أثار وضع الجزائر في قائمة الدول التي جمّدت الإمارات العربية المتحدة منح التأشيرات لمواطنيها جدلاً كبيراً، خاصة أن مبررات القرار -حسب متابعين- غير منطقية تماماً، في وقت ربط فيه آخرون خطوة أبوظبي بالأزمة السياسية بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة، وضغط هذه الأخيرة لعدول الجزائر عن مواقفها تجاه العديد من القضايا، وعلى رأسها قضية التطبيع، ومراجعة الموقف تجاه الملف الليبي والصحراوي.
وثيقة ثم حقيقة..
انتشرت في 25 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وثيقة عبر مختلف المنصات الإخبارية، ومواقع التواصل الاجتماعي، مفادها أن الإمارات العربية المتحدة قد قامت بتجميد منح التأشيرات لـ13 دولة، من بينها الجزائر حتى إشعار آخر.
القرار اتُّخذ -حسب مصادر الوكالة لاعتبارات أمنية- دون أن تأتي على ذكرها، ويشمل مواطني 13 دولة، منها أفغانستان، وليبيا، واليمن، وكذلك كينيا والعراق ولبنان وباكستان وتونس وتركيا والجزائر.
هذه الأخيرة التي سارعت وزارة الشؤون الخارجية بها لتفنيد الخبر، واعتبرت ما تم ترويجه ما هو سوى "أخبار زائفة لا أساس لها من الصحة".
وقال بيان الخارجية الجزائرية حينها إن "ما تروج له بعض وسائل الإعلام الأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعي لأخبار تزعم فيها إدراج اسم الجزائر في وثيقة صادرة عن هيئة رسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، تحظر على المواطنين الجزائريين الحصول على تأشيرة الدخول إلى الأراضي الإماراتية إلى جانب دول أخرى، هي أخبار زائفة ولا تمُتّ للحقيقة بِصِلة".
لكن السلطات الإماراتية، وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، قالت بشكل رسمي إنها "أوقفت منح التأشيرة لدخول أراضيها"، وشمل القرار مواطني 13 دولة، بينها 8 دول عربية، هي سوريا ولبنان والعراق وتونس والجزائر وليبيا واليمن والصومال، إضافة إلى إيران وتركيا وأفغانستان وكينيا وباكستان.
وحسب ما أوردت وكالة الأنباء الإماراتية وتناقلته وسائل إعلام محلية في الجزائر وعلى نطاق واسع حينها "فإن وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد أكد أن القيود التي فُرضت على بعض التأشيرات "مؤقتة" بسبب تفشي جائحة كوفيد-19″.
الإمارات راوغت الجزائر، أم الجزائر هي من راوغت شعبها؟
الرد السريع على الوثيقة المنسوبة للمجمع الحكومي بالإمارات العربية المتحدة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 من قِبَل الخارجية الجزائرية في نظر المحلل السياسي عبدالوهاب بلحوت "خطأ كبير، وتسرُّع ليس في محله".
وأعتبر بلحوت، في تصريح لـ"عربي بوست" أن "كل الدول التي أدرج اسمها في الوثيقة المسربة سابقاً، التزمت الصمت، ولم يرد أحد عما قاله المجمع الحكومي بخصوص تعليق منح التأشيرات، إلا الجزائر التي سارعت إلى نفي الخبر".
وفي هذا الموقف يضيف عبدالوهاب بلحوت: "يمكن أن نتساءل إن كانت حقاً الإمارات قد أكدت سابقاً وفق بيان الخارجية الجزائرية أن الجزائر ليست معنية بقرار تعليق منح التأشيرات، قبل تأكيدها ذلك في تصريح لوزير خارجيتها؟ أم أن الجزائر اعتمدت على معلومات بعيدة عن سلطة القرار بالإمارات العربية المتحدة لتفنيد الخبر؟".
إن كانت الإجابة عن التساؤل الأول هي الصحيحة يقول بلحوت: "فإن الإمارات العربية المتحدة قد راوغت الجزائر، وردت بشكل صريح على عمق الأزمة الدبلوماسية بين البلدين التي وصلت حد المعلومة".
أما إذا كانت الإجابة عن الشق الثاني من السؤال هي الصحيحة، ففي نظر المحلل السياسي "فإن الجزائر هي من راوغت شعبها، وقدمت معلومات غير صحيحة، وببيان رسمي من الخارجية الجزائرية، التي تمثل وجه الدولة في العالم".
