الأرباح تغري المستشفيات للجوء لورش تحت “بئر السلم”.. تفاصيل صادمة عن تجارة الأكسجين في مصر

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/11 الساعة 14:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/08 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش
مستشفى في مصر (مواقع التواصل الاجتماعي)

تفجرت في الفترة الأخيرة، ومع تزايد انتشار الإصابات بفيروس كورونا في مصر، أزمة النقص الحاد في أسطوانات الأكسجين، التي يحتاجها أغلب مصابي بالفيروس لتخطي مشاكل الجهاز التنفسي.

أزمة النقص الحاد في الأكسجين، وبعد فاجعة مستشفى الحسينية، أظهرت تباينا في الروايات، بين الحقيقية التي تنقل عن طريق المواطنين بالصوت والصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبين الرواية الرسمية وتغطيات بعض وسائل الإعلام التي تُصر على أن تُظهر أن جميع الأمور تحت السيطرة.

ندفع لتنفس الأكسجين

سهى خميس موظفة بالتأمينات الاجتماعية أضناها توفير الأكسجين لوالدتها المسنة خلال العزل المنزلي لها بسبب إصابتها بفيروس كورونا، تقول لـ"عربي بوست": "كنا نتذمر بسبب موجة غلاء الأسعار، فنقول لم يتبق سوى الهواء الذي نتنفّسه لكي يُفرضوا عليه الضريبة، والآن تحقق ما كان نسخر منه، وبتنا ندفع ثمن الأكسجين، حتى الصيدليات تستغل الظروف".

وأضافت المتحدثة أنها تعرفت على مُصابين بكورونا تدهورت حالتهم وقلت نسبة الأكسجين في دمهم ما جعلهم يبحثون في اتجاهين، الأول عن سرير بالعناية المركزة بالمستشفيات الحكومية، والثاني عن أسطوانات أوكسجين، لكن الأقدار كانت أسرع منهم، فغادروا الحياة في رحلة البحث هذه".

من جهته كشف مصدر بقطاع الطب الوقائي لـ"عربي بوست" أن "هناك أزمة أسطوانات الأكسجين في مصر،  لا يمكن إعطاء ظهورنا لَها، بعدما اتسعت هوتها بسبب الموجة الثانية، وبسبب الارتفاع الكبير في أعداد المصابين بالفيروس".

وأكد المتحدث أن "الحكومة ووزارة الصحة لا تنشران الأرقام الحقيقية عن عدد المسحات اليومي وإصابات ووفيات كورونا، وبالمثل لا يفصحون عن احتياطي الأكسجين أو متوسط حجم الطلب عَلَيه، أو حتى حجم إنتاجه، وهل هناك حاجة للزيادة والاستيراد أم لا، والنتيجة سوق سوداء وارتفاع أسعار".

 رحلة البحث عن الأكسجين

رصد "عربي بوست" اختفاء أسطوانات الأكسجين الضرورية للمصابين بمراحل متقدمة بفيروس كورونا، وخلال عملية بحث موسعة في الصيدليات وأماكن بيع المستلزمات الطبية، على نطاق جغرافي شمل محافظات كل من القاهرة والجيزة والقليوبية، اُكتشف زيادة سعر أسطوانة الأكسجين الواحدة بأكثر بين 150 و400 في المائة.

 وبعد فشلنا في ايجاد صيدلية واحدة تُوفر أسطوانات الأكسجين الصالحة للاستخدام، قررنا استكمال البحث في محلات بيع المستلزمات الطبية في شارع القصر العيني، لكن كل المساعي باءت بالفشل، فليس هناك أسطوانات متوفرة لا للبيع أو لا للإيجار، لكن هناك وعوداً بتوفيرها فقط.

وكشفت مصادرنا من عين المكان أن هناك حرب على أسطوانات الأكسجين في مصر، وأسعارها لازات مستمرة في الارتفاع مقابل ارتفاع عدد إصابات بفيروس كورونا.

ووصل سعر أسطوانة أوكسجين من حجم 6 لتر إلى 1800 جنيه، وأسطوانة 10 لتر بين 2140 جنيه و3000 جنيه، وأسطوانة 40 لتر قد يصل سعرها إلى 5000 جنيه، إن توفرت، بالإضافة إلى مستلزمات الأسطوانة من خرطوم وماسك ومرطب، والتي يصل ثمنها إلى 2500 جنيه.

