كشف الناشط السوري محمد جمال مراد، المقيم في النمسا منذ 42 عاماً، عن تعرُّض أسرته للعنف على أيدي الشرطة في منزله بالعاصمة فيينا، وذلك بعد اقتحام البيت بحجة مكافحة الإرهاب.
هذا وقد سبق أن تولّى مراد خلال وجوده في النمسا مناصب إدارية في العديد من منظمات المجتمع المدني، كما أنه يتولى دوراً فعالاً في "الجماعة الإسلامية" بالنمسا منذ 11 عاماً، إضافة إلى عمله بالتجارة.
لكن ورغم أن مراد تربطه علاقات طيبة بالعديد من السياسيين والقادة بالأجهزة الأمنية النمساوية، بحسب ما يقول، فإنه وعائلته لم يسلموا من عنف الشرطة، وتمت معاملتهم وكأنهم إرهابيون.
ناشط سوري مقيم بالنمسا
أوضح مراد أن تلك العلاقات تعود لجهوده الاجتماعية التي يبذلها منذ سنوات طويلة بصفته ناشطاً إسلامياً، وإلى تعاونه مع المسؤولين النمساويين لخدمة المجتمع المحلي.
كما لفت مراد إلى أنه شخصية معروفة من قبل الدولة، وأن العديد من السياسيين وأصحاب المناصب القيادية بالدولة حضروا افتتاح مؤسسة (ليغا كولتور)، التي أسسها عام 2003، وإلى أن الكثير من المسؤولين النمساويين حضروا اجتماعات للمؤسسة.
لكن رغم كل ذلك لم يسلَم من اعتداءات الشرطة، ويروي مراد للأناضول ما حدث في الساعة الخامسة من صباح يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حيث داهمت الشرطة النمساوية منزله بعد تحطيم بابه الخارجي.
لصوص يحاولون اقتحام المنزل!
من هول الموقف الذي تخللته أصوات تحطيم وتكسير، اعتقدت زوجة مراد أن هناك لصوصاً يحاولون اقتحام المنزل وفق ما يقول. وأضاف أن عدداً كبيراً من أفراد القوات الخاصة بالشرطة المدججين بالسلاح دخلوا غرفة نومه وصوَّبوا الأسلحة نحوه وزوجته، وأجبروهما على الانبطاح أرضاً ورفع أيديهما.
كما أردف مراد أن مجموعة من أفراد الشرطة توجّهوا إلى غرفة الأطفال، فطلب منهم ألا يوقظوهم بهذه الطريقة، وإلا فإنه سيرفع عليهم دعوى قضائية، لكنهم لم يستجيبوا واقتحموا الغرفة بوحشية، وطلبوا من الأطفال النهوض.
بدورها قالت ابنة مراد (12 عاماً) للأناضول، إنها استيقظت إثر سماعها صراخاً وضجيجاً، وقبل أن تفهم ماذا يحدث فوجئت بأفراد من الشرطة يحملون السلاح يدخلون غرفتها.
كما أضافت أنها نظرت إلى أختها الصغرى فوجدتها مستيقظة، ولكنها لا تريد أن تفتح عينيها من شدة الخوف، ووصفت الطفلة مشاعرها إزاء الموقف بأنها "كانت مضطربة ما بين الخوف والقلق، وأنها حاولت أن تفهم لماذا تتعرض عائلتها لتلك المعاملة".
"كان أفراد الشرطة يتحركون وكأنهم يهاجمون عدواً في ميدان المعركة (…)"، هكذا وصف مراد مشهد اقتحام منزله. وقال: "في تلك اللحظات حاولت تمالُك نفسي، وأخذت أفكر أين أنا؟ هل أنا في منزلي؟ هل أنا في النمسا؟ أم أنني في سوريا، حيث تحدُث أحداث مشابهة كل يوم من قِبل النظام".
مواطنون من الدرجة الثالثة
في حين أضاف مراد: "في النهاية أدركت أنني في منزلي بفيينا التي أعيش فيها بسلام منذ 42 عاماً، لكن الشرطة عاملتنا وكأننا مواطنون من الدرجة الثالثة، وتصرفوا معنا بطريقة لا تُستخدم إلا مع إرهابيين مستعدين للقتال".
كما أشار إلى أن الشرطة بعد أن أنهت تفتيش منزله اقتادته إلى مكان عمله للتفتيش، وأنه عندما خرج من المنزل وجد أكثر من 25 فرداً من الشرطة، وحوالي 10 سيارات تابعة لهم، في مشهد لن ينساه طوال حياته.
في المقابل، لا يعرف مراد الاتهامات الموجَّهة إليه بالضبط، لكنه قال إنها "جاءت بناء على تقارير أعدَّها خبراء مزعومون معروفون بعدائهم للإسلام".
كما أن محامي مراد لم يتمكن حتى الآن من الاطلاع على ملف القضية، وفق ما يقول، لكنه شدَّد على أن ما حدث يُعد انتهاكاً لحقوقه الأساسية.
عائلات اخرى تعرضت لانتهاكات
في المقابل، لم يكن منزل مراد هو الوحيد الذي دهمته الشرطة النمساوية، فهناك قائمة من 23 اسماً غيره تمت مداهمة منازلهم، بناء على التقارير ذاتها، وفق ما يقول.
حيث أشار إلى أنه تحدث مع قائد الفريق الذي داهم منزله، وكان على معرفة شخصية به مسبقاً. وقال: "سألت قائد الفريق لماذا يتصرفون هكذا، ولماذا اقتحمتم منزلي؟ فأخبرني بأنه يعرفني جيداً، وأنه متأكد من براءتي، ولكنه ينفذ أوامر جاءته من جهات عليا".
كما أوضح مراد أن الشرطة أطلعته على ملف يحوي معلومات عنه وعن الأشخاص الذين تمت مداهمة منازلهم. وأوضح أن "القائمة كانت تضم 23 اسماً"، مشيراً إلى أنه عرف بعض الأسماء ومعظمهم معروفون لدى الرأي العام وخدمة البلاد.
تأثير اقتحام الشرطة لمنازل السوريين
أما بخصوص تأثير مداهمة الشرطة لمنزله على معاملة الجيران له ولعائلته فقال مراد "لم أتعرض لمعاملة سلبية مباشرة، إلا أنني أقرأ في أعينهم عبارة (هناك إرهابي يسكن بجوارنا)".
كما أضاف أن "عملية اقتحام منزلي والمنازل الأخرى أحدثت حالةً من الخوف والهلع لدى المسلمين في النمسا". وأشار مراد إلى أنه عقب دهم الشرطة لمنزله تم تجميد أرصدته في البنوك، كما تم وقف أنشطته التجارية.
فيما شدّد مراد على أنه سيواصل الكفاح القانوني حتى النهاية ضد ما تعرَّض له هو وأسرته من معاملة سيئة على أيدي الشرطة النمساوية. وقال مراد إنه إضافة إلى الشكل الهمجي الذي تمت به مداهمة منزله، فإن ابنتيه وإحداهما لا يتجاوز عمرها الـ 7 سنوات تواجهان مشاكل نفسية حالياً بسبب ما تعرضتا له.
يذكر أنه في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، نفّذت الشرطة النمساوية مداهمات على 60 منزلاً بتهم تشكيل كيان إرهابي وتمويل الإرهاب وتبييض الأموال، وأوقفت 30 ناشطاً إسلامياً وأكاديميين.
حيث قوبل استخدام الشرطة العنف تجاه أشخاص معروفين لدى الرأي العام ومعاملتهم كإرهابيين بردود فعل غاضبة من أوساط مختلفة من المجتمع النمساوي. وطالب الكثير من الكتاب والصحفيين ومؤسسات المجتمع المدني بإطلاق سراح الموقوفين فوراً.