تسبب عفو الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، عن 4 عناصر أمن من شركة بلاك ووتر، بعد أن كانوا مسجونين بتهمة ارتكاب مجزرة في بغداد عام 2007 أثارت احتجاجات واسعة ضد استخدام المرتزقة بالحرب، في غضب كبير بين العراقيين وصل صداه إلى البرلمان، الذي طالب بعدم التعامل مع شركات الأمن الأمريكية.
قبل انتهاء الأيام الأخيرة له في البيت الأبيض، منح الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، عفواً خاصاً لـ20 مداناً في التحقيقات المتعلقة بمزاعم تدخُّل روسيا في انتخابات 2016. كما أصدر عفواً عن 4 من حراس الأمن من شركة بلاك ووتر، كان قد حُكم عليهم بالسجن لمدد طويلة؛ لقتلهم 14 مدنياً في بغداد.
غضب عراقي من عفو ترامب عن مرتكبي مجزرة في بغداد
إذ قال عادل الخزعلي، الذي قُتِلَ والده في الهجوم، إنّه صُدِمَ فور تلقّيه الأنباء. وصرَّح لصحيفة The Guardian البريطانية، الأربعاء 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، قائلاً: "العدالة غير موجودة. أطلب من الشعب الأمريكي أن يقف معنا".
كما أضاف: "لقد فقدت والدي، ومات العديد من النساء والأطفال الأبرياء. أُطالب الحكومة الأمريكية بإعادة النظر في الأمر، لأن هذا القرار يُفقِدُ المحاكم الأمريكية سمعتها. لا يحق لترامب أن يعفو عن قتلة الأبرياء".
بينما قال الدكتور حيدر البرزنجي، الباحث والأكاديمي العراقي، إنه "لا يحق لترامب أن يُقرّر نيابةً عن أسر الضحايا العفو عن أولئك المجرمين الذين ارتكبوا مجزرة في بغداد. فهذا يتعارض مع حقوق الإنسان ويُخالف القانون. وفي القانون العراقي، لا يُمكن العفو عنهم إلا في حال عفت أسر الضحايا عنهم. وأُشجع أسر الضحايا على التقدّم بشكوى ضد ترامب بمجرد تولّي إدارة بايدن المسؤولية".
كما غرَّد ناشط حقوق الإنسان العراقي حيدر سلمان، قائلاً: "ما أزال أتذكّر أستاذي في علم الدم بجامعة بغداد (الذي أُصيب بالرصاص في المذبحة مع عائلته) حين عاد إلى الحياة بعد مصرع طفليه وزوجته في ساحة النسور، وكاد يفقد عقله".
وأضاف مستدركاً: "لكن الرغبة في إدانة القتلة الذين ارتكبوا مجزرة في بغداد كانت أحد أسباب بقائه على قيد الحياة. والشخص الذي يُفرج عن أولئك المجرمين مجرمٌ بقدرهم. ويجب أن تطلب الحكومة العراقية من إدارة بايدن إلغاء هذا العفو".
سلوكيات قاسية ومهينة تجاه السكان المحليين
وقعت مجزرة في بغداد بساحة النسور بعد أربع سنوات من الغزو الأمريكي، الذي أشعل حرباً طائفية شرسة وأسفر عن نزوحٍ جماعي للعديد من العراقيين. وترك الاحتلال الأمريكي الطويل المواطنين في حالة امتعاض من القوافل الأمنية التي عاثت في الشوارع خراباً كما يحلو لها، وكانت في بعض الأحيان تُطلق النيران على السيارات التي تقترب منها أثناء الحركة.
كان المقاولون الأمنيون الخاصون، وشركات خدمات الدعم اللوجيستي، والجيش الأمريكي في بعض الحالات، مصدراً متكرراً للشكاوى، بسبب السلوكيات القاسية والمُهينة تجاه السكان المحليين.
إذ قال ريبال منصور، الذي سمع الضجيج في ساحة النسور يوم 16 سبتمبر/أيلول عام 2007، وهرع إلى ساحة المذبحة: "كنا نشعر بالرعب منهم، خاصةً رجال بلاك ووتر الذين كانوا أكثرهم شراً. وما رأيته يومها سيُطاردني إلى الأبد. كان ينبغي أن يكون هناك خطٌّ أحمر. ومنحهم الحرية بواسطة القائد الأعلى للولايات المتحدة أمر مُخزٍ".
غضب داخل البرلمان العراقي
كما طالب البرلمان العراقي، الخميس، الحكومة بـ"إيقاف أو مراجعة تعاقداتها مع الشركات الأمنية الأمريكية"، رداً على العفو الرئاسي الأمريكي عن 4 من عناصر شركة "بلاك ووتر" الأمنية الخاصة أُدينوا بارتكاب مجزرة في بغداد قبل 13 عاماً.
قالت لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، وفق ما ذكرته وكالة الأناضول، إنها "تدين وبشدة، القرار الذي أصدره الرئيس ترامب بالعفو عن العناصر الذين أدانتهم المحاكم الأمريكية بشأن جريمة قتل مدنيين عراقيين في بغداد".
أضافت اللجنة، أنها ستتابع من طرفها إجراءات وزارة الخارجية العراقية بهذا الخصوص.
بينما أعلنت الخارجية رفضها قرار ترامب العفو عن مرتكبي مجزرة في بغداد، وقالت في بيان، إن "القرار لم يأخذ بالاعتبار خطورة الجريمة المرتكبة ولا ينسجم مع التزام الإدارة الأمريكية المُعلن بقيم حقوق الإنسان والعدالة وحكم القانون".
وأكدت أن قرار ترامب "يتجاهل بشكل مؤسف، كرامة الضحايا ومشاعر وحقوق ذويهم". وأوضحت الخارجية أنها "ستعمل على متابعة الأمر مع حكومة الولايات المتحدة، عبر القنوات الدبلوماسية؛ لحثها على إعادة النظر في هذا القرار".
قرار ترامب سيزيد الضغط على بايدن
بصفته الرئيس المُقبل، سيتعرّض بايدن بالتأكيد لضغوط كبيرة من المسؤولين العراقيين؛ من أجل تغيير القرار القاضي بالعفو عن مرتكبي مجزرة في بغداد. إذ قال مساعد مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي: "سيكون هذا أول شيءٍ نُناقشه معه".
بعد انتشار أنباء العفو مساء الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول، قال محامي أحد المدّعى عليهم الأربعة من شركة بلاك ووتر، بريان هيبيرليغ: "بول سلوغ وزملاؤه لم يستحقوا قضاء دقيقةٍ واحدة في السجن. لا أستطيع التعبير عن سعادتي بهذه الأخبار الرائعة".
فيما قبلت جميع أسر الضحايا مبالغ التعويضات من شركة بلاك ووتر، 50 ألف دولار للمصابين و100 ألف دولار لأقارب القتلى، باستثناء أسرة ضحية واحدة.
إذ كان هيثم الربيعي -الذي فقد زوجته الطبيبة محاسن وابنه طالب الطب أحمد (20 عاماً)- الوحيد الذي رفض العرض. بينما قالت زميلة دراسة سابقة لأحمد، إنّ عفو ترامب لم يكُن مفاجئاً للعراقيين.
وأضافت في حديثها لوكالة AFP الفرنسية: "لم يتعامل الأمريكيون قط مع العراقيين باعتبارهم سواسية. وبالنسبة لهم، فإن دماءنا أرخص من الماء، ومطالبنا بالعدالة والمساءلة مجرد إزعاج".