استكمل فريق "عربي بوست" رحلة البحث عن أسطوانات الأكسجين في أهم المحافظات المصرية، فالتجأ إلى صيدلية بشارع شبرا، وقدم تقريرا طبيا لإصابتين بفيروس كورونا، والحاجة الماسة إلى الأكسجين بهدف العلاج وليس الاستحواذ، فأكد لنا صاحب الصيدلية أنه لا يملك ولا أسطوانة واحدة، كما أن أحد أقرباءه تُوفي بسبب عدم قدرته على توفير الأكسجين.

واستطاع "عربي بوست" الوصول إلى أحد "وسطاء" أسطوانات الأكسجين في مصر، يعمل في صيدلة شبرا، والذي أخبرنا أنه سمع حوارنا مع الصيدلي وأشفق علينا، فقدم خدمة توفير أسطوانة بـ400 جنيه لليلة الواحدة، مقابل تخفيض 25 في المائة، إذا تم الاستئجار لمدة 10 أيام، بالإضافة إلى رسوم الغاز الذي وصلت إلى 30 جنيه، و10 جنيهات غرامة تأخير عن كل ليلة.

خردة أسطوانات الأكسجين 

العرض السخي من جانب عامل الصيدلية أوصلنا إلى عالم السوق الموازي أو ما يُسمى بـ"السوق السوداء"، فاصطحبنا الرجل، بعد حصوله على إكرامية إلى منطقة تسمى الحافظية، وهي حي شعبي بمنطقة شبرا وسط القاهرة، وهو مكان وجود مخزن سري لأسطوانات الأكسجين.

المخزن الذي اطلع عليه "عربي بوست"، لا تتوفر فيها أي شروط صحية للاحتفاظ بالأكسجين، فالمكان مغلق ومظلم، وخالي من معدات إطفاء أو تهوية، أو مخارج آمنة، ويمكن لزائره أن يشم رائحة العفن المنتشرة في جدرانه.

توجد في المخزن السري الذي وصل له "عربي بوست" المئات من أسطوانات الأكسجين المتهالكة، التي لا تتوفر على أي بيانات توضح نوع الغاز إذا كان طبيا أم صناعيا، أو حتى معلومات عن منشأ الأسطوانة وميعاد اختبارها.

وكشف صاحب المخزن لـ"عربي بوست" في إطار الترويج لبضاعته، أنه يقوم بتعبئتها من ورشة زميل له لتوزيعها على المراكز الطبية والمستشفيات الصغيرة في الأقاليم، موضحا أن "تكلفة التعبئة تتراوح بين 40 و40 جنيهًا للأسطوانة الواحدة حسب حجمها، وفي حال بيعها تتعدى 1600 جنيه، وهو سعر منخفض لأنها مستعملة وصينية المنشأ، لكن الألمانية الصنع يصل سعرها إلى ضعف ذلك".

وبعد تأكده أننا لسنا من أي جهة رقابية أشار  المتحدث إلى أنه يحصل على تلك الأسطوانات القديمة الفارغة من وسطاء في مستشفيات كثيرة على مستوى الجمهورية، مقابلة عمولة مالية مقابل حصوله على الأسطوانات كخردة لإعادة ملئها من جديد.

وقال المتحدث: "كله بالمحبة والود، إذ أُعطي كل منهم إكرامية وهدية محترمة، ثم نذهب للمستشفى لنشتريها وننظفها ونقوم بتعبئتها وبيعها، فالناس الآن لا تهتم بالجودة، لكنهم يبحثون عن السعر الأقل كما أن أحدا لم يشتك منها، وإلا كنا الآن في السجن".

وفي رده عن سؤال "عربي بوست" حول البطاقة التعريفية لأسطوانة الأكسجين (سم الغاز، ورمزه الكيميائي، وتركيزه، ونقاوته، ورقم التشغيلة، وتواريخ الإنتاج والتعبئة ونهاية الصلاحية، وآخر) أجاب بـ "خليها على الله.. أتحداكم لو كانت أسطوانات الأكسجين الموجودة في العيادات الخاصة ومراكز الإسعاف والإستقبال بالمستشفيات عليها بطاقة التعريف هذه التي تتحدثون عنها".

