تشهد المنطقة الشرقية بليبيا حالة من الانقسام، وذلك بعد زيارة الوفد المصري للعاصمة الليبية طرابلس في ديسمبر/كانون الأول 2020، إذ ازدادت حدة التجاذب بالمنطقة الشرقية بين المكونات الاجتماعية والعسكرية، بالإضافة إلى انقسام وسط أكبر قبائل المنطقة.
وكشف مصدر مؤكد لـ"عربي بوست" أن قبائل المنطقة الشرقية المتمثلة في قبائل العواقير، والعبيدات، والمغاربة والبراعصة، والحاسة، تشهد حالة من الانقسام بسبب التباين الذي بدا واضحاً من خلال الاجتماعات المتتالية التي تُجريها تلك القبائل في عدة مناطق بالمنطقة الشرقية.
وأضاف مصدر الموقع أن مصر أصبحت في مواجهة للإمارات، هذه الأخيرة التي مازالت تدعم حفتر، في الوقت الذي اختارت فيه مصر في الآونة الآخيرة سلك طرق الحياد، وخطب ود حكومة السراج، المعترف بها أممياً.
المنطقة الشرقية بليبيا
المجموعة الأولى مازالت مستمرة في دعم خليفة حفتر، وتضم خليطاً من قبائل العواقير والعبيدات والمغاربة، الذين اجتمعوا في مدينة بنغازي، في 28 من ديسمبر/كانون الأول 2020.
وأصدرت القبائل المجتمعة بياناً ختامياً، أُطلق عليه اسم "ملتقى برقة"، و"الجامع على دعم الجيش الوطني"، ومسارات التفاوض ضمن لجنتيْ "5+5″، وأي حوارات مطروحة لحلّ الأزمة، بعيداً عن أصوات البنادق.
وتمسك البيان الختامي لهذه المجموعة بنتائج حوار تونس، وذلك بتحديد يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 موعداً للانتخابات البرلمانية والرئاسية، وفي حال تعثر ذلك يتم تكليف رئيس للحكومة لعبور المرحلة الانتقالية.
وأشار البيان إلى أن برقة لم تخوّل لأي شخص أو جهة في الحوار السياسي، في إشارة لرئيس برلمان طبرق عقيلة صالح.
دعم عقيلة صالح
أما المجموعة الثانية فتدعم مبادرة عقيلة صالح، وهي أيضاً خليط من قبائل العواقير، والعبيدات، والمغاربة، وباقي مدن المنطقة الشرقية التي أعلنت في 12 ديسمبر/كانون الأول 2020 باسم القبائل والمكونات الاجتماعية والسياسية والمدنية بإقليم برقة، دعمها التام للمبادرة التي أطلقها رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، والتي أُسست على مبدأ الأقاليم الثلاثة (برقة-طرابلس-فزان).
وأوضحت هذه المجموعة في بيان لها أن "هذا الدعم يأتي تفادياً لمزيد من الانقسام، وسعياً لتوحيد الجهود الرامية لإعادة الوئام والسلام، وحرصاً على استمرار العملية السياسية ومسارات الحوار التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة"، مؤكدة "رفضها التام استخدام أي آلية لا توافق أسس الاتفاق للمبادرة المطروحة، التي تُوجت بإعلان القاهرة".
وأعلنت المجموعة أنها "سترفض أي مخرجات تمس صلب مبادرة عقيلة صالح، أو تصادر حق الإقليم في اختيار ممثليه من خلال استخدام آليات تصويت لإقصاء شخصيات بعينها"، معتبرة ذلك "إسقاطاً للعملية السياسية برمتها، والتفافاً مفضوحاً القصد منه إفساد المسار السياسي، ورفض وضع أسس السلام والديمقراطية".
وأكدت القبائل الداعمة لمبادرة عقيلة صالح "دعمها لقوات الكرامة، وعدم إخضاعها للحسابات والمساومات السياسية"، مشيرة إلى أن "المقر الدستوري لانعقاد مجلس النواب هو مدينة بنغازي، أو مقره المؤقت بمدينة طبرق".
انفصال برقة عن ليبيا
أما المجموعة الثالثة التي تضم خليطاً من قبائل العواقير، والمغاربة، فتنادي بانفصال برقة عن ليبيا حال عدم ترشح رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح رئيساً للمجلس الرئاسي الجديد، إذ هدد شيخ قبيلة المغاربة صلاح الأطيوش، في 11 ديسمبر/كانون الأول 2020، بانفصال برقة في حال عدم تولي رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح رئاسة المجلس الرئاسي أو الحكومة.
وأكد الأطيوش أن "لجنة برقة بالحوار السياسي هي المخولة لاختيار ممثلي الشرق سواء لمنصب رئيس المجلس الرئاسي أو الحكومة"، منتقداً خلال اجتماع قبلي عُقد بمدينة درنة ما يتم طرحه داخل لجنة الـ75 بهذا الخصوص، ومؤكداً على أن "من تختاره لجنة برقة من أعضائها داخل الحوار هو من سيمثل البرقاوي وسيقبلون به".
انقلاب عن حفتر وصالح
مجموعة ترفض خياري كل من خليفة حفتر وعقيلة صالح، وتقود ثُلة من مشايخ قبيلة العرفة بمدينة المرج، المدعومة من المخابرات المصرية، وذلك عن طريق رئيس الأركان بالحكومة المؤقتة الفريق عبدالرزاق الناظوري، الذي ترى فيه الرئاسة المصرية بديل خليفة حفتر في المنطقة ورجلها الأول.
وتعمل المخابرات المصرية على أجندة جديدة بالمنطقة، بعد عدة اجتماعات جرت بينها وبين قيادات اجتماعية وعسكرية وإعلامية، لتخفيف حدة التوتر وخطاب التحريض والكراهية والدعوة إلى المصالحة ولم الشمل، وتتكون تلك المجموعة من خليط من قبائل العبيدات والعواقير، والبراعصة، والعرفة، والعواقير.
خيار ديمقراطي
هذه المجموعة تطالب بانتخابات رئاسية وبرلمانية، وتتكون من حكماء ومشايخ، وأعيان قبائل القطعان، والمنفي بإقليم برقة، والذين أعربوا عن استغرابهم من عدم تمثيل تركيبتهم الاجتماعية في حوار تونس، مؤكدين تمسكهم بألا تتعدى أي فترة انتقالية مدة سنة ونصف السنة، وبعدها تتم انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية، وأن الأجسام السياسية الموجودة لا تمثلهم.
وجاء في البيان الذي أصدرته هذه المجموعة: "نحن نمثل جزءاً من هذا الوطن الغالي، ونمثل مخزوناً بشرياً ضخماً، ومساحة جغرافية شاسعة، ما يجعل لزاماً علينا عدم النأي بأنفسنا عما يحدث في ليبيا اليوم، وما تشهده الساحة الليبية من جهود حثيثة للوصول لحل لإنهاء الانقسام من خلال المفاوضات السياسية وفق المسارات المنبثقة عن مؤتمر برلين".
وأضاف البيان أن "الأطراف السياسية على الساحة الليبية كان من المفترض أن تُسهم في إخراج هذا الوطن من عنق الزجاجة، إلا أنها أغرقته في الفساد وانعدام السيادة وعجزت عن حماية مواطنيها، وذلك من خلال الولاءات العابرة للحدود، والبحث عن مصالح شخصية ضيقة".
وأشار بيان المجموعة أن "مبدأ المحاصصة هو المتفق عليه الآن بين الأطراف المتحاورة، ونؤكد تمسكنا بمنصب رئيس الوزراء لإقليم برقة في أي اتفاق سياسي قادم، ونؤكد أننا لم نخول أي شخصية سياسية من خلال ذاته أو صفته في تحديد أي موقع آخر كمطلب يعبر عن تطلعاتنا".
وطالبت هذه المجموعة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإعلان عن المعايير التي تم بموجبها اختيار أعضاء منتدى الحوار الليبي في تونس المستقلين، حرصاً منهم على ضمان نجاحه، وحتى لا تغيب أي قوة مؤثرة في أي حوار قادم.
مصر.. الوسيط بين طرابلس وبنغازي
يرى المحلل السياسي عمر التهامي أن حالة الاستقطاب الحاد التي تشهدها المنطقة الشرقية هي نتاج طبيعي للمشهد السياسي الجديد الذي بدأت تتشكل ملامحه في تونس، كما يظهر مدى نفوذ الدول الداعمة لخليفة حفتر على المشهد الأمني والعسكري بالمنطقة الشرقية، وعلى رأسها مصر والإمارات.
وأضاف التهامي في حديثه مع "عربي بوست" أن "حالة الانفتاح والاختلاف التي تشهدها مكونات المنطقة الشرقية الآن لم تكن متواجدة خلال السنوات الست الماضية، وظهرت بعد تغيير سياسة الرئاسة المصرية بالمنطقة، ومحاولتها تغيير دفة العلاقات الليبية المصرية لصالحها".
وأشار المتحدث إلى أن "زيارة الوفد المصري إلى طرابلس في ديسمبر/كانون الأول 2020، تهدف من خلاله القاهرة إلى لعب دور مهم في الأزمة الليبية، خصوصاً بعد القطيعة السابقة بين النظام المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي والمجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج".
ولفت التهامي إلى أن "مصر تحاول لعب دور الوسيط بين طرابلس وبنغازي، في ظل استمرار عجز الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عن مواجهة التشابك الليبي"، مشيراً إلى "دعم مصر وروسيا بشكل كامل الهجومَ الذي شنه خليفة حفتر العام الماضي للسيطرة على طرابلس، لكن التدخل التركي إلى جانب حكومة الوفاق المعترف بها دولياً أوقفه".
وأضاف المتحدث أن "دور الأمم المتحدة في القضية الليبية لا يزال هامشيا؛ إذ اعتذر مبعوثها الجديد إلى ليبيا، الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ملادينوف، عن قبول منصبه حسب التهامي".
وأوضح التهامي أنه "في وقت يتبادل حفتر وتركيا تهديدات الحرب، كان يحاول السيسي اللعب عن نغمة الإدارة الأمريكية الجديدة التي تسعى لإنهاء الصراع الليبي، ما سيضطر الرئيس المصري لفك ارتباطه مع روسيا الداعمة لحفتر، ولعب دور متوازن، خصوصاً بعد تأجيل فتح قنصلية لبلاده في الشرق الليبي".