في تصعيد جديد من جانب القاهرة، ورداً على المحاكمات الغيابية التي تعتزم روما إجراؤها بحق أربعة ضباط كبار بأجهزة الأمن المصرية بتهم تتعلق بقتل الباحث والطالب الإيطالي، جوليو ريجيني، أغلقت السلطات المصرية مؤقتاً الملف لعدم معرفة الجاني، مُتهمة أطرافاً معادية للبلدين بالسعي لاستغلال الحادث، كما تقول.
وكانت أعلنت النيابة الإيطالية، قد أعلنت منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول 2020، اشتباهها في 4 من الأمن المصري، بينهم ضابط بالمخابرات العامة، في قضية "ريجيني".
والأربعة المشتبه بهم الذين وردت أسماؤهم في بيان الادعاء الإيطالي، هم الرائد شريف مجدي من المخابرات العامة، واللواء طارق صابر الرئيس السابق لجهاز الأمن الوطني، وعقيد الشرطة هشام حلمي، والعقيد آسر كمال رئيس مباحث مرافق القاهرة السابق.
وأمهل المدعون الضباط الأربعة 20 يوماً للرد على الاتهامات، وسيطلبون بعدها من القضاء الإيطالي توجيه اتهامات لهم.
بيان السلطات المصرية جاء قبيل انتهاء المهلة الإيطالية
وقبيل انتهاء المهلة الإيطالية، أمر النائب العام المصري، الأربعاء 30 ديسمبر/كانون الأول 2020، بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في واقعة قتل واحتجاز ريجيني وتعذيبه بدنيّاً في عام 2016.
وكلّف المسؤول المصري، في بيان له، جهات البحث بموالاة التحري لتحديد الفاعل، واستبعاد ما نُسب إلى أربعة ضباط وفرد شرطة بقطاع الأمن الوطني في تلك الواقعة من الأوراق، مؤكداً أن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في واقعة سرقة منقولات المجني عليه بالإكراه الذي ترك آثار جروح به لانقضائها بوفاة المتهمين.
وريجيني كان يُعد في مصر دراسة حول الحركات العمالية عندما اختفى في القاهرة في 25 كانون الثاني/يناير 2016 ليُعثر على جثته بعد تسعة أيام وعليها آثار تعذيب.
ووفقاً لبيان النيابة العامة المصرية، "ربطت سلطة التحقيق الإيطالية بين وقائع وأدلة على نحو غير صحيح، مما شكّل خللاً في تصور الوقائع، واضطراباً في فهم طبيعة عمل ضباط الشرطة وإجراءاتهم وطبيعة التحري الذي أجري حول سلوك المجني عليه (ريجيني)، فضلاً عن طرح سلطات التحقيق الإيطالية شهادات وأدلة حجبتها عن النيابة العامة المصرية دون تقديم أي وثيقة رسمية تؤكدها، وهو ما لا يتناسب مع جميع قوانين الإثبات الجنائية، وإجراء تحقيقات نزيهة وفق الأصول القانونية للكشف عن الحقائق المجردة".
ووصف البيان سلوك الباحث الإيطالي بالمريب وغير المتناسب مع البحث الذي كان يجريه، الأمر الذي كان سبباً كافياً، بحسب النيابة المصرية، ليوجب على الأجهزة الأمنية "ممارسة عملها وواجبها القانوني لمتابعته بإجراءات تحريات إدارية لا تُقيد حريته أو تنتهك حرمة حياته الخاصة وقوفاً على طبيعة نشاطه بعدما وضع نفسه موضع اتهام".
حيث أكدت التحقيقات المصرية أنه "بالرغم من هذا السلوك المستغرب فقد انتهى التحري عنه إلى أن أفعاله لا تُشكّل جرائم تمس الأمن العام؛ ولذلك توقف التحري عنه عند هذا الحدّ، ولم تُتخذ أية إجراءات قانونية قِبَله"، على حد قولها.
"أطراف معادية لمصر وإيطاليا"
إذ أضافت النيابة المصرية أن سلوك وتحركات ريجيني التي وصفتها بغير المألوفة "لم تكن خافية على أحد من عوام الناس، بل باتت معلومة للكافة وذاع نبأ بلاغ مُقدم ضده، مما يكون قد استغله مجهول وعزم على ارتكاب جُرمه قبل المجني عليه، متخيراً يوم 25 يناير/كانون الثاني 2016 لارتكاب جرمه فيه لعلمه بانشغال الأمن المصري يومئذ بتأمين المنشآت الحيوية؛ فخطف المجني عليه واحتجزه وعذبه بدنيّاً ليُلصق التهمة بعناصر من الأمن المصري".
كما قُتل ريجيني بالتزامن مع مجيء وفد اقتصادي لزيارة البلاد، وألقى جثمانه بموقع حيوي بالقرب من منشآت هامة يتبع بعضها جهات شرطية، "كأنما أراد إعلام الكافة بقتله، ولفت الانتباه إليه، ما أكد للنيابة العامة وجود أطراف معادية لمصر وإيطاليا تسعى لاستغلال الحادث للوقيعة بينهما في ضوء التطور الإيجابي في علاقاتهما خلال الفترة الأخيرة، ويسايرها في ذلك بعض من وسائل الإعلام المعروفة بإثارة الفتن لإحداث تلك الوقيعة"، طبقاً لنص البيان.
وانتهت النيابة العامة المصرية إلى أن ظروف وملابسات الواقعة على هذا النحو لها صورة أخرى لم تكشف التحقيقات بعد عنها، أو عن هوية مرتكبها.
حقائق "صادمة"
وكان رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، قد صرّح في 15 ديسمبر/كانون الأول 2020، بأن إجراءات المحاكمة في قضية اختفاء ومقتل ريجيني سيكشف حقائق "صادمة" على الأرجح.
ورداً على سؤال عما إذا كانت إيطاليا ستبحث سحب سفيرها من القاهرة مثلما طالب والدا ريجيني مراراً، قال كونتي إن الأولوية الآن هي للمحاكمة لكن حكومته ستدرس هذا الخيار.
وفي مقابلة مع لصحيفة لا ستامبا المحلية، قال كونتي إن "هذه القصة تثير الحزن في نفوسنا لكن الآن سلطاتنا القضائية ستبدأ محاكمة… محاكمة حقيقية وجادة ويُعتد بها. هذه المحاكمة هي الوسيلة للوصول إلى الحقيقة التي من المتوقع مع الأسف أن تكون صادمة"، داعياً مصر إلى فعل المزيد، "وهي قادرة على ذلك".
ورغم العمل المشترك بين المحققين الإيطاليين والمصريين خلال الأعوام الماضية، إلا أن مصادر قضائية إيطالية قالت لرويترز العام الماضي إن إيطاليا تشعر بالإحباط بسبب بطء وتيرة تطورات التحقيق في مصر وقررت المضي قدماً في مسار وحدها في محاولة لدفع الأمور للأمام.
جدير بالذكر أن روما تطالب الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على مسؤولين مصريين متورطين في قضية ريجيني، ومراجعة علاقاته مع القاهرة.