وقال المتحدث "أنا أبيع الهواء، ولا أنكر أنني أحقق أرباحا، لكنني أكون سببا في إنقاذ أرواحٍ كثيرةٍ كما أن ما أفعله في نهاية الأمر يُعد خدمة للناس، لأن هذه مسؤولية الدولة والحكومة، وأنا أقوم بها، لأن الدولة مقصرة، والمسؤولين نايمين وإحنا بنشتغل ليل ونهار، ولو الحكومة وفرت الأكسجين للناس أكيد مكنش حد هييجي المكان دا".

وأرشدنا صاحب المخزن إلى صديق له يعمل كما قال بذات المجال، لكن بشكل أكثر احترافية إذ يقوم بتركيب وتغذية شبكة الغازات للمراكز الطبية بـ200 ألف جنيه بدلًا من نصف مليون جنيه، مؤكدًا أن لديه هو الآخر خبرة إذ قام بالتعامل مع شبكات غاز لعدد من المراكز الطبية بالأقاليم.

مخازن مهجورة

أبدينا اهتمامنا وأخبرناه أن أحد أقربائنا يبني مستشفى خاصا ويحتاج لسعر جيد للحصول على عدد كبير من أسطوانات الأكسجين حتى يتم تشغيل شبكة الغازات الطبية الخاصة بالمستشفى، فانفرجت أسارير الرجل مشترطا أن يحصل على عمولة من الصفقة وهو ما وافقنا عليه.

اصطحبنا "وسيط الأكسجين" إلى منطقة مجهولة بإحدى قرى محافظة المنوفية، وأثناء الرحلة قال لنا إن زميله يمتلك خزاناً للأوكسجين السائل، حصل على محتواه من أحد مصانع الغازات الطبية غير المرخصة بقدرة استيعاب تتعدى الـ15 ألف لتر سائل، فضلا عن مضخة أوكسجين ومبرد، وتقوم ورشته بتحويل الغازات السائلة إلى غازات تعبأ في أسطوانات.

وصلنا للمكان المنشود لنجده منزلا من دور أرضي بمساحة 60 متر يعمل فيه خمسة أشخاص. استقبلنا رجل في منتصف الأربعينات بترحاب شديد معرفاً نفسه بفخر شديد أنه متخرج من معهد فني (سنتين بعد الثانوية العامة) قسم تبريد، أي أنه لد دراية بالمجال.

وكشف المتحدث لـ"عربي بوست" أن ورشته تقوم علي فكرة محول الأكسجين، ويتم الحصول عل الهواء من الجو بنسبة 21 في المائة، بالإضافة لتشغيل الفلاتر والمعدات والمحولات، وبعد الحصول على الأكسجين يتم تعبئته في أسطوانات.

يعتمد الرجل لتنفيذ مهمته على عمود فصل مستورد من الصين، بالإضافة إلى خطوط تانكات وأسطوانات حصل عليها من المستشفيات، موضحاً أن أغلب الورش غير مرخصة لان الحصول على ترخيص يحتاج أموالا ضخمة تقدر بمئات الآلاف لسداد رسوم التراخيص، فضلا على أن الإجراءات مُعقدة والإشتراطات صعبة للغاية.

أسطوانات صينية مستعملة

طبقاً لقانون إنشاء مصانع الغازات الطبية، لابد أن يحصل المصنع على ترخيص للمباني بحيث تكون ذات مساحة معقولة لتوفير مكان للتنكات أو عمود الفصل أو المحولات، ومخزنا للأسطوانات، وسيارات نقل، ووسائل أمان وإطفاء لخطورة تلك الصناعة، والتانك قد يصل سعره قرابة مليون ونصف جنيه.

وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" فإن أغلب الأسطوانات المتداولة في السوق هي واردة من الصين ومستعملة، وهناك نوع ألماني مستعمل ولكنه غير متداول لأن من يقبل على تلك الورش هم الناس الغلابة ويريدون أقل سعر، ويتم ملئ الأسطوانة الكبيرة بقيمة 70 جنيه، بعدما كان يتم ملئها قبل الأزمة بـ30 جنيه فقط.

