تعيش مخيمات اللجوء الأوروبية أزمة إنسانية، خصوصاً مخيمات اليونان بجزر ليسبوس، وخيوس وساموس، وليروس وكوس، من أكثر مراكز الإيواء الأوروبية اكتظاظاً بأوروبا، حيث يعيش آلاف اللاجئين في ظروف غير إنسانية، ويقضون الأسابيع وأحياناً الأشهر والسنوات في خضم عنف وقسوة تولد من المشاكل النفسية.
واليوم الأربعاء 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، اندلع حريق كبير بمخيم "ليبا" شمال غرب البوسنة، والذي يؤوي حوالي 1300 شخص يعيشون في ظروف غير إنسانية، مقابل ذلك أكدت الشرطة اليونانية أن طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات تعرضت لاغتصاب تسبب لها في نزيف حاد.
أزمة مخيمات اللجوء الأوروبية حذرت منها لجنة الإنقاذ الدولية في تقرير سابق، تضمن شهادات 904 مشاركين في برامج صحية من المخيمات في جزر ليسبوس وخيوس وساموس، والذي كشف أنه بعد الإغلاق المرتبط بفيروس كورونا في مارس/آذار، كانت هناك زيادة بنسبة 71% في نسبة الذين يعانون أعراض أمراض عقلية، وزيادة بنسبة 66% في إيذاء النفس.
أزمة مخيمات اللجوء الأوروبية
من داخل جزيرة خيوس اليونانية وبالضبط من خيمة أسرة صغيرة بمخيم فيال، سرد زوجان سوريان معاناتهما لـ"عربي بوست"، مع إصرار تام على حفظ سرية هويتهما خوفاً من مشاكل قد تنجم عن الخوض في ظروف المخيم المزرية.
يحكي الزوجان الشابان، أنهما قررا النزوح من بلدهما نحو لبنان بداية، بسبب ظروف الحرب والأوضاع المزرية التي خلفها الصراع بين النظام السوري والميليشيات الإرهابية التابعة لداعش، ما جعل الحياة مستحيلة في سوريا.
استمرار اللجوء في لبنان صار مستحيلاً بعد فترة قصيرة، إثر صدور قرارات تعقّد الحياة على المستثمرين السوريين، وتطلب منهم تحصيل إذن بالاستثمار، فاضطر الزوج علي (اسم مستعار) للتخلي على مشروعه بعد تشميع محل مطعمه مرتين، الأمر الذي أدى إلى أزمة اقتصادية، دفعت الزوجين إلى السفر إلى تركيا، ثم إلى جزيرة خيوس اليونانية عن طريق التهريب.
رحلة شاقة نفسياً ومليئة بالمخاطر، خاضها الزوجان وفشلا في الوصول عبرها مرة براً ومرتين بحراً، ولم ينجحا سوى في المحاولة الرابعة، لينطلقا في رحلة أكثر مشقة، تتعلق الصعوبات فيها بالتأقلم مع ظروف العيش الصعبة في المخيم، ومشكل اللغة وعدم وجود شخص يساعدك في البلد الجديد أو يقدم لك معلومات وإرشادات للتغلب على الظروف القاسية.
مخيمات لا تصلح لعيش الحيوانات
أزمة مخيمات اللجوء الأوروبية تضاعفت في الآونة الأخيرة حتى أصبحت تُقارن بعيش الحيوانات، إذ تلقت رئيسة المفوضية الأوروبية لشؤون الهجرة، رسالة من منظمات حقوقية جاء فيها: "لقد درسنا قوانين حماية الحيوانات في أوروبا، ووجدنا أنها تتمتع بحقوق أكثر مما لدى هؤلاء، لذلك نطلب منكم فقط منح اللاجئين أبسط الحقوق التي تتمتع بها الحيوانات".
"ظروف العيش في المخيم سيئة جداً ولا يمكن وصفها، حتى الحيوانات لن تتأقلم على العيش في ظلها، وللأسف هذه الصدمة هي أزمة مخيمات اللجوء الأوروبية، ونعيشها على أراض أوروبية، كان الوصول إليها حلماً في الماضي القريب"، هكذا يلخص الزوج علي البالغ من العمر 28 عاماً إحساسه بالإحباط من تجربة اللجوء الاضطرارية.
معاناة الزوج علي يتقاسمها مع شريكة حياته حياة (اسم مستعار)، التي قالت لـ"عربي بوست": "تفاجأنا أول الأمر بعدم وجود بيوت أو إقامات، وبدل ذلك منحونا قماشاً لصنع خيمة لا تحمي لا من برد ولا شمس ولا شتاء ولا ثلج، وكانت الفاجعة عندما أوصلونا لمكان المخيم، فشهدنا اكتظاظا صادماً، إضافة إلى صدمتي بأن الناس تعيش في خيام دون أبواب تحمي من خطر الإنسان أو الحيوان أو حتى الحشرات".
عدم وجود صرف صحي أو مكبات قمامة يجعل الوضع الخاص بالنظافة كارثياً، ويُعمّق أزمة مخيمات اللجوء الأوروبية، "فالحمامات داخل المخيم قليلة للغاية وغير نظيفة، ونحتاج ساعات في طابور طويل لدخولها، وطبعاً الماء الساخن غير متوفر، وفي الوقت الذي تستحم فيه النساء يكون هناك خوف كبير من تعرض حرمتهن للانتهاك، بسبب عدم وجود أبواب للحمامات"، يحكي الزوجان علي وحياة.
وأضاف المتحدثان أن الجرذان تبقى المشكلة الأكثر انتشاراً بالمخيم، "كل ليلة نستيقظ على صرخات حوادث عض في صفوف اللاجئين بسبب انتشار الجرذان الكثيف، كما تتسبب عضاتها بإصابات بالطاعون، وهو أمر يقضّ مضجعنا كل ليلة".
تأمين الطعام أيضاً من المهمات الصعبة في هذا المخيم، إذ يحتاج السكان الوقوف في طوابير انتظار طويلة لساعات، في انتظار دورهم للحصول على وجبة، وما يزيد من الوضع سوءاً تعرض سكان المخيم عدة مرات للتسمم بسبب الطعام الفاسد.
وضع صحي كارثي
أزمة مخيمات اللجوء الأوروبية فاقمها الوضع الصحي المرتبط بأزمة كورونا، التي تسببت بالإغلاق الشامل، الأمر الذي فرض واقعاً سيئاً، وجعل الرعاية الصحية أمراً صعب المنال.
تحكي الزوجة حياة البالغة من العمر 28 سنة لـ"عربي بوست" عن تجربتها المؤلمة داخل المخيم قائلة: "خسرت أول حمل لي بالمخيم بسبب طول انتظار دوري في استشارة طبيب بعد معرفتي بالحمل واكتشاف نزيف طفيف، اضطراري للانتظار مدة طويلة للغاية جعل النزيف يزيد حدة، إلى أن فقدت الجنين حتى قبل رؤية الطبيب، وهو وضع ينطبق على كل النساء ومرضى المخيم، مهما اختلفت الحالات والأمراض التي يعانون منها".
وأوضح الزوجان أنه خلال انتشار وباء كورونا وما رافقه من إغلاق شامل، رفضت المستشفيات والعيادات الموجودة خارج المخيم استقبال اللاجئين لعلاجهم، كإجراء احترازي لعدم انتشار الوباء، وفي المقابل صار اللاجئون من دون مكان للعلاج، الأمر الذي زاد من أزمة مخيمات اللجوء الأوروبية.
أما عن الوضع النفسي للاجئين داخل المخيم فوصفه الزوجان لـ"عربي بوست" بالسيئ، وما يترجمه حسبهما "حالات الاكتئاب المنتشرة بين ساكني المخيم، ومحاولات الانتحار المتكررة التي نجحت في العديد من المرات، والأخطر أن الأطفال أيضاً تأثروا نفسياً وصاروا يعانون من حالات اكتئاب وتوحد، خاصة في ظل حرمانهم من أبسط شروط الحياة الإنسانية، ناهيك عن الحق في التمدرس واللعب".
حقوقيون مروا بنفس التجربة
وعن أزمة مخيمات اللجوء الأوروبية يُعلق عدنان الناشي، الناشط الحقوقي السوري المقيم بألمانيا، والمهتم بقضايا اللجوء واللاجئين، قائلاً إنه "من المعيب على الاتحاد الأوروبي الذي ينادي بميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ويتفاخر بالديمقراطية، أن يتعامل مع قضية إنسانية كهذه بطريقة وأساليب أُزهقت بسببها أرواح كثيرة".
وبالنسبة للناشط الحقوقي الذي تحدَّث لـ"عربي بوست" عن تجربة اللجوء داخل المخيمات اليونانية، فإن "هذه الأزمة مردُّها في الأصل لليمين المتطرف بالدول الأوروبية وتنامي شعبيته، إذ يعتبر أن أكبر مشكلة يواجهها المهاجر أو اللاجئ في بداية حياته في بلد الاستقبال هي الرفض الاجتماعي، الذي تسببه الحركات اليمينية المتطرفة، بسبب خطابها المتطرف العنصري الرافض لتواجد عرق آخر بالبلدان الأوروبية".
وربط المتحدث بين أزمة المخيمات وظروف العيش غير الإنسانية داخلها، وانتشار الفكر الرافض للاجئين والمهاجرين، معتبراً أن "أخطر ما تُواجهه هذه الفئة في أوروبا هو الفكر والجماعات اليمينية المتطرفة، التي باتت في بعض بلدان الاتحاد الأوروبي ذات أصوات مؤثرة على القرار السياسي، بل إن البعض منها وصل إلى سدة القرار".
وأوضح الحقوقي السوري أن "90% من ساكني مخيمات اللجوء في أوروبا غادروا وطناً مكلوماً بسبب حرب أو معضلة إنسانية، أملاً في إيجاد مكان داخل بلد تعلو فيه قيمة الإنسانية، وينشدون العدل، لكنهم تفاجأوا بظروف عيش عمّقت من أزمتهم النفسية، فبعد الهرب من الحرب والدمار يواجهون اليوم نبذاً مجتمعياً وتلاعباً سياسياً بحياتهم ومستقبلهم".
ولحلّ أزمة مخيمات اللجوء الأوروبية من جذورها، يرى عدنان الناشي أنه "وجب إعادة النظر في الترخيصات المخولة للجماعات الأوروبية التي تتبنى أفكاراً عنصرية ترفض الآخر، ومحاربة ترويج فكرة الهجمة الشرسة على اللاجئين، وتعويضها بنشر الوعي حول ظروفهم القاسية"، مؤكداً أن "المعضلة الكبرى أمام اللاجئين تبقى هذه الفجوة في الديمقراطية الأوروبية التي يجب حلُّها تشريعياً من خلال إصدار قوانين جديدة تُجرم التمييز العنصري والراديكالي".