لن يستطيع الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب إخفاء غضبه وشعور المرارة، وهو يقضي عطلة نهاية العام في عزلة تامة في منتجعه الواقع في مارالاغو بولاية فلوريدا، وهي آخر عطلة نهاية السنة سيقضيها كرئيس للولايات المتحدة، ويظهر ترامب منطوياً على نفسه وغاضباً، وفق ما ذكره تقرير لوكالة "فرانس بريس"، الذي اعتبر أن ترامب يظهر وأنه لا يرغب في ممارسة ما تبقى له من مهام.
أما ما يعكس هذا الغضب الذي اكتسح مشاعر الرئيس المنتهية ولايته، هو ما تخطه أصابعه على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، حيث يصب غضبه في رشقات من التغريدات، فيوزع الضربات ويمطر الشتائم على دائرة واسعة من الخصوم تخطت أهدافه التقليدية كالإعلام والديمقراطيين، وفي الوقت نفسه يمارس رياضة الغولف المفضلة لديه.
موجة غضب عاتية
يأتي هذا، في وقت ما زال فيه الرئيس المنتهية ولايته، يوزع الاتهامات في كل جانب، ويقول إن "الانتخابات قد سُرقت منه"، ويعتقد بأن "بايدن زوّر النتائج".
أما موجة الغضب فقد طالت أيضاً حتى أقرب مقربيه، فالمحكمة العليا التي عين بنفسه ثلاثة من قضاتها التسعة هي بنظره "عديمة الكفاءة وضعيفة"، فيما أقطاب حزبه الجمهوري "يثيرون الشفقة" وحاكم جورجيا الجمهوري مجرد "كارثة حقيقية". أما مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل، فـ"لم يقوما بعملهما"، في حين أن مقالات صحيفة وول ستريت جورنال هي ببساطة "مملة وغير متماسكة".
واللافت أن ترامب لم يتبادل أي كلام مع مجموعة الصحافيين العشرة تقريباً التي ترافقه في كل تنقلاته.
هذا الوضع على تناقض مذهل مع السنوات الأربع المنصرمة التي أبدى خلالها رغبة كبيرة في التواصل مع الإعلام.
فغالباً ما بادر الصحافيين بنفسه عند أسفل أدراج الطائرة الرئاسية أو على بساط أحمر أو خلال مراسم، مستدرجاً الأسئلة وطالباً الحديث، في تباين تام مع عزلته في نهاية العام 2020.
فهو الذي درج على الجلوس أمام عدسات المصورين رافعاً مرسوماً أو قانوناً وقع عليه، امتنع الأحد عن الظهور على الإعلام حين وضع توقيعه على خطة دعم الاقتصاد.
ويبدو هذا الموقف لافتاً لا سيما أن الخطة البالغة قيمتها 900 مليار دولار وتتضمن مساعدات للأسر والشركات الصغرى، حظيت بأصوات الديمقراطيين والجمهوريين على السواء، في بادرة نادرة في الكونغرس، وكانت تنتظر بترقب شديد في البلاد.
غير أن التوقيع الرئاسي طال انتظاره كثيراً، إذ تمنّع ترامب وندد بالنص، قبل أن يرضخ أخيراً ويوقعه من دون الحصول على أي تنازل من الكونغرس.
والذكرى الوحيدة التي ستبقى عن هذه العطلة الرئاسية الأخيرة هي صور التقطت له من بعيد، يظهر فيها يلعب الغولف مرتدياً قميصاً أبيض وعلى رأسه قبعة حملته الانتخابية الحمراء وعليها شعاره "لنجعل أمريكا عظيمة من جديد".
عشرون يوما
ورغم ذلك، أكد البيت الأبيض في برنامجه الرسمي الذي لم يتضمّن أي حدث عام، أن الرئيس سيواصل العمل "بلا كلل" من أجل الأمريكيين.
وحرصت الإدارة الأمريكية على التوضيح في صيغة غير معهودة أن "جدول أعماله سيتضمن العديد من اللقاءات والكثير من الاتصالات الهاتفية".
في وقت تواجه الولايات المتحدة على غرار العديد من الدول الأخرى فورة من الإصابات بوباء كوفيد-19، لم يتفوه ترامب بكلمة واحدة عن الأزمة الصحية ووطأتها الاجتماعية والاقتصادية، مكتفياً بالتنديد بالولايات وتحميلها مسؤولية التأخير في توزيع اللقاحات.
وفي هذه الأثناء، تتراكم أعداد الوفيات، وسجلت الولايات المتحدة الأربعاء في اليوم ما قبل الأخير من عطلة ترامب في فلوريدا 3927 وفاة خلال 24 ساعة، في حصيلة غير مسبوقة حتى الآن.
وبعدما تخلى ترامب في اللحظة الأخيرة عن قضاء ليلة رأس السنة في مارالاغو، ينتظر وصوله إلى واشنطن بعد ظهر الخميس.
ويبقى للرئيس 20 يوماً في البيت الأبيض.
20 يوماً تثير تساؤلات عديدة. ماذا سيفعل خلالها؟ هل يبدل أخيراً موقفه في الشوط الأخير من ولايته؟ هل يحضر مراسم تنصيب جو بايدن في 20 كانون الثاني/يناير؟
لا أحد يجازف بإطلاق تكهنات، لكن بوادر الدعم للرئيس المنتهية ولايته تتراجع يوماً بعد يوم.
فزعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، أحد الرجال الأكثر نفوذاً في واشنطن، أقر بفوز بايدن. ثم أفاد بوضوح في الأيام الأخيرة في سياق مناقشة خطة المساعدات للأسر أن طلبات الرئيس لم تعد من ضمن أولوياته.
لكن الضربة القاضية جاءت من صحيفة نيويورك بوست التي قدمت دعماً ثابتاً لترامب على مدى أربع سنوات، كافأها عليه بالمديح والثناء، إذ دعته أخيراً إلى تخطي "غضبه جراء هزيمته" في الانتخابات.
وصدرت الصحيفة بصفحة أولى لا تقبل اللبس، إذ عنونتها "سيّدي الرئيس.. أوقف هذا الجنون".