ويشير الرجل بفخر إلى إنسانيته سواء في الأسعار المهاودة بخلاف أسعار السوق، فضلا على أن العاملين بالمهنة يأتون إليه بأسطوانات متهالكة وعندما يجد أنها مملوءة بالشوائب يرفض ملئها لعلمه أن ذلك يضر بصحة المريض بينما هناك مصانع وورش تفعل ذلك وكل ما يعنيها جمع الأموال.

وأكد المتحدث أن مكسبه الأساسي يعتمد على التوريد لمستشفيات لديها شبكة غازات، إذ تأتي إليه سيارة كبيرة ذات تانك متنقل يملؤها بالغاز، وهي بدورها تقوم بملء التانك الثابت في المستشفى.

الانتهاكات لا تتوقف على وجود ورش تعبئة الأكسجين الطبي داخل أسطوانات متهالكة وغير مطابقة، كما يقول دكتور عبداللطيف محمد وهو طبيب رعاية مركزة بإحدى المستشفيات الخاصة والذي قال إنه "عمل في مستشفيات كثيرة، ومنها من كان يتعامل مع ورش حدادة تعمل فى مجال تركيب شبكات الغازات الطبية للمستشفيات والمراكز الطبية، وكان قد أبلغ وزارة الصحة عن هذه المستشفيات لكن دون جدوى".

وأضاف المتحدث أن حديثه عن خروقات أسطوانات الأكسجين في مصر دفع مدير مستشفى كان يشتغل فيها إلى تنقيله بدعوى إفشاء أسرار المهنة، الأمر الذي دفعه إلى الصمت.

وقال الطبيب المختص "أتعجب من فكرة العزل المنزلي واستخدام المرضى أسطوانات أكسجين، فلو حدث تلف للمنظم أو الفلتر المتصل بالأسطوانة ستتعرض رأتي المريض إلى ضغط كبير لكميات الأكسجين الأمر الذي سيؤدي لا محالة إلى انفجار الرأتين ثم وفاته، دون الحديث عن الشوائب التي ستُؤدي إلى تدهور الحالة الصحية".

وحذر المتحدث من كارثة استغلال أزمة كورونا جمع أسطوانات الغاز وملئها بالأكسجين، وتأجيرها للمصابين بالفيروس المحتاجين للتنفس الصناعي بمبلغ 200 جنيه في اليوم، وهو ما يسبب غالبا أضرارا صحية جسيمة قد تؤثر على المريض، نتيجة تفاعل الأكسجين مع الغاز.

وأشار المتحدث إلى أن المنظم داخل الأسطوانة  الذي يتم تركيبه في أسطوانات الأكسجين، هو نفسه الذي يركب في الغاز، واختلاط الأكسجين مع الغاز المسال يمثل خطورة بالغة على الجهاز التنفسي.

أرقام رسمية كاذبة

لم ينف عضو بجمعية الغازات الطبية، وجود ورش لصناعة وتعبئة أسطوانات الأكسجين الطبي بعيداً عن الخضوع لوحدات مراقبة جودة المنتج النهائي، قائلا إن هذه الأماكن تستعين بأسطوانات وتانكات غير مطابقة للمواصفات وتشكل خطورة على المرضى وللأسف أن عددها بالآلاف والعاملين بها دخلاء لا علاقة لهم بالمهنة.

وأكد مصدر "عربي بوست"  أن "هناك أشخاص يقومون بتركيب شبكات الغازات الطبية المتصلة بأسطوانات الأكسجين داخل المستشفيات دون أن يكونوا متخصصين في الهندسة الطبية، أو وجود سجل تجاري لهم، وتلك المصانع تجد رواجاً كبيراً في المراكز الطبية الخاصة بسبب فروق الأسعار".

وأضاف المتحدث "أن ورش ومصانع إنتاج الغاز الطبي تتركز غالبا في المحافظات بعيدا عن القاهرة، كما أنها تتهرب من الضرائب دائما وتُحقق من وراء عملها أرباحًا خيالية تفوق أرباح أصحاب المصانع المرخصة، كما أن المستشفيات تتعامل معهم دوماً، نظراً لقلة أسعار أسطوانات الغاز لديهم عن باقي المصانع المرخصة والتي تتبع شعبة الكيماويات".

وأشار المسؤول إلى أن ذلك يرجع إلى غياب الرقابة الدورية على مواقع الإنتاج من مصانع وأماكن توزيع المستشفيات من قبل وزارتي الصحة والصناعة كما أن عدد المصانع المعتمدة لا يتعدى 30 مصنعًا تخضع كلها للرقابة وسحب العينات ونظام الجودة.

من جهته يعترف شريف عزت، رئيس شعبة المستلزمات الطبية باتحاد الصناعات المصري أن سوق المستلزمات الطبية يعيش أسوأ فتراته حاليًا مشيرا إلى أن شركة الجمهورية لتجارة المستلزمات الطبية هي الشركة "الحكومية" الوحيدة التي تبيع أسطوانات أوكسجين، إلى جانب شركتين أخريين مرخصتين هما (القطرية وإياد) لتعبئة الغازات الطبية، تتبعان اتحاد الصناعات (حكومي).

ولم ينف المتحدث وجود نقص حاد في أسطوانات الأكسجين، مرجعًا السبب إلى الطلب الزائد عليها من قبل المستشفيات، وحالات العزل المنزلي إلى جانب زيادة أسعار الأسطوانات وأجهزة قياس الأكسجين ثلاثة أضعاف ما كانت عليه.

 أزمة على الأنترنيت

تفجرت أزمة نقص أسطوانات الأكسجين في مصر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل غياب وسائل الإعلام الرسمية، سواء القومية أو الخاصة لتسليط الضوء على أزمة تودي بأرواح العشرات في مصر.

ونُشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو عن وفاة إحدى المريضات في مركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة بسبب عدم توافر أنبوبة أوكسجين لانقاذها، بالإضافة إلى فاجعة مستشفى الحسينية، التي أودت بحياة 4 مرضى، لقي مصرعهم بعد انقطاع الأكسجين في وحدة العناية المركزة.

أيضا، في مستشفى الحامول المركزي، بمحافظة كفرالشيخ أنقذت جهود الأهالي المرضى من كارثة نقص مفاجئ في إمدادات الأكسجين بعدما استغاث بهم مدير المستشفى، الدكتور أحمد مصباح، عبر حسابه بـ "فيسبوك" قائلا: "أي حد متوفر لديه أسطوانات أوكسجين لمدة ساعة، المستشفى في احتياج ضروري إلى حين وصول سيارة الأكسجين التابعة لمديرية الصحة".

وتم تداول تغريدة عن بطولة أهالي محافظة الشرقية الذين مدوا مستشفى ههيا بأنابيب أوكسجين بجهود ذاتية بعد تعطل خزان الأكسجين في المستشفى خلال ساعات الليل، لينقذوا المرضى من الموت على أسِرة العناية المركزة.

وأمام هذه الأزمة، لازالت الرواية الرسمية تروج بأن الأمور على ما يرام داخل المستشفيات العامة والخاصة في مختلف محافظات مصر، وأن الصناعة المحلية توفر الاحتياجات الطبية وغير الطبية على مدار الساعة.

من جهتها تنفي وزيرة الصحة، وجود أي نقص في إمدادات الأكسجين للمستشفيات، وتؤكد أن "هناك مخزونا استراتيجيا من الأكسجين وزيادة في عدد الخزانات بالمستشفيات"، لكنها مقابل ذلك تعاقدت مع عدد من الشركات المنتجة للأوكسجين لإمداد المستشفيات به على مستوى الجمهورية.

أيضا عملت وزارة الصحة بعد توالي فواجع تسبب بها نقص الأكسجين إلى زيادة السعات التخزينية للأوكسجين، والتنسيق مع الشركات لتوفير طريقة نقل مناسبة عن طريق سيارات متنقلة بالمحافظات، بالإضافة إلى رفع كفاءة شبكات الغازات ومراجعتها بمختلف مستشفيات العزل.

شركات غير مرخصة لتخفيض التكلفة

كشف مدير بأحد المستشفيات الحكومية في محافظة دمياط لـ"عربي بوست" أنه "ليس مستبعداً موت المرضى بسبب نقص الأكسجين فهم يعانون من نقص الإمدادات، خاصة إذا كانت المستشفى تعمل بنظام الأسطوانات وليس الشبكات، مما يهدد حياة مرضى كورونا داخلها وتزيد الحالات في حال غياب وجود "مونيتور" الموضح لمستوى الأكسجين، وغياب وجود تقني يشرف على منع توقف عمل الأسطوانات، أو تلف الفلاتر أو الصمامات".

وأوضح المتحدث أن الشبكات أو الأسطوانات الطبية ركن هام داخل أي مستشفى، ويتم تصميمها بنظام فرنسي حيث تتكون من أسطوانات الغاز و"تانك"، وأسطوانات احتياطية بنفس عدد الأسطوانات الأساسية، بالإضافة لمنظم غاز ابتدائي وثانوي، وإنذار لنقص الغاز، بالإضافة لمحبس، ولكل أسطوانة غاز صمام أمان لتفريغ الضغط الزائد، ومنها أيضا نظام الهواء ومصدر الهواء ونظام الشفط.

وكشف المتحدث أن تكلفة إنشاء شبكة غاز طبي لأي مستشفى لا تقل عن مليون جنيه، لكن هناك مستشفيات وتحديداً الخاصة منها، تتعامل مع شركات غازات لا تملك سجلات صناعية أو بطاقة ضريبة، حتى تقلل تكلفة إنشاء الشبكة بمقدار النصف تقريبا حيث لا يزيد سعرها عن 500 ألف جنيه.

وأضاف المتحدث أنه من المفترض أن "يتم فحص أسطوانات الأكسجين داخل المستشفيات بصفة دورية، ويكون لكل أسطوانة رقم مميز لها لسهولة تتبعها وفحصها حسب الاشتراطات والمواصفات العالمية، لكن هذا لا يحدث وأثناء الصيانة يستعينون بعامل أو فني، وللتهرب من المساءلة يكتبون عقود صيانة صورية، ورقابة وزارة الصحة تتم على الأمور الشكلية فقط، كما أن المراقبين ليسوا على دراية بخصائص ومواصفات شبكات الغازات الطبية من الأساس وليس كل الأطباء لديهم الخبرة في معايير سلامة الأسطوانة، أو الشبكة".

 ملاحقة أمنية

أخذ "عربي بوست" ملف تجارة الأكسجين في السوق السوداء نظرا للخطورة التي يشكلها الأمر على صحة المواطنين، فتأكدنا من وجود حملات أمنية تشنها مديريات التموين والتجارة الداخلية على المصانع غير المرخصة، وتم ضبط مصنع لتعبئة أسطوانات الأكسجين الصناعي بالقليوبية، وتوريدها إلى المنشآت الصحية بالمخالفة للاشتراطات الصحية وذلك بعد أشهر من ضبط مصنع في شبرا الخيمة بالمحافظة ذاتها.

وكشف مصدر بالأجهزة الأمنية أن وزارة الداخلية تمكنت من ضبط موظفين بمستشفى إيتاى البارود العام بالبحيرة قاما باختلاس 114 أسطوانة أوكسجين من عهدتهما، وبيعها لبعض المراكز الطبية والجمعيات الخيرية، واقتسام حصيلة البيع فيما بينهما.

أيضا استطاعت الأجهزة الأمنية ضبطت 670 أسطوانة أوكسجين مُعبئة بكفر الشيخ قبل بيعها بالسوق السوداء، وذلك بعد أقل من أسبوع على ضبط 34 أسطوانة في مخزن خلال حملة تموينية بمركز طنطا بالغربية.

وأشار المصدر ذاته في حديثه مع "عربي بوست" إلى صعوبة السيطرة على الورش والأماكن غير المرخصة في كل المحافظات المصرية قائلا إن "مساحة البلاد كبيرة، ومن المستحيل على أي جهاز مهما كانت كفاءته وعدد العاملين فيه مسح كل هذه المساحة في وقت وجيز، وما يزيد من تفاقم المشكلة تعاطف الناس مع أصحاب الورش والأماكن غير المرخصة بدلا من الإبلاغ عنهم، وهو ما يرجع إلى وجود أزمة ثقة مستمرة منذ زمن بين الشعب والحكومة".تدقيق رزق

تحميل المزيد