قالت صحيفة Financial Times البريطانية إن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان يقود حملةً لإقناع الشركات متعددة الجنسيات، من Google وحتى Siemens، بنقل مقارها الإقليمية من دبي إلى الرياض.
إذ تعرض السلطات السعودية حوافزها للشركات الناجحة في قطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات والتمويل والخدمات النفطية حتى تنتقل إلى الرياض، بموجب المبادرة التي تحمل اسم Programme HQ، وفقاً لمستشارين يُقدمون النصح للحكومة ومديرين تنفيذيين استمعوا إلى العرض.
الصحيفة قالت إن المبادرة تهدف إلى تعزيز الاستثمارات الأجنبية ودعم رؤية ولي العهد الطموحة لتثبيت أقدام السعودية.
بينما قال أحد المديرين التنفيذيين الذين اطّلعوا على الخطط إنهم يُريدون المقرات الرئيسية الإقليمية، وليس مجرد وحدات تشغيل. وهم يسعون بذلك لاستضافة كبار قيادات تلك الشركات. مضيفاً أنّ الأمر يتعلّق بالصورة العامة: "نحن طرفٌ جاد، نحن أكبر سوق، ونحن نريد من الشركات العاملة هنا أن تجعل مقارها الرئيسية في بلادنا".
فيما تُؤكّد الحملة على كيفية استغلال الرياض لنفوذها المالي من أجل زيادة منافستها مع دبي التي تُعتبر المركز الإقليمي للتجارة والتمويل والسياحة.
ويأتي ذلك بالتزامن مع دفع الأمير محمد نحو تطوير سلسلةٍ من المشاريع العملاقة. وتقع كافة مقار الشركات الكبرى العاملة في منطقة الخليج الغنية بالنفط تقريباً داخل الإمارات. كما تأتي الخطوة السعودية بالتزامن مع كفاح اقتصادات الخليج بسبب الجائحة وانهيار أسعار النفط.
تداعيات كورونا الاقتصادية
وبالتزامن مع أزمة كورونا أفاد تقرير صندوق النقد الدولي أن الدول التي تعتمد موازناتها بقوة على صادرات النفط ستعاني ضغطاً إضافياً، نتيجة انهيار أسعار الخام، الناجم عن تراجع الطلب على النفط، رغم اتفاق تخفيض الإنتاج الذي توصلت إليه منظمة أوبك وروسيا والولايات المتحدة، الأحد 12 إبريل/نيسان 2020، بسبب تأثير الجائحة التي هوت بالطلب على النفط.
وقال الصندوق إن اتفاق الخفض القياسي بين كبار المنتجين الدوليين قد يقدم بعض الدعم لأسعار الخام، ولكن "الانخفاضات في أسعار النفط كبيرة لدرجة أنه من المتوقع أن تنخفض الإيرادات المالية وحصيلة الصادرات في جميع دول المنطقة المصدِّرة للخام وضمن ذلك التي قد تتمكن من كسب حصة في السوق من منتجين أعلى تكلفة".
وقد ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدول المنطقة المصدِّرة للنفط 4.2%، في تعديل حاد، نزولاً من توقعات الصندوق بنمو 2.1% التي أعلنها في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019. ومن المتوقع أن تنخفض صادرات نفط تلك الدول بأكثر من 250 مليار دولار.
وبالنسبة لأكبر مُصدِّر للنفط الخام في العالم وهو السعودية، توقَّع تقرير الصندوق أن ينكمش اقتصادها بنسبة 2.3% بالتزامن مع جائحة كورونا، من نمو 0.3% في 2019، بحسب الصندوق الذي كان يتوقع نمواً بنسبة 2.2% للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام، قبل أن تغير الجائحة جميع توقعات النمو.
وبشأن القطاع الاقتصادي غير النفطي في السعودية، توقع التقرير انكماشاً بنسبة 4%، وهو ما يعني مزيداً من الضغوط، في وقت كان ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، يسعى للتخفيف من اعتماد اقتصاد المملكة على صادرات النفط وتنويع موارد البلاد، في إطار رؤية 2030 التي تبناها.
مبادرة تعزيز الاستثمارات الأجنبية
فيما قالت الصحيفة إن الحملة اكتسبت زخماً قبل مؤتمر المستثمرين السنوي، التابع لصندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي الذي يرأسه ولي العهد، والمقرر عقده في الـ27 من يناير/كانون الثاني.
إذ قال أحد المديرين التنفيذيين إنه على قناعة بأنّ المملكة تأمل في عرض مذكرات تفاهم مع الشركات التي اتفقت معها مبدئياً على الانتقال من دبي إلى الرياض خلال المؤتمر، بغرض تسليط الضوء على التقدم الذي أحرزته خطة "رؤية 2030" الخاصة بالأمير محمد في تحديث المملكة وإصلاح اقتصادها.
كما ترغب السعودية في استدراج مجموعات المال والأعمال إلى مركز الملك عبدالله المالي، وهو مشروعٌ عقاري ضخم يضم 59 ناطحة سحاب تفتقر إلى المستأجرين في شمالي الرياض، وفقاً للمديرين التنفيذيين. وقال مستشارٌ للحكومة السعودية من المطلعين على الخطط: "الأمر يتعلّق بجذب كبار مستثمرين دوليين إلى المنطقة".
حوافز تنازلات لاستهداف الشركات المتعددة الجنسيات
وتشمل الحوافز المعروضة إعفاءً ضريبياً لمدة 50 عاماً، والتنازل عن الحصص المحددة لتوظيف السعوديين- التي أثبتت أنّها عبء على الشركات-، وضمانات بالحماية من اللوائح المستقبلية وفقاً لثلاثة مستشارين.
لكن المديرين التنفيذيين قالوا إنّ الشركات استقبلت مبادرة Programme HQ بفتور لأنّها فكّرت في تداعيات نقل كبار المديرين التنفيذيين من دبي، التي تُعتبر أكثر حرية واتصالاً وتمتلك بنيةً تحتيةً حديثة تشمل المدارس الجيدة، إلى جانب الحاجة لاسترضاء المسؤولين السعوديين المؤثرين.
وأوضح مستشارون ومديرون تنفيذيون أنّ الشركات تُفكّر رغم ذلك في نقل العديد من وحدات الأعمال- وربما بعض الإدارات الإقليمية- إلى الرياض لتهدئة المخاوف السعودية بينما تجاهلت العديد من الشركات المخاوف بشأن المخاطر على سمعتها نتيجة العمل داخل المملكة، في أعقاب القتل الوحشي لجمال خاشقجي عام 2018 على يد عملاء سعوديين وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.
إذ اتفقت منصة Google Cloud الشهر الماضي مع شركة النفط الحكومية السعودية Saudi Aramco على تزويدها بالبنية التحتية لخدمات الحوسبة السحابية، مما سيدفع الشركة التقنية إلى افتتاح أول مكاتبها في المملكة.
في حين أعلنت شركة الاتصالات السعودية عن صفقة بقيمة 500 مليون دولار مع منصة Alibaba Cloud، التابعة للمجموعة الصينية، من أجل خدمات مماثلة. وكذلك استثمرت Western Union 200 مليون دولار مقابل 15% من أسهم المحفظة المتنقلة لشركة الاتصالات السعودية.
وامتنعت وزارة الاستثمار السعودية عن التعليق. كما لم ترد هيئة الرياض على طلب تعليق بالبريد الإلكتروني.