها في التعديل الأول للدستور، لكن لا تبدأوا بالتصرف مثل الطرف الآخر، لدينا بلد ننقذه وما يحدث لا يساعد أحداً".
لكن الرئيس نفسه كان مشغولاً بالاستمتاع بالمشهد، وقال أحد المستشارين المقربين إنَّ ترامب شاهد باهتمام، وسُر لرؤية داعميه يقاتلون بشدة نيابةً عنه.
بينما كان ترامب لم يُدرك بعد حجم الأزمة، فإنَّ دائرته استوعبوها، إذ اتصلت كيليان كونواي، كبيرة مستشاري البيت الأبيض السابقة، على الفور بأحد المساعدين الشخصيين المقربين الذي كانت تعرف أنه مع الرئيس، وأخبرته أنها تضيف اسمها إلى الأصوات التي تحث ترامب على التحدث إلى أنصاره الذين قاموا باقتحام الكونغرس، وقالت للمساعد إنَّ ترامب عليه أن يطلب من أنصاره التراجع ومغادرة مبنى الكابيتول.
الاتصالات تتهافت على البيت الأبيض
ومع اشتداد اقتحام الكونغرس، كانت إيفانكا ترامب قد ذهبت إلى المكتب البيضاوي، وبحسب Washington Post، تواصل معها السيناتور ليندزي غراهام عبر هاتفها المحمول وناشد مساعدتها.
غراهام قال عن تلك اللحظات العصيبة: "كانوا جميعاً يحاولون حمله على التحدث علانية، وإخبار الجميع بالمغادرة"، في إشارة إلى مجموعة صغيرة من المساعدين الذي تواجدوا مع ترامب بعد ظهر الأربعاء.
إلى جانب ذلك، اتصل العديد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين بالمساعدين في البيت الأبيض، متوسلين إياهم لجذب انتباه ترامب ودفعه إلى المطالبة بإنهاء العنف.
بل وكرَّر النواب التأكيد على أنهم كانوا من أنصار ترامب المخلصين، وكانوا على استعداد للتصويت ضد نتائج المجمع الانتخابي، لكنهم الآن خائفون على حياتهم، بحسب تصريحات بعض المسؤولين.
لكن ترامب لم يكن يستجيب، وأكثر من ذلك، فإنه حتى عندما هتف أنصار الرئيس في الكابيتول بإعدام بنس لم يتصل ترامب بنائب الرئيس أبداً للاطمئنان عليه أو على أسرته، وفي نهاية الأمر كان مارك شورت، رئيس موظفي بنس، هو من اتصل بالبيت الأبيض لإعلام موظفيه أنَّ بنس وفريقه بخير، بعد عدم تلقي أي اتصال من الرئيس أو أي شخص آخر في البيت الأبيض.
ترامب يقتنع أخيراً
في هذه الأثناء، وتحديداً في الجناح الغربي للبيت الأبيض، كانت مجموعة صغيرة من المساعدين -بما في ذلك إيفانكا ترامب، والسكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كايلي ماكيناني وميدوز- تناشد ترامب إدانة العنف علانيةً، في محاولة لوقف اقتحام الكونغرس.
ودفع موظفو ميدوز، كبير موظفي البيت الأبيض إلى الذهاب لرؤية الرئيس، إذ قال أحد المساعدين قبل توجه ميدوز إلى المكتب البيضاوي للرئيس: "سيُزهِقون أرواحاً".
عقب الساعة 2:30 مساءً بقليل، نجحت المجموعة المحيطة بترامب أخيراً في إقناعه بنشر تغريدة جاء فيها: "برجاء دعم قوات الشرطة وإنفاذ القانون الخاصة بالكابيتول، هم حقاً في صف دولتنا. حافظوا على السلمية!".
لكن هذه الرسالة لم تكن كافية، ووفقاً لشخص مُطلِع على المحادثات لم يرغب الرئيس في كتابة التوصية الأخيرة "حافظوا على السلمية".
بعد أقل من ساعة، أقنع مساعدون ترامب بإرسال تغريدة ثانية أقوى قليلاً: "أطلب من الجميع في الكابيتول الأمريكي البقاء مسالمين، لا للعنف! تذكروا، نحن حزب القانون والنظام، نحترم القانون ورجالنا ونساءنا العظماء في الحُلات الزرقاء. شكراً لكم!".
وكشف أحد المسؤولين أنَّ ترامب أصابه القلق عند نقطة ما، من أنَّ الحشد الجامح أخاف المُشرِّعين الجمهوريين من تنفيذ أوامره والاعتراض على نتائج الانتخابات.
في غضون ذلك، وبينما كان اقتحام الكونغرس مستمراً كان لا يزال آخرون يواجهون صعوبة في الوصول إلى البيت الأبيض، وفي حديث لقناة ABC News قبل الساعة 4 مساءً بقليل، من يوم الأربعاء، قال كريس كريستي، الحاكم الجمهوري السابق لنيوجيرسي، إنه قضى آخر 25 دقيقة في محاولة الوصول إلى ترامب مباشرةً لإيصال رسالة بسيطة، ومع ذلك عاجلة.
أضاف كريس: "الرئيس تسبب في اندلاع هذا الاحتجاج، وهو الوحيد القادر على وقفه"، وبحلول ذلك الوقت تقريباً كان البيت الأبيض يستعد لنشر خطاب مُسجَّل نيابةً عن الرئيس.
بالفعل صوَّر مساعدو ترامب ثلاثة فيديوهات قبل اختيار الأكثر قبولاً، على الرغم من انتشار بعض الذعر في الجناح الغربي من أنَّ الرئيس وصف المتظاهرين العنيفين بأنهم "مميزون جداً".
أخيراً في تمام الساعة 6:01 مساءً، نشر ترامب تغريدة أخرى، سرعان ما حذفها تويتر، وأثارت غضب الكثيرين في دائرته، خوفاً من أنها تزيد من تأجيج موقف مشحون بالفعل.
وبعد 13 دقيقة، في الساعة 6:14 مساءً تحديداً، طُوِّق محيط مبنى الكابيتول أخيراً. وفي الثامنة مساءً تقريباً، أي بعد أكثر من 6 ساعات من الاختراق الأولي، أُعلن مبنى الكابيتول آمناً.