يستعد المغرب، غداً الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، إلى استقبال الوفد الإسرائيلي في المغرب، يترأسه كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دافيد كوشنر، مرفوقاً برئيس الوفد الإسرائيلي مستشار الأمن القومي مئير بن شبات.
وكشفت مصادر مؤكدة من مصادر داخل وزارة الخارجية المغربية لـ"عربي بوست" أن زيارة الوفد الإسرائيلي في المغرب ستعرف توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية تهم بالأساس مجال الطيران المدني، والملاحة الجوية، والماء، والطاقة، والاقتصاد.
ويستعد المغرب لاستقبال أول رحلة طيران مباشرة من إسرائيل، وذلك حسب ما أعلنت عنه شركة طيران "العال" الإسرائيلية أمس الأحد 20 ديسمبر/كانون الأول 2020، مباشرة بعد إعلان الملك محمد السادس في 10 من ديسمبر/كانون الأول 2020 عن عودة العلاقات بين البلدين، واستئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية في أقرب الآجال.
غياب الوزراء
وأمام الجدل القائم، وانقسام الوسط السياسي المغربي، بين جهة تقبلت وأخرى رفضت التطبيع مع إسرائيل، لم يحسم، إلى حدود صباح اليوم الإثنين 21 ديسمبر/كانون الأول 2020، حضور رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، سعد الدين العثماني، لاستقبال الوفد الإسرائيلي في المغرب.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر مقربة من رئيس الحكومة، فإن العثماني أجاب عن سؤال طُرح عليه في لقاء حزبي حول إمكانية حضوره للقاء توقيع الاتفاقيات بين المغرب وإسرائيل، فأجاب بأن "الأمر لا يعنيه كرئيس حكومة".
وأضاف المصدر ذاته أنه لحدود صباح اليوم الإثنين 21 ديسمبر/كانون الأول 2020 قُرر أنه لن يحضر رئيس الحكومة لأسباب كثيرة، منها لأن الوفد الإسرائيلي في المغرب لن يتضمن رئيس الحكومة، وثانياً لأن الاتفاقيات المنتظر توقيعها لا تهم رئاسة الحكومة بل وزارات أخرى.
وأشارت مصادر مقربة من خلية تنظيم حفل توقيع الاتفاقيات بين الجانبين، المغربي والإسرائيلي، إلى أن جدول الأعمال النهائي للقاء لم يحسم بعد، إذ إن التنسيق مازال مستمراً، وهناك أخذ ورد بين الجانبين.
في السياق ذاته، كشفت مصادر "عربي بوست" أنه من بين الاتفاقيات المرتقب توقيعها مع الوفد الإسرائيلي في المغرب، اتفاقيتان تهمان وزيرين من حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وقائد الائتلاف الحكومي والمناهض للتطبيع مع إسرائيل.
وتهم الاتفاقيات كلاَ من وزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء التي يقودها عبدالقادر عمارة، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، ووزارة الطاقة والمعادن، التي يقودها أيضاً عضو الأمانة العامة للحزب عزيز الرباح.
مقابل ذلك أكدت مصادر دبلوماسية لـ"عربي بوست" أن الوزراء لن يوقعوا الاتفاقيات مع الوفد الإسرائيلي في المغرب، إذ سيتم الاكتفاء بتوقيع مديرين مركزيين وكتاب عموم، نظراً لأن الوفد لا يضم وزراء، الأمر الذي سيرفع الكثير من الحرج عن وزراء الحزب الإسلامي بالتحديد.
تطبيع الحكم لا الحكومة
يبدو أن المغرب اختار أن يبدأ التطبيع مع إسرائيل بشكل متدرج، لذلك لن يتم توقيع الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي من طرف الوزراء، بل مع مديرين مركزيين لعدد من القطاعات الوزارية، حسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست".
ويرى إدريس الكنبوري، الكاتب والمحلل المغربي، أن "عدم توقيع الوزراء المغاربة على الاتفاقيات مع ممثلي الوفد الإسرائيلي في المغرب لا بد أنه تم بتفاهم مع الدولة وذلك لرفع الحرج، خصوصاً أن الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي هو حزب إسلامي".
أما بخصوص موقف وزراء حزب العدالة والتنمية، فقال الكنبوري في حديثه مع "عربي بوست" إن "الحزب قد ينحني، لأنه ليس هو المسؤول مباشرة عن التطبيع، وهو يميز بين الحكم والحكومة، وأن من قام بالتطبيع هو من يدير الحكم في البلاد وليس الحكومة".
وأضاف المتحدث أن "السياسة الخارجية في المغرب تقاد من أعلى هرم في الدولة، والأحزاب غير مسؤولة عنها"، كما أن "عدم توقيع الوزراء على الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي هو مخرج راقٍ ومتحضر، يدل على أن الدولة تتفهم مواقف بعض الهيئات السياسية".
ويؤكد الكنبوري أن "تطبيع المغرب مع إسرائيل لا يعني تكميم أفواه معارضي التطبيع كما وقع في الإمارات، بل هناك هيئات سياسية وحقوقية تعبر عن رأيها وممانعتها".
من جهته، عبر عبدالعزيز أفتاتي، القيادي في حزب العدالة والتنمية عن موقف أغلبية أعضاء حزبه، الذين وجدوا حرجاَ من إعلان المغرب للتطبيع مع إسرائيل واستعداده لاستقبال وفد قادم من تل أبيب.
وقال أفتاتي لـ"عربي بوست" إن وزراء الحزب لن يستقبلوا أياً من المسؤولين الإسرائيليين، لأن ذلك من باب المستحيل، مضيفاً: "وزراؤنا لن يجلسوا مع الصهاينة، وكذلك عمداء المدن الكبرى المنتمون للحزب، لأن الجلوس مع قتلة الأطفال والمحتلين خط أحمر".
هل يصادق البرلمان على الاتفاقيات مع إسرائيل؟
وينص الدستور المغربي على أن الملك يوقع على المعاهدات ويصادق عليها، غير أنه لا يصادق على معاهدات السلم أو الاتحاد، أو التي تهم رسم الحدود، ومعاهدات التجارة، أو تلك التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة، أو يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية، أو بحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، العامة أو الخاصة، إلا بعد الموافقة عليها بقانون.
ويلاحظ أن البرلمان المغربي يوافق دائماً على المعاهدات التي توقعها الحكومة بقانون، وهو ما أعاد التساؤل حول ما إذا كانت الاتفاقيات التي ستعقد مع الوفد الإسرائيلي في المغرب ستحال على البرلمان، وكيف سيتصرف تجاهها؟
ويرى إدريس الكنبوري في تصريحه لـ"عربي بوست" أن "البرلمان سيوافق في نهاية المطاف على الاتفاقيات التي ستعرض عليه، فالبرلمان غير مستقل عن الحكومة"، مشيراً إلى أنه "لا بد أن يعارض بعض البرلمانيين هذه الاتفاقيات، وهو ما سيخدم الدولة في نهاية الأمر، التي تعتبر ذلك دليلاَ على انفتاحها الديمقراطي".
من جهته، يؤكد عبدالعزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أن "حزب العدالة والتنمية لن يسجل في تاريخ برلمانييه أنهم وافقوا على اتفاقية مع إسرائيل".
وكانت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية قد أصدرت بلاغاً نوهت فيه بـ"اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمغربية الصحراء، وتجنبت الحديث عن التطبيع، بينما أعلنت شبيبة الحزب، التي يترأسها وزير الشغل والإدماج المهني محمد أمكراز رفضها الواضح لأي تطبيع مع إسرائيل.
مقابل ذلك، استنكرت حركة التوحيد والإصلاح، المقربة من حزب العدالة والتنمية، محاولات التطبيع والاختراق الصهيوني، معتبرة أنه "تطور مؤسف، وخطوة مرفوضة لا تنسجم مع موقف الدعم الثابت والمشرّفِ للمغرب، الذي يضع دائماً القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية".
الوفد الإسرائيلي في المغرب
وكان بلاغ الديوان الملكي الذي أعلن في الـ10 من الشهر الجاري استئناف العلاقات مع إسرائيل قد تحدث عن "تطوير علاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي".
من جهة أخرى، قالت نادية فتاح علوي، وزيرة السياحة المغربية، إن عدد السياح الإسرائيليين الذين سيزورون المغرب سنوياً سيصل إلى 200 ألف سائح بعد إطلاق رحلات جوية مباشرة من إسرائيل إلى المغرب في العام المقبل، بينما أكد وزير الخارجية ناصر بوريطة في تصريحات إعلامية سابقة زيارة 70 ألف يهودي من أصل مغربي المغرب العام الماضي عبر رحلات غير مباشرة.
وغالباً ما كان اليهود من أصل مغربي في إسرائيل يزورون المغرب لإحياء أعيادهم الدينية عبر مطارات دول أوروبية.
وتزامناً مع اللقاء المغربي الإسرائيلي، اختارت السفارة الأمريكية في المغرب مخاطبة المغاربة باللغة العربية بمناسبة مرور 243 سنة على اعتراف المغرب بأمريكا، مؤكدة "أهمية التطبيع بين المغرب وإسرائيل بالنسبة لأمريكا".
وقالت السفارة الأمريكية في تغريدة لها إن "إعلان الرئيس ترامب الأخير عن الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، زيادة عن العلاقات الدبلوماسية المعززة بين المغرب وإسرائيل، سنواصل البناء على هذا الأساس القوي لأكثر من 200 عام من الصداقة بين بلدينا".