توتر دبلوماسي مع “الأشقاء” وتطبيع الجيران يقلب المعادلات السياسية.. هل تُغادر الجزائر جامعة الدول العربية؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/23 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/23 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (مواقع التواصل الاجتماعي)

طفا على سطح الساحة السياسية في الجزائر خبر مغادرة الجزائر لجامعة الدول العربية، وذلك في ظل توتر علاقاتها مع بعض الدول العربية، واختيارها تحالفاً سياسياً واقتصادياً جديداً يتكون من روسيا والصين وتركيا.

وبسبب هذه التحولات تُحاول الجزائر إعادة ترتيب علاقاتها الخارجية، إذ أصدرت بعض الأحزاب والشخصيات بيانات تُطالب من خلالها بمغادرة جامعة الدول العربية، بسبب مواقفها من قضايا إقليمية، فهل ستكون الجزائر أول دولة تسحب عضويتها من جامعة الدول العربية؟

مغادرة الجزائر لجامعة الدول العربية

يعتبر حزب العمال في الجزائر أكبر المطالبين الداعمين لخيار مغادرة الجزائر جامعة الدول العربية، إذ طالبت الأمينة العام للحزب، لويزة حنون، بضرورة مغادرة الجامعة، ومنطقة التبادل التجاري العربية، والشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

وأرجعت حنون أسباب إلحاحها على هذا المطلب، إلى "السيطرة الإسرائيلية على هذه الكيانات، وتأثيرها على المواقف الجزائرية، خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو ما سيجعل الجزائر أمام خيار لا ثاني له، وهو ترك الجامعة؛ للحفاظ على مواقفها".

المتحدث الرسمي باسم حزب العمال جلول جودي، قال في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "ما قالته الأمينة العامة، لويرة حنون، هو الموقف الثابت للحزب، والبقاء بالجامعة العربية في ظل كل هذه التطورات أصبح بلا معنى".

ويرى جودي أن "مطلب الحزب المتجلي في مغادرة الجزائر جامعة الدول العربية لا يعني بالضرورة قراراً رسمياً جزائرياً، فالسلطات العليا في البلاد- كما يقول- لها الآن الخيار في أن تنسحب أو تبقى، فالحزب قدَّم طلبه بالانسحاب ومقيد بتوضيحات وأسباب، والدولة لها خيارها".

من جهتها كانت الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، قد صرحت لـ"عربي بوست"، بأن "الإمارات أثبتت أنها المؤثر في عديد من القضايا العربية، لذا وجب طردها من الجزائر والجامعة العربية، أو ننسحب منها نحن".

من جهتها اعتبرت جبهة المستقبل (حزب موالٍ)، في بيان لها، أن "كل هذه التحركات طعن في ظهر الجزائر من الأشقاء العرب، سواء أكان طعناً من أجل القضية الفلسطينية أم الصحراوية، وهما القضيتان اللتان تحظيان بموقف مشرف من الجزائر".

ويرى الحزب أن "عدم مغادرة الجزائر جامعة الدول العربية في هذا الظرف بات بلا معنى ولا دور؛ نظراً إلى رد فعل عديد من الدول العربية، خاصة منها الخليجية".

من جهته طالب حزب التجمع الوطني الديمقراطي (موالٍ) هو الآخر بـ"مراجعة الجزائر لعلاقاتها الخارجية"، مبرراً ذلك بـ"انحراف المواقف العربية بخصوص المواقف الثابتة للأمة، لاسيما بعد موجة التطبيع التي امتدت إلى غاية الحدود الغربية للجزائر".

صورة من الحراك الجزائري (رويترز)
صورة من الحراك الجزائري (رويترز)

نقاش في البرلمان

أمام جدل مغادرة الجزائر جامعة الدول العربية كشف مصدر من داخل مجلس الأمة الجزائري لـ"عربي بوست"، أن "الجزائر وبعد مطالبها بوضع إصلاحات في الجامعة العربية، تيقنت اليوم أن الظروف باتت أعقد من الإصلاحات، ولم تتبقَّ سوى مغادرة الجامعة"، مؤكداً أن "الجزائر ستتخذ خطوة جادة، لكنها تؤجلها إلى ما بعد عودة الرئيس". 

من جهته يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجزائر، عبدالجبار بن شرفي، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أنه "المسؤولون في الجزائر، أو الهيئات الحزبية لا يمكنهم أن يبتُّوا في قرار مغادرة الجزائر جامعة الدول العربية بعيداً عن البرلمان بغرفتيه".

ولا يستبعد بن شرفي أن "تناقش الجزائر هذه المرة بجدية، قضية مغادرة الجزائر لجامعة الدول العربية لأسباب كثيرة، منها قضية التطبيع مع إسرائيل من قِبل عدد من الدول العربية، إضافة إلى انقلاب بعض الدول العربية على موقف الأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء، زيادة على الخلافات السياسية والاقتصادية بين الجزائر وبعض الدول العربية".

وبحسب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات فإن "الجزائر وجدت نفسها في مفترق الطرق، وقد تختار مغادرة الجزائر لجامعة الدول العربية؛ للحفاظ على مواقفها، والتصرف بحريةٍ حيال مستقبلها المبنيّ على علاقات روسية صينية وتركية".

ويرى المتحدث ذاته في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "الجزائر مقبلة بعد عودة الرئيس عبدالمجيد تبون من ألمانيا الاتحادية، على مواعيد انتخابية مهمة، أكدها تصريح الرئيس بالإسراع في الإفراج عن قانون الانتخابات الجديد، في آخر ظهور له صورة وصوتاً، مخاطباً الشعب الجزائري".

هذه الانتخابات- يضيف المتحدث- "ستسبقها عملية حل شامل للمجالس الشعبية المنتخبة، بداية من البرلمان بغرفتيه، مروراً بالمجالس الشعبية الولائية، وصولاً إلى البلديات؛ لتأكيد مسعى الجزائر الجديدة التي تحدثت عنها الحكومة مراراً".

المصادقة على انسحاب الجزائر من الجامعة العربية- كما يرى بن شرفي- "ستُعرَض على البرلمان الجديد"، متوقعاً أن يكون ذلك في الثلاثي الأول من العام المقبل (2021).

مخططات أمريكية إسرائيلية

الإعلامي الجزائري بجريدة "عين الجزائر" سفيان خرفي، يؤكد أن "الجزائر اليوم تيقنت بشكل واضح، من أن دور الجامعة العربية بات بعيداً عما تأسست لأجله، وأصبحت اليوم تعمل على إنجاح مخططات أمريكية إسرائيلية في المنطقة".

ويقول خرفي لـ"عربي بوست"، إن "الجامعة العربية تأسست من أجل خلق محيط عربي سياسي اقتصادي ناجح، تتحد فيه الدول الـ22 ممثلة لها، يساعد القوي فيها الضعيف، وتنتصر للقضايا العادلة، لا أن تسعى لإنجاح أجندات إسرائيلية أمريكية".

وأضاف المتحدث أن "الملاحَظ اليوم أن العديد من الدول التي هي ركيزة بالجامعة العربية خربت اليمن، وحطمت سوريا، وأشعلت ليبيا، وهي اليوم تمتد باسم التطبيع مع إسرائيل والمساهمة في إنجاح نظرة أمريكا للشرق الأوسط الجديد".

وحسب المتحدث، فإن "أسباب التفكير في مغادرة الجزائر لجامعة الدول العربية أولها خذلان الشعوب في قضاياها العادلة من قِبل الجامعة، وثانيها إضعاف موقف الجزائر الواضح بشأن الملفين الفلسطيني والصحراوي".

من جهته الشيخ أحمد ايبرة، قال القيادي في حزب حركة مجتمع السلم الجزائرية، إن "دور الجامعة العربية، بات في ظل رجات التطبيع الأخيرة، بلا معنى ولا قاسم مشترك". 

وقال المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست"، إن "الجامعة العربية سابقاً كانت تجمع الدول العربية في مواقف عدم التطبيع، ونصرة القضايا العادلة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكن اليوم للأسف أصبحت تعمل لأجندات غربية خذلت حتى قضية الأمة، القضية الفلسطينية".

إصلاح الجامعة العربية

فييونيو/حزيران 2020، خرج وزير الخارجية الجزائرية، صابري بوقادوم، بتصريح مباشر موجَّه لجامعة الدول العربية، يؤكد فيه مطلب الجزائر إجراء إصلاحات عميقة داخل الجامعة.

وعرض وزير الخارجية الجزائري، حينها، حال دولتين عربيتين، إحداهما طُردت من الجامعة، في إشارة منه إلى سوريا، والثانية قُصفت بتزكية من الجامعة، في إشارة منه إلى ليبيا.

وفي سبتمبر/أيلول 2020، جددت الجزائر أهمية إصلاح العمل العربي المشترك؛ للاستجابة للتحديات الإقليمية والدولية، مبديةً أملها في أن تكون قمة الجزائر المقبلة محطة فارقة في مسار هذا الإصلاح كما كانت عليه قمة الجزائر 2005.

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبدالجبار بن شرفي، أن "إلحاح الجزائر على الإصلاحات العميقة بالجامعة العربية دليل على علمها المسبق بما قد يحصل في قادم الأيام، خاصةً عاصفة التطبيع".

ويقول بن شرفي لـ"عربي بوست": "أكاد أجزم بأن المخابرات الجزائرية كانت على علم بخطوات التطبيع القادمة من قِبل الدول العربية، لذا كانت حريصة على إجراء إصلاحات تصد بها باب التطبيع". 

انسحاب منطقي وبلا خسران

في قراءة سابقة نشرها المحامي والمحلل السياسي الجزائري بلال بوخضرة، أكد فيها أنه "لم يبقَ للجزائر حلفاء أقوياء في الجامعة العربية، لاسيما أمام انحسار دور مصر الريادي والتاريخي لصالح المملكة العربية السعودية أساساً".

وأضاف المتحدث أنه "ينبغي للجزائر مغادرة جامعة الدول العربية؛ لعدم جدوى دور الجامعة السياسي، وأن الحديث عن دور هذا الهيكل فيما يخص الآداب والفنون العربية هو لعب على الذقون وذر للرماد على العيون"، مضيفاً أن "هذا الانسحاب وإن حصل، فلن يؤثر سلباً على دعم القضية الفلسطينية ولا على التعاون الثنائي العربي عربي، بل هو انسحاب من منظمة سياسية إدارية لا غير".

وأشار المتحدث إلى أن "الجزائر لم تعتمد على هذه الجامعة؛ بل كانت زيادة في قوة الجامعة وليس العكس، ولم يعد لها الآن مكان في هذا الهيكل الذي أصبح بوقاً للدول العربية التي تعمل على ضرب الدول العربية الشقيقة الأخرى، وتخريبها تحت غطاء الديمقراطية".

من جهته يرى الإعلامي الجزائري سفيان خرفي، أن "خيار مغادرة الجزائر لجامعة الدول العربية أصبح واضحاً ومنطقياً، ولا يوجد أي تخوف من ذلك، بل العكس صانع القرار في الجزائر يدرك جيداً مصالح البلد في ظل ظهور تحالفات وتكتلات جديدة أمْلتها معطيات مرحلة ما بعد سقوط الأقنعة".

وبخصوص من يعتبر أن الجزائر باتت منعزلة دبلوماسياً بسبب هرولة الدول العربية إلى دعمها الموقف المغربي في قضية الصحراء، يقول خرفي لـ"عربي بوست"، إن "بوصلة الجزائر لم تعد مرتبطة بالدول العربية فحسب، بل هناك علاقات دبلوماسية عميقة مع دول كبرى ليس على الصعيد السياسي فقط، بل حتى على الصعيدين الاقتصادي والأمني وغيرهما".

مغادرة الجزائر لجامعة الدول العربية، في نظر سفيان خرفي، "لن تلحق بالجزائر أية خسائر، بل ستكون موقفاً يؤكد استقلالية الجزائر وتطليقها عهد الوصاية والتبعية بخصوص سياستها الخارجية، والانتقال إلى مرحلة صناعة وجود حقيقي للبلد على خارطة العلاقات الدولية".

من جهته يرى القيادي في حركة مجتمع السلم الجزائرية، الشيخ أحمد ايبرة، أن "بقاء أو مغادرة الجزائر لجامعة الدول العربية أصبح اليوم سيان، لأن الجامعة اليوم بدورها تُهرول وراء التطبيع مع إسرائيل، إضافة إلى ارتفاع مؤشر التدخلات في الشؤون الداخلية، والوقوف ضد الديمقراطية ورغبة الشعوب".

وأضاف المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "الجزائر التي كانت تعتمد على موقفها في منبر الجامعة لنصرة القضايا العادلة خاصةً الفلسطينية، وحل الخلافات بين الدول العربية، وجدت نفسها اليوم أمام تحدٍّ كبير حتى تحافظ على موقفها على الأقل في نصرة القضايا العادلة".

واعتبر أن "الجامعة العربية وبعد رجَّة التطبيع، لا يمكنها أن تجتمع من جديد، ولا يمكن أن تخلق ذلك التوافق بين الوفود والمجالس، وحتى رئاسة الدورة اليوم- كما يعرف الجميع- تتأرجح ولا أحد يريد أن يترأسها"، مضيفاً أن "الجامعة العربية انتهت، وانتهى دورها ما دام هناك طيف يتَّسع كل يوم ليطبِّع مع إسرائيل".

من جهته يرى القيادي بحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، عثمان بن صيد، في حديثه مع "عربي بوست"، أن "المسار الدبلوماسي لأي دولة هو خيار الشعب، وأحسن خيار يحصّن البيت الوطني ويصنع له هيبة مع العالم الآخر هو حماية الحقوق الأساسية للمواطن، ودفع الأمور نحو استقلال القضاء، وحرية الإعلام، وبناء اقتصاد وطني قوي ومؤسسات تتمتع بالشرعية الشعبية وهي من يتخذ القرار".

لا انسحاب انفرادياً

"ما يقع الآن من الرِّدّة عن المواقف التاريخية لبعض الدول العربية الأساسية، خاصة فيما يتعلق بالتطبيع والحقوق التاريخية والمشروعة للشعب الفلسطيني، ليس مبرراً لخروج الجزائر بقرار انفرادي من جامعة الدول العربية"، يقول القيادي في حركة مجتمع السلم الجزائرية ناصر حمدادوش.

وقال حمدادوش في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "الجزائر ستبقى وفيَّة لبيان أول نوفمبر/تشرين الثاني، والانتماء إلى البُعدين العربي الإسلامي كما نص عليه ذلك البيان التأسيسي التاريخي للدولة الجزائرية، ولا يمكن عزلها عن هذا الامتداد الحضاري الطبيعي"، مؤكداً أن "مغادرة الجزائر لجامعة الدول العربية بشكل انفرادي خطأ، بعيداً عن مشروع عربي أو إقليمي بديل، فالعالم الآن لا يعترف إلا بتكتلات القوى الدولية".

وأضاف المتحدث أنه "قبل التفكير في خطوة مغادرة الجزائر لجامعة الدول العربية يجب على البلاد أن تتقن نسج العلاقات الدولية، ومنها تمتين توجهها نحو القوى الإقليمية والدولية باتجاه الشرق، والتحرر من هيمنة الأحادية الغربية، وذلك بالتوازن في العلاقة مع الصين وروسيا وتركيا".

من جهته يرى الكاتب الصحفي التونسي، عائد عميرة، أن "مغادرة الجزائر لجامعة الدول العربية ستزيد من حالة العزلة الممارَسة ضد الجزائر من قِبل بعض الأطراف، نذكر منها مصر والإمارات، فهذه الأطراف تسعى لإضعاف مكانة الجزائر في المنطقة العربية".

واعتبر المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "مغادرة الجزائر للجامعة العربية ليست هي الحل، لأن إصلاح الجامعة العربية يكون من الداخل، فإن خرجت منها الجزائر فستفقد فرص الإصلاح والتقويم".

وباختصار كما يرى الشيخ أحمد ايبرة، "مغادرة الجزائر لجامعة الدول العربية بشكل انفرادي ستستغله بعض الأطراف، فبعد إضعاف دور العراق واليمن وسوريا في الجامعة، تسعى هذه الأطراف لإضعاف دور الجزائر، أيضاً، داخل البيت العربي".

من جهته يرى النائب البرلماني عن حركة مجتمع السلم الجزائرية، حمدادوش ناصر، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "الانسحاب من جامعة الدول العربية يجب أن يكون من جهة من خان قضايا الأمة، وعلى الجزائر أن تُحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه وليس الإجهاز عليها بخطوات عبثية".

وأشار المتحدث إلى أن "جامعة الدول العربية كانت بحاجة إلى تفعيل إصلاحات عميقة منذ عقود، والجزائر كانت من ضمن الدول الداعية إلى الإصلاح، هذا الأخير الذي يصعب الآن في ظل أنظمة عربية تفتقد السيادة على قراراتها وخياراتها".

وبالنسبة للكاتب الصحفي عائد عميرة، فيؤكد أنه "لا توجد أي دولة حالياً ستساند الجزائر في مسعاها للخروج من الجامعة العربية، حتى إنه لا توجد دولة تنتقد عمل الجامعة، ومن ثم على الجزائر أن تقوم بدور الإصلاح".

تحميل المزيد