الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني 2021، كان مبنى الكابيتول الأمريكي تحت الهجوم، هجومٌ هو الأشد تجرؤاً على الكونغرس منذ محاولة الهجوم على الكونغرس في أحداث 11 سبتمبر/أيلول، بل هو الأسوأ منذ أكثر من 200 عام، بحسب وكالة رويترز.
ما حدث، هو أن مجموعة من مؤيدي ترامب هي التي اصطدمت بالمبنى واقتحمته، في سابقة تاريخية دفعت واشنطن إلى الإغلاق وفرض حظر التجول، وأدت إلى نوع من عمليات الإخلاء التي كان يخطط لها مسؤولو الأمن في الكونغرس منذ 11 سبتمبر/أيلول، لكنهم لم يُضطروا قط إلى تنفيذ واحدٍ منها بدافعٍ من طارئ حقيقي.
داخل قاعة مجلس الشيوخ كان زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشارلز إي شومر، وزعيم أغلبية المجلس، الجمهوري ميتش ماكونيل، وأعضاء آخرون في مجلس الشيوخ، يناقشون الجمهوريين في اعتراضات واهية لا أساس لها من الصحة على إحصاء أصوات الهيئة الانتخابية التي من شأنها إتمام التصديق على نتائج الانتخابات وإحكام انتصار الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن البيّن على ترامب المنتهية ولايته.
بداية الحصار، وإجلاء النواب
فجأة، تلقى نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، الذي كان يترأس الغرفة من منصة قاعة مجلس الشيوخ، إشارةً بأن الوقت قد حان للتحرك، بحسب ما نقله أحدث الصحفيين الذي يعمل في صحيفة The Washington Post الأمريكية، حيث كان يتواجد في المبنى.
كان الوضع أن حشداً متزايداً بالخارج اخترق حواجز الأمن ودخل بالفعل مبنى الكابيتول. وسرعان ما أخرج عملاء الخدمة السرية بنس.
حالة من الهرج والمرج سادت المبنى، أعضاء مجلس الشيوخ يدخلون ويخرجون من القاعة، أصوات صراخ واشتباكات بين الشرطة ومثيري الشغب، قبل أن تأمر شرطة الكابيتول الجميعَ بالدخول إلى قاعة مجلس الشيوخ، حفاظاً على سلامتهم.
سُرعان ما أُغلق مجلس الشيوخ وأُعلن تأجيل الجلسة. وفي الوقت نفسه يهرول أفراد شرطة الكابيتول مروراً على أبواب قاعة مجلس الشيوخ المكونة من طابقين لإغلاقها كلها.
ثم رفعت السيناتور الديمقراطية، إيمي كلوبوشار، نظرها من هاتفها، معلنةً: "لقد أُطلقت طلقات نارية".
حاول ضابط شرطة مخضرم في الكابيتول تهدئة أعضاء مجلس الشيوخ، وأخبرهم أن التقرير عن حجم تهديد الاقتحام قد لا يكون دقيقاً. لكن في الساعة 2:30 مساءً، أمرت الشرطة الجميعَ بالخروج من القاعة.
البحث عن المكان الآمن في الكونغرس
في أكثر لحظات الحصار دراماتيكية، وبينما ينتشر ضباط مسلحون في كل ركن من أركان قاعة مجلس الشيوخ، بدأت الشرطة في إصدار التعليمات، وساروا بالجميع -رتل من أعضاء مجلس الشيوخ والموظفين والصحفيين- عبر عديدٍ من مكاتب المبنى بحثاً عن أكثر الأماكن أماناً لاتخاذها ملجأ في مجمع الكابيتول.
كان هناك مشهداً مشابهاً كان يجري على الجانب الآخر من مبنى الكابيتول، حيث أُخليت غرفة مجلس النواب وهرع المشرّعون للاختباء في مكان آمن في جانبهم من المبنى.
لم يُسمح باتخاذ السلالم، لأن المقتحمين كانوا في الطوابق السفلية. لذا توجه الجميع إلى المصاعد ونزلوا إلى الطابق السفلي، متجهين إلى مركز زوار الكابيتول (CVC)، والمركز عبارة عن مخبأ شاسع المساحة تحت الأرض تم بناؤه بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وتكلف نحو 700 مليون دولار، وبه غرف آمنة عديدة وأبواب مقاومة للانفجار.
أمر أحد الضباط، الذي كان يقف مدافعاً عن بابين، بالتوجه نحو "مبنى مكتب راسل التابع لمجلس الشيوخ"، لأن المقتحمين المؤيدين لترامب قد وصلوا أيضاً إلى مركز زوار الكابيتول.
حينها ركض بعض أعضاء مجلس الشيوخ، ومشى بعضهم الآخر، فيما دفع حراس الأمن شومر (زعيم الأقلية الديمقراطية) دفعاً إلى مغادرة المكان.
وفي علامة على تفكير الموظفين السريع، جمع مساعدو أعضاء المجلس عدة أشخاص لحمل الصناديق التي تحتوي على شهادات الهيئات الانتخابية للولايات، وهي الوثائق اللازمة للتصديق على فوز بايدن.
لحظات الرعب التي عاشها النواب
بحلول الساعة 2:45 مساءً، كان معظم أعضاء مجلس الشيوخ ومجموعة من المساعدين وأفراد وسائل الإعلام قد تجمعوا في الغرفة الآمنة. أبلغ الضابط الحاضرين بأنهم بأمان، لكنه قال إن الأمر سيستغرق بعض الوقت لتأمين مجمع الكونغرس. وفي غضون ذلك، قالوا إنهم يحاولون العثور على حافلات لتقل الجميع إلى منطقة أكثر أماناً.
بالعودة إلى مبنى الكابيتول، كانت الشرطة قد بدأت في البحث غرفةً غرفة للعثور على أعضاء مجلس الشيوخ والموظفين والصحفيين الذين تُركوا وراءهم. وقال أحد كبار مساعدي الحزب الجمهوري، الذي لديه مكتب لا يبعد كثيراً عن قاعة مجلس الشيوخ، إنه أخذ في يده قضيباً فولاذياً واتخذ ركناً خلف باب غرفته عندما اقترب المقتحمون المؤيدون لترامب. وقال إنه لما بدا وكأنه 20 دقيقة، أخذ مثيرو الشغب يطرقون بابه محاولين اقتحام الغرفة.
مع ذلك، فقد تكوّم آخرون في صمتٍ بإحدى الغرف الصغيرة التي أغلقوا بابها من الداخل، وأطفأوا هواتفهم المحمولة، خشية لفت الانتباه إليهم، فيما كان المقتحمون يمرّون من أمامهم.
داخل قاعة التأمين بمجلس الشيوخ، أمر أحد كبار الضباط مجموعة من مرؤوسيه بالذهاب إلى السيناتور تامي داكوورث، وهي عسكرية سابقة فقدت ساقيها أثناء الخدمة في حرب العراق، وتتحرك الآن على كرسي متحرك، وكانت مختبئة في مكتبها، خائفة من السماح لأي شخص بالدخول.
بعدها ببضع دقائق، ظهرت السيناتور داكوورث في القاعة الآمنة.
في النهاية، اقتيد المراسلون من قاعة التأمين الرئيسية إلى بهو خارجي. بقى أعضاء مجلس الشيوخ في القاعة، ربما للبدء في مناقشة ما لحق بالنسيج الأساسي للديمقراطية الأمريكية. ونُقلت أجهزة تلفاز إلى قاعة أعضاء مجلس الشيوخ، حتى يتمكنوا من مشاهدة وقائع الفوضى وهي تتكشف بأم أعينهم.
تصاعد الضغط على الجمهوريين القلائل الذين كانوا يعترضون على عدِّ أصوات أعضاء الهيئات الانتخابية للولايات المصوتة لبايدن، وهي الاعتراضات التي كانت قد أعطت قبلة الحياة لأوهام الغوغاء الذين اعتقدوا في أربع سنوات أخرى لترامب.
قبل الساعة الخامسة مساءً بقليل، قاد السيناتور الجمهوري تيد كروز مجموعةً من المعترضين من الحزب الجمهوري إلى غرفة منفصلة لمناقشة ما إذا كان ينبغي المضي قدماً في اعتراضاتهم وتحديهم لسير الأمور، في ضوء أعمال الشغب والتمرد التي وقعت.
بحلول الساعة السادسة مساءً تقريباً، بدأ عدد متزايد من أعضاء مجلس الشيوخ يتحدثون عن العودة إلى قاعة المجلس في استعراض يرمي إلى تأكيد قوة الديمقراطية.
قبل الساعة 6:45 مساءً بقليل، أي بعد نحو أربع ساعات من فرار أعضاء مجلس الشيوخ من مبنى الكابيتول، ترددت أصوات تصفيق عالٍ من الغرفة الآمنة. كان الكونغرس قد قرر الاجتماع مرة أخرى.