وفي كلتا الحالتين فإن الجزائر تكرر "قد أخطأت خطأ فادحاً في الرد السريع على وثيقة قالت إنها مزيفة، وكان لها أن تتجاهلها حتى يتضح الخيط الأبيض من الأسود، لكنها أصدرت بياناً لتقع فيما احتواه بعدها".
الإمارات كذبت مرتين
يستبعد الإعلامي الجزائري بقناة "دزاير" عبدالنور جحنين أن تقع الخارجية الجزائرية في هذا الخطأ، وتصدر بياناً تناقلته وكالات أنباء ومنصات أخبار عالمية، نفت فيه إدراج الجزائر في قائمة الدول التي علقت الإمارات العربية المتحدة منح التأشيرات لمواطنيها.
البيان الذي أصدرته الخارجية الجزائرية وفق جحنين "تحدث عن أن السلطات في الإمارات العربية المتحدة هي من أكدت أن الوثيقة مزورة، وأن الإمارات لا تعتزم تعليق منح التأشيرات للجزائريين".
ولذلك يقول عبدالنور جحنين: "أرى أن الإمارات هي من كذبت على السلطات الجزائرية، وأخفت حقيقة إدراج بلدهم ضمن قائمة البلدان المعنية بتعليق منح التأشيرات قبل تأكيد ذلك من قِبل وزير الخارجية الإماراتي".
وليست هي الكذبة الأولى التي وقعت فيها الإمارات، حسبه، "فهي ومع انتشار الوثيقة الأولى وفق ما قالته وكالة رويترز، أرجعت سبب التعليق إلى ظروف أمنية، قبل أن يؤكد وزير خارجية الإمارات أن الأسباب راجعة إلى تفشي وباء كورونا".
الأستاذ والمحلل السياسي الجزائري سمير قلالتة بدوره "استبعد أن يكون بيان الخارجية الجزائرية غير مؤسس بتصريحات من الإمارات العربية المتحدة، واستغرب أن يتحول سبب تعليق التأشيرات فجأة من الدواعي الأمنية إلى الوضعية الوبائية".
الأسباب واهية وغير منطقية تماماً
استندت الإمارات العربية المتحدة في قرارها تعليق منح التأشيرات إلى دواع امنية، لكن وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، وبعد تأكيد خبر التعليق رد الأسباب إلى تفشي فيروس كورونا.
هذه الأسباب -وفق ما صرح به الدكتور يامين بودهان أستاذ الإعلام بجامعة سطيف2- في حديثه لـ"عربي بوست"، "غير منطقية تماماً، وتجاهلت بلداناً أسخن من ناحية التوتر الأمني إن كان السبب الأول ومن ناحية الانتشار الكبير لوباء كورونا إن كان السبب الثاني".
لذلك يضيف "لا أعتقد أن الإمارات العربية المتحدة قد توكأت في تعليق منح التأشيرات إلى الوضعية الوبائية في العالم، أو التوتر الأمني ببعض الدول، علماً أن الجزائر مؤخراً باتت في وضع أمني هادئ جداً، ومستقر من ناحية الأرقام المسجلة بخصوص كوفيد 19".
فالجزائر كما قال "ليست في الخانة الحمراء ولا ضمن الدول المتضررة كثيراً، كالولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الأوروبية التي تصول وتجول من وإلى الإمارات دون اعتراض، أو حتى الكلام على نية تعليق التأشيرات".
ما حدث "فصل آخر من فصول الأزمة السياسية بين البلدين"
أصبحت الأزمة السياسية والدبلوماسية بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة -وفق تصريحات المحلل السياسي الجزائري عبدالوهاب بلحوت لـ"عربي بوست"- "واضحة للعيان، وتندرج قضية تعليق منح التأشيرات في هذه الأزمة التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم".
وما قامت به الإمارات -يضيف بلحوت- "هو إحراج للجزائر التي سارعت إلى تكذيب الوثيقة التي تحدثت عن تعليق التأشيرات لـ13 دولة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وبالتالي إضعاف دبلوماسيتها أمام الرأي الدولي".
وفي هذه النقطة، يقول الإعلامي عبدالنور جحنين لـ"عربي بوست": "تعليق منح التأشيرات من قِبَل الإمارات للجزائريين له جوانب سياسية متداخلة مع المواقف الجزائرية الثابتة من الملف الليبي والصحراء الغربية، والقضية الفلسطينية".
كما أن الإمارات، يضيف: "تريد الرد على الجزائر بعد إحراج الإمارات بحديثها عن الهرولة للتطبيع مع إسرائيل، بتأزيم الوضع سياسياً، وضغط المجتمع الدولي على القضايا التي تراها الجزائر عادلة، لا سيما قضية فلسطين والصحراء الغربية".
"التعليق" رسالة تهديد للعودة إلى الصف
يرى أستاذ الإعلام بجامعة سطيف 2 الدكتور يامين بودهان، أن "تصنيف الجزائر ضمن القائمة مؤقتاً غير مرتبط بتطورات الحالة الوبائية، لكنه مرتبط بالتوجهات الاستراتيجيات الجديدة".
يضيف: "ما قامت به الإمارات العربية المتحدة إشارة ضمنية وتنبيهية للجزائر بمراجعة مواقفها السياسية والاستراتيجية تجاه حلف الإمارات وفي مقدمة مواقفها قضية التطبيع مع إسرائيل وملف المغرب والصحراء الغربية".
الإمارات العربية في رأي الإعلامي عبدالنور جحنين، "موجوعة من مواقف الجزائر الأخيرة، وبقائها شوكة في طريق مخطط الإمارات لصناعة خريطة جديدة للوطن العربي مسالم ومطبع مع إسرائيل".
والإمارات أيضاً، يضيف: "غير راضية عن التوجه الجديد للجزائر، ورسم تقاربها السياسي والاقتصادي مع الثلاثي الروسي، والصيني، والتركي، لذا فهي تريد من خلال قرارها الأخير بعث برسالة تهديد للجزائر للعودة إلى بيت الطاعة".
آل زايد، كما قال المحلل السياسي الجزائري عبدالوهاب حتحوت لـ"عربي بوست"، "استمالوا حليفهم الأول الرئيس الأمريكي ترامب، لتغيير موقف بلاده من قضية الصحراء الغربية، ضغطاً على مواقف الجزائر واتجاهاتها، وخلق تقارب أقوى مع المغرب رداً على التوجه الجزائري الجديد نحو الشرق".
الإمارات في رأيه "تعلم جيداً أن الضغط على الجزائر من خلال الجالية وتعليق منح التأشيرات سيزيد من صداع رأس البلد، علماً أن قنصلية الجزائر بدبي وحدها تسجل أزيد من 10 آلاف جزائري يمثلون ثلث الجزائريين بالإمارات العربية".
وبالتالي، يردف: "ما قامت به الإمارات من تعليق للتأشيرات، وما تقوم به بخصوص الملفين الليبي والصحراوي، ما هو إلا تهديد للجزائر وإقناعها بالعودة إلى الصف".
أما الأستاذ والمحلل السياسي سمير قلالتة، فيقول: "أكيد ما قامت به الإمارات هو رسالة تهديد وتلميح بعدم الرضا عن سياسة الجزائر؛ لاصطفافها مع المحور التركي-القطري في الملف الليبي، وكذلك لرفضها التطبيع مع الصهاينة، وهي تعكس بوادر خلاف كبير بين الجزائر والإمارات، خاصة بعد وقوف هذه الأخيرة مع المغرب في قضية الصحراء".
الجزائريون ينتظرون توضيحات صادقة
أستاذ الإعلام بجامعة سطيف 2 الدكتور يامين بودهان، يرى أن "موقف الجزائر غير مفهوم تماماً بعد صدور تكذيب وزارة الخارجية، ولم تصدر أية مواقف سياسية من طرف الجزائر بعد صدور تأكيدات من الطرف الإماراتي وتناقلتها وسائل الإعلام بأن الجزائر فعلاً مدرجة في القائمة".
والموقف الرسمي الجزائري، كما قال بودهان لـ"عربي بوست"، "اكتنفه الغموض والصمت، والأمر في نظري غير مبرر، وكان يجب تقديم توضيحات صادقة للرأي العام توضح الحقائق كاملة بخصوص الموضوع" .
المحلل السياسي الجزائري عبدالوهاب بلحوت كان يتمنى أن تسرع الجزائر إلى إصدار بيان للرد على تأكيد الإمارات، كما سارعت للرد على الوثيقة الأولى.
وقال عبدالوهاب لـ"عربي بوست": "كل الجزائريين ينتظرون الموقف الرسمي للجزائر بخصوص تعليق منح التأشيرات، والرد على تصريحات الإمارات الأولى بخصوص عدم إدراج الجزائر ضمن قائمة الدول التي تم تعليق منح التأشيرات لمواطنيها، والتأكيد الرسمي الإماراتي بتعليق منح التأشيرات للجزائريين".