ستخلق مشهداً سياسياً جديداً في تونس.. لماذا قبل قيس سعيد مبادرة اتحاد الشغل لـ”تصحيح مسار الثورة”

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/01 الساعة 19:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/01 الساعة 19:14 بتوقيت غرينتش

فتحت الموافقة المتأخرة للرئيس التونسي قيس سعيد على مبادرة "اتحاد الشغل صاحب التأثير القوي"، الباب على مصراعيه لتساؤلات حول إمكانية تخليه عن شرطه السابق بإقصاء من وصفهم بالفاسدين، من المشاركة، وحول إمكانية إفراز الحوار لمشهد سياسي جديد.

وافق سعيّد على إطلاق حوار وطني تشارك فيه أحزاب ومنظمات وشبان من كل مناطق البلاد، بهدف "تصحيح الثورة التي انحرفت عن أهدافها بعد عقد من اندلاعها"، على حد تعبيره.

قدَّمت موافقة رئيس الجمهورية قيس سعيّد على دعم إحدى كبرى منظمات المجتمع المدني بالبلاد، بارقة أمل للتونسيين في آخر أيام عام 2020، لتجاوز الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية عبر تغليب لغة الحوار، إلا أن كثيراً من الغموض والجدل والريبة مازال يحيط بفرص نجاح هذه المبادرة وكذلك بالموقف الرسمي لسعيّد منها.

موافقة "مريبة " للرئيس

أكد الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، سامي الطاهري، لـ"عربي بوست"، أن المنظمة الشغلية ترحب بموافقة رئيس الجمهورية على إجراء حوار وطني يقدم حلولاً عملية للخروج من الأزمة، لكنه أوضح أن الاتحاد ينتظر توضيحاً من رئاسة الجمهورية لموقفها النهائي من مبادرة الاتحاد، خاصة بعد حذف الصفحة الرسمية للرئاسة على موقع فيسبوك بلاغاً أول تحدَّث بصريح العبارة عن قبول سعيّد بمبادرة اتحاد الشغل بعد لقائه أمينه العام نور الدين الطبوبي، واستبداله ببلاغ ثانٍ تحدَّث عن موافقة الرئيس على إقامة حوار وطني يهدف إلى تصحيح أهداف الثورة، ويشترط مشاركة ممثلين عن شباب جهات البلاد فيه.

أوضح الطاهري أنه وعلى الرغم من أن المبادرة تهدف بالفعل إلى تحقيق أهداف الثورة من تنمية وتشغيل في كل الجهات، فإن المكتب التنفيذي للاتحاد سيعقد اجتماعاً مع رئاسة الجمهورية في الأيام المقبلة، لاستيضاح الموقف الرسمي لقيس سعيّد من مبادرة اتحاد الشغل، وتحديد موعد انطلاق الحوار والشخصيات والأطراف التي ستشارك فيه.

تصحيح مسار الثورة

وحول دعوة رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، إلى أن يكون عنوان الحوار وغايته "تصحيح أهداف الثورة"، أوضح عبدالرزاق عويدات، القيادي وعضو المكتب التنفيذي في حركة الشعب (الحزب الذي نادى بحكومة الرئيس والأكثر تنسيقاً وتقارباً مع رئيس الجمهورية)، أن قيس سعيّد يدعو إلى العودة لشعارات الثورة؛ لوضع الأهداف الحقيقية التي يجب تنفيذها وتحقيقها في المرحلة المقبلة.

وأوضح عويدات، أنه وفيما نجحت تونس في نحت تجربة سياسية وديمقراطية فريدة، فإن الوقت قد حان لتحقيق أهداف الثورة الحقيقية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، من خلال الانكباب على وضع تصورات وخطط عمل، لتحقيق التنمية العادلة وتوزيعها بين التونسيين وتشغيل الشباب وبناء اقتصاد وطني قوي.

إيقاف القروي

وحول العوامل التي دفعت رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى تبني مبادرة اتحاد الشغل بعد رفضها في مرحلة أولى، أوضح المحلل السياسي علي القاسمي لـ"عربي بوست"، أن إيقاف رئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي، بتهم غسل أموال هي الدافع الرئيسي الذي غيَّر موقف قيس سعيد من مبادرة الاتحاد.

إذ يعتبر سعيد القروي واحداً من رموز الفساد الذين تجب محاكمتهم ومحاسبتهم، خاصة بعد إدانة محكمة المحاسبات لحزب قلب تونس ورئيسه بالتعاقد مع شركة ضغط أجنبية بهدف التأثير وكسب التأييد خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الماضية.

وأوضح القاسمي أن دخول القروي للسجن رفع الحرج عن سعيّد الذي اشترط استثناء الفاسدين من المشاركة في هذا الحوار، ومنحه أريحية للتفاعل إيجابياً مع مبادرة اتحاد الشغل، إضافة إلى أن الرئيس، وفق القاسمي، لا يرغب في أن يقف حجر عثرة أمام محاولات الخروج من الأزمة، في ظل تنامي الحراك الاجتماعي والاحتجاجات في عدد من جهات البلاد.

وتابع المحلل السياسي: "سعيّد وجد نفسه مُجبراً على التفاعل الإيجابي مع مبادرة اتحاد الشغل وتبني إطلاق حوار وطني للخروج من الأزمة، خاصةً أن كل الأطراف والجهات السياسية ومن بينها تلك المقربة منه في البرلمان (حركة الشعب/التيار الديمقراطي)، تنادي بالحوار. رئيس الجمهورية يعلم جيداً أنَّ رفض مبادرة الحوار ستجعله متهماً بعرقلة السعي  نحو الخروج من الأزمة، وتوتير الأوضاع خدمة لمشروعه السياسي؛ لذلك قرر تبني مبادرة الاتحاد، خاصة بعد إيقاف القروي".

لا لإنهاء الحراك الاجتماعي

وفي سياق متصل نفى سامي الطاهري لـ"عربي بوست"، أن يكون الهدف من الحوار هو إطفاء الحراك الاحتجاجي في جهات البلاد كافة، قائلاً: "من يعتقد أن الحوار محاولة لإطفاء الاحتجاجات واهم، لأن الحوار يهدف إلى إيجاد حلول تهدف إلى تحقيق مطالب الجهات والشباب في التشغيل والتنمية".

وأضاف الطاهري أن الاتحاد العام التونسي للشغل لن يتوانى عن دعم التحركات الاحتجاجية السلمية التي تنادي بالتنمية والتشغيل، وأن الهدف من صياغة هذه المبادرة هو التفاعل مع هذه الاحتجاجات  والبحث عن خطط وحلول عملية، لتحقيق أهداف هؤلاء المحتجين.

إقصاء "الكرامة" و"الدستوري الحر"

وأكد القيادي النقابي التوقعات التي تشير إلى إقصاء كتلة ائتلاف الكرامة (المقربة من حركة النهضة وشريكتها في دعم حكومة المشيشي) أو الحزب الدستوري الحر، من المشاركة في هذا الحوار، حين أكد أن المشاركة في مبادرة الاتحاد تستثني الأطراف والجهات التي لا تؤمن بمدنية الدولة والنظام الديمقراطي وتستعمل العنف اللفظي والمادي وتحرض على الكراهية، والأحزاب التي لا تؤمن بالثورات المرتبطة بجهات أجنبية.

وشدد الطاهري على أن مبادرة اتحاد الشغل لا تستهدف أي طرف سياسي ولا تدعم أي جهة على حساب أخرى؛ بل هي محاولة لتجميع كل القوى المؤمنة بمدنية الدولة وبثورتها، للبحث عن آفاق وأدوات وحلول جذرية للخروج من أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية.

إلى ذلك تشير مصادرنا المطلعة إلى أن موافقة رئيس الجمهورية على تبني مبادرة اتحاد الشغل جاءت بعد إيقاف رئيس "قلب تونس"، نبيل القروي، المتهم بغسل الأموال، والذي يعتبره قيس سعيّد أحد رموز الفساد في تونس.

وأشارت المصادر نفسها إلى أن سعيّد لا يمانع الآن أن يشارك "قلب تونس" في الحوار الوطني.

نحو حكومة ومشهد سياسي جديدين

يتوقع كثير من المراقبين أن يكون لنتائج الحوار تأثير كبير على  الحكومة والمشهد السياسي في اتجاه إمكانية تغييرها كلياً أو إسقاط مطلب تعديلها الذي تتمسك به حركة النهضة وحزب قلب تونس، أكد الصادق جبنون، الناطق الرسمي لحزب قلب تونس، أنه لن يكون هناك تأثير لنتائج ومخرجات الحوار على التعديل الوزاري المرتقب على حكومة هشام المشيشي.

وأوضح جبنون أن إجراء تعديلات وتحوير وزاري في الحكومة الحالية لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تقرره نتائج الحوار؛ بل رئيس الحكومة الذي يقود فريقاً من الوزراء والذي يمنحه القانون والدستور إمكانية تغييرهم حين يلاحظ أي تقصير أو سبب يستوجب الإقالة، والأحزاب الداعمة للحكومة بعد التشاور مع رئيس الحكومة.

وأوضح جبنون أن حزب قلب تونس يُجري تقييماً لأداء الوزراء، وسيناقش التعديل الوزاري مع رئيس الحكومة في الفترة القادمة.

ورغم أن الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل أوضح أن الحوار الوطني قد يفرز مشهداً سياسياً آخر أو حتى برلمانياً جديداً، أكد محمد خليل البرعومي، عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، أن إمكانية تغيير الحكومة أو رئيسها وفقاً لنتائج الحوار الوطني المرتقب، أمر غير مطروح.

شدد البرعومي على ضرورة احترام الشرعية، مشيراً إلى أن الهدف من الحوار يجب ألا ينصبَّ في اتجاه إجراء تغيير سياسي في البلاد بقدر ما يكون تقديم حلول عملية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس.

وأوضح أن حركة النهضة قد تذهب في اتجاه مطالبة رئيس الحكومة بإجراء تعديلات في بعض الوزارات بعد تقييم أداء الوزراء، مؤكداً أن الأمر لا علاقة له بالحوار أو نتائجها.

احتقان سياسي واجتماعي

وكان الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات العمالية في تونس وأكثرها تأثيراً، قد أطلق مبادرة للحوار الوطني تستهدف إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد.

ورفض رئيس الجمهورية في البداية، المشاركة في حوار مع من وصفهم بالفاسدين، قبل أن يعلن منذ أيام، تبنّيه مبادرة الاتحاد، بعد يومين من إيقاف رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، وإيداعه السجن في تهم غسل أموال.

يأتي ذلك بعد أن فاقمت أزمة كورونا المشاكل والأزمة التي يعيشها الاقتصاد التونسي المتعثر منذ سنوات، في ظل تنامي الاحتجاجات في أغلب مناطق ومحافظات التونسية، حيث أغلق المحتجون المطالبون بالتنمية والتشغيل مواقع إنتاج الغاز والفوسفات والنفط؛ مما أدى إلى شل النشاط الاقتصادي وخروج الوضع الأمني عن السيطرة. 

وقد ساهم توتر المشهد السياسي في تعميق الأزمة بتونس، حيث أصبحت أشغال البرلمان معطلة تقريباً، بسبب التجاذبات السياسية بين الكتل البرلمانية. وقد دخلت الكتلة الديمقراطية في اعتصام مفتوح داخل مجلس نواب الشعب منذ أسابيع، بسبب تعرُّض نوابه للعنف المادي من قِبل نواب ائتلاف الكرامة، على حد تعبير الكتلة.

وقد وصل الاحتقان السياسي إلى حكومة المشيشي، حيث تم إيقاف وزير البيئة عقب فضيحة "النفايات الإيطالية"، بعد إقالته، وسط مطالبة من الحزام البرلماني (النهضة/قلب تونس) بإجراء تحويرات وزارية في حكومة المشيشي.

علامات:
تحميل